حديث لماذا الانتظار؟

حديث
لماذا الانتظار؟!..
لسماحة الأخ المرجع القائد احمد الحسني البغدادي
ان البعض من الناس يصرح ان الله يأمرنا بعدم الانتماء إلى الحركات العاملة لتحقيق الدولة الإسلامية والحكومة الإسلامية في هذه الأزمنة، بل أوجب الله علينا انتظار المهدي المنتظر (عليه السلام) في آخر الزمان حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملأت ظلماً وجوراً. وعلى ضوء ذلك يستدلون برواية تامة السند يمكن فرض وصفها ناظرة إلى اشتراط المعصوم في إقامة الدولة الإسلامية على مسار العنف الثوري والكفاح المسلح، وهي صادرة عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):((كل رايةٍ تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عز وجل)) أفلا تعتقد انهم يتخطون حدودهم ويمزجون ما يدافعون عنه وما يدعونه ضد السيد القائد الإمام الخميني بوصفه مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران؟!..
ان هذه الآراء المطروحة في الساحة آراء ساذجة وليست علمية من خلال تفنيد رواية الراية ويمكن تفسيرها من عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: ما دل على وجوب الأخذ بـ((التقية الشرعية))، وعدم اختراقها قبل ظهوره (عليه السلام).. بسبب عدم حتمية النجاح والانتصار المحتوم على الظالم.. كل ذلك لفقد القاعدة الإيمانية الرسالية العريضة، وعدم تقية الشيعة الإمامية، وعدم كتمان عملهم الحركي ...ودليلنا على ذلك:
واحد: صرح الإمام الصادق (عليه السلام) لمجموعة من أصحابه: ((لو ان لي عدد هذه الشويهات (وكانت اربعين) لخرجت)).
اثنين: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في وصيته لمؤمن طاق: ((فوالله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فاذعتموه فاخرجه الله)).
الاحتمال الثاني: ما دل على قصة الحسين بن علي قتيل معركة فخ حينما ودعه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قائلاً: ((يا ابن عم انك مقتول فأجد الضراب، فان القوم فساق يظهرون ايماناً، ويضمرون نفاقاً وشركاً، وانا لله وانا اليه راجعون، وعند الله عز وجل احتسبكم من عصبة)).
يبدو من هذا النص الموسوي خرج على السلطان المسلم الجائر بعد هذا التاريخ، وقبل نهوض صاحب الأمر، ولم يكن هذا الموقف الحذر منه (عليه السلام) تهرباً من المسؤولية، والمشاركة الفعلية التي خاضها قتيل معركة فخ، بل ان صدر الرواية دال على امضاء مهامه الرسالية الكبرى رغم عدم انتصاره الظاهري في معركته الفاصلة ضد الطاغوت، بل تجرنا قراءة هذه القصة على حمل رواية الراية على محمل ولو على سبيل التقية بعد ما وجدنا من لحن رواية الراية تأبى عن التخصيص، وعلى أن حملها على مجرد إذاعة الخبر عن عدم الانتصار المحتوم، وعدم اشراف المعصوم (عليه السلام)، وعلى انها مجعولة على نحو القضية الخارجية، وليست مجعولة على نحو القضية الحقيقية، وليس المقصود منها بيان حرمة الخروج على السلطان المسلم الجائر.. مهما تغيرت الأحوال، ومهما فقدت الأسباب الموضوعية والذاتية، وذلك بدليل: ما دل على تقديس ثورة الشهيد زيد بن علي وخروجه على هشام بن عبد الملك، وثورة الحسين بن علي شهيد فخ.. وقد رفعوا الراية بعد اصدار هذه الرواية، وقبل ظهوره (عليه السلام) في الساحة الإسلامية والعالمية، ولم نكتشف رواية صادرة عن مدرسة اهل البيت الطاهر (عليه السلام) تدل على ادانتهما، بل صدرت روايات مستفيضة في تقديسهما، وتأييد نهضتهما في حرب الطاغوت واسقاطه.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم فو الله ان الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجدوا رجلاً فيها والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها، ثم كانت الأخرى باقية بعمل على ما قد استبان لها، لكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق ان تختاروا لأنفسكم ان اتاكم آت منا، فانظروا على أي شيء تخرجون، ولا تقولوا: خرج زيد فان زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعوكم إلى نفسه، وانما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو ظفر لوفى بما دعاكم اليه، انما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه. فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟..
فنحن نشدكم انا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم، وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية اجدر إلا يسمع منا، إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه، فو الله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه إذا كان رجب، فاقبلوا على اسم الله، وان احببتم ان تتأخروا إلى شعبان، فلا ضير، وان احببتم ان تصوموا في اهاليكم فلعل ذلك يكون اقوى لكم، وكفاكم بالسفيان علامة)).
وفي الحديث قال الصادق (عليه السلام) لفضيل: ((يا فضيل شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟.. قلت: نعم.
قال: فكم قتلت منهم؟... قلت: ستة. قال: فلعلك شاك في دمائهم؟..
قال: لو كنت شاكاً ما قتلتهم. قال: فسمعته وهو يقول: اشركني الله في تلك الدماء، مضى والله زيد عمي واصحابه شهداء.. مثل ما مضى عليه علي ابن ابي طالب، واصحابه).
وعن الصادق (عليه السلام): ((ان عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا مضى والله عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين)).
والاحتمال الثالث:
رفعْ الراية (هنا) في قبال الحجة القائم (عليه السلام)، ونسف أصل إمامته وقيادته الشرعية، ولذا عبر عنها بـ((الطاغوت)).
وفي حديث عن أبي جعفر (عليه السلام): ((ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه، ومن رفع راية ضلالة، فصاحبها طاغوت)).
وهنا نلاحظ قيد رفع الراية بـ((الضلالة))، وهذا بخلاف إذا كانت على نهج اطروحته الإسلامية العالمية، بل هنالك الكثير من الروايات صدرت عن مدرسة أهل البيت الطاهر (عليه السلام) تشجب بعض العناصر المتصدية لاستلام زمام الدولة الإسلامية، وتسيير قيادتها بأسم الخلافة والإمامة الشرعية، كما في رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، وهي رواية ليست بقصيرة وفي نهايتها: ((ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو اعلم منه فهو ضال متكلف)).
الاحتمال الرابع:
ان هدف هذه الرواية هي صيانة السيادة الوطنية الإسلامية المستقلة، وحفظ الثغور، وطرد الكافرين الغزاة، ولا يمكن حملها على التقية الشرعية، لأن جواز مشروعية التقية فرع التعارض المستقر، ولا يمكن بحال العمل بالمرجحات الجهتية والسندية مع امكانية العمل بالجمع العرفي بين الأدلة الدالة على وجوب السعي وراء الجهاد المسلح ضد النظام الإسلامي الجائر، وبين هذه الرواية الدالة على شجب ممارسة الجهاد المسلح عليه، حمل هذه الرواية على صورة حفظ السيادة الوطنية الإسلامية الكاملة، وصد كل غزو لا إسلامي ، أو طرد كل وجود كافر استيطاني.
وخلاصة القول: قد وجدت في اصول الكافي أو آخر كتاب الحجة عقد باباً في الأئمة (عليه السلام) كلهم قائمون.
ففي رواية حكم بن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
((يا حكم كلنا قائم بأمر الله، قلت: فأنت المهدي؟ ..قال: كلنا نهدي إلى الله. قلت: فأنت صاحب السيف؟.. قال: كلنا صاحب سيف ووارث السيف)).
وفي رواية عبد الله بن سنان قال: ((قلت: لأبي عبد الله يوم ندعو كل اناس بإمامهم.. قال (عليه السلام): إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه)).
افتتاحية صحيفة براءة
23/ 7/ 2005م