حديث مع حشد من طلاب كليات الادارة والاقتصاد بتاريخ 25 ايار 2003م
حديث
مع حشد من طلاب كليات الادارة والاقتصاد بتاريخ 25 ايار 2003
حديث جرى في مكتبه بالنجف الاشرف مع حشد من طلاب كليات الادارة والاقتصاد المهتمة بالشان العراقي حول ضرورة ايجاد اقتصاد وطني اسلامي بعيدا عن هيمنة الطاغوت الاقتصادي وذلك بتاريخ 25 آيار 2003 م
ان طواغيت الاستغلال ، وفراعنة المال ، واصحاب الثروات والاموال يسعون في أي نظام مهما تكن هويته لتأسيس تجمع .. ومركز .. وحزب .. واتحاد ... لكي يتذرعوا به إلى اهدافهم ومقاصدهم ويجعلوه جسرا للهيمنة والنفوذ إلى الاستحواذ على اجهزة الحكم والادارة .. كل ذلك من خلال الانتخابات البلدية ، ثم البرلمانية الصورية .. وصولا إلى ديمومة عدوانهم على الجماهير الفقيرة المسحوقة المظلومة والمحرومة .. فليستيقظ العراقييون على ضوء هدى القرآن ، وليتأسوا بالنبي محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، لان لهم في رسول الله اسوة حسنة عن كسب المال وامتلاكه، وتزاح الاشواك عن مسيرتهم التكاثرية ، وتطلق ايدي التجار المستوردين والمنتجين ، واصحاب المعامل ، بأن يكسبوا المال متى يشاؤون ويستهلكوا منه ما يرغبون ، ويستغلون الموارد الطبيعية وارزاق العباد كيفما يريدون، وبالتالي يجتاح الجماهير كل الجماهير خطرا فادحا يعده القرآن سببا رئيسيا للطغيان والاستكبار .
ان التعاليم الاسلامية ترشد المجتمع إلى ان رسالة الدين القويم وسياسة المذهب الاقتصادي ليستا إلا تركيز الملكية الفردية في اطارها القوامي ، والرقابة على اجراء المال في مسيرة معتدلة يؤمن معاش الناس كل الناس حتى لا ينتهي الحال إلى ظهور المال إلى المسارات التكاثرية ، والاستهلاكات اللاهية الاترافية والاسرافية في حالة مزرية توجد إلى جانبهم حشود حاشدة لا تجد إلا لقمة العيش الزهيد ساقطة في مهاوي الاملاق والفقر الاسود الكفور .
في الوقت الذي نجد الطواغيت الاقتصاديين يحاولون ان يوحوا للجماهير الكادحة ان كل ما يمارسونه ينسجم مع القرآن والسنة والوجدان والضمير ، وهناك من يتحمس لهم في هذا النفاق والدجل ، مع ان الاقتصاد الحر تبدل وتحرف مواضع المذهب الاقتصادي الذي ازاده الإسلام ، فليست الحرية والانفتاح إلا اخراجه عن مواضعه ، وصرفه عن حقائقه ، وهو ظلم، والدين لا يواكب الظلم في أي شكل من الاشكال ، ولا يعترف لا لفرعون وهامان ، ولا لقارون سواء بسواء ، ولا يعترف ( كذلك ) في المذاهب الاقتصادية المعاصرة ــ الاشتراكية المادية ، والرأسمالية الليبرالية ــ
ومن هنا .. اعتكفوا على مقاطعة الطواغيت الاقتصاديين والمترفين الارستقراطيين .. حتى لا يخرج المال كل المال من المصلحة الاسلامية العليا، ويفضي المال كله إلى اضداد التوازن والتعادل ، وتلك الهيمنة إذا تحققت ( لا سامح الله ) في مجتمع تبرز فيه ظاهرتان خطيرتان هما : الاستضعاف .. والاستكبار..فيقسمان مجتمعنا إلى فقراء بائسين ، والاقلية إلى اغنياء مترفين.. وبالتالي يقع في مهاوي الاغلال ، ويندفع إلى منحدر الدمار والبوار.
ومن هنا .. ايها الطلاب الجامعيين الاعزاء اقول صراحة اما توضيحا ، أو تأسيسا إلى الاسباب الخطيرة ( ما استجد منها بعد الاحتلال الاميركي ــ البريطاني ) لامتلاك كل شيء حتى لا يغفل الشعب العراقي :
اولا : الامتلاك من خلال المؤامرات الاقتصادية ، واتحاد الشركات الاجنبية ، وتأسيس الشركات التجارية والمنتجة والموزعة المؤطرة ، وتقييد الاستيراد والانتاج والتوزيع بها ، مما يوجب تعيين الاسعار بيد اصحاب المصانع والمعامل والمستوردين الكبار ، فيجعلون المواد الخام اسعارا زهيدة ، وللعمل اجرة زهيدة ، ثم يجحفون بالاسعار كيفما يشاؤون .
ثانيا : الامتلاك من خلال انتاج ما يضر بـ (( الفرد أو الجماعة )) ضررا معنويا وماديا ، أو امنيا وسياسيا ، أو ثقافيا وفكريا ، أو يضر استهلاكه بحيثية الإنسان العراقي .
ثالثا : الامتلاك من خلال انتاج البضائع الكمالية ، واستهلاك المواد لانتاجها ، مع ما هنالك من حاجات ضرورية في كثير من القطاعات إلى البضائع الاولية للمعيشة .
رابعا : الامتلاك من خلال الاستيراد الحر ، أو الانتاج الحر ، أو التوزيع الحريين بلا رقابة عليهم .
خامسا : الامتلاك من خلال الدعايات الاستيرادية المموهة الخلابة الخادعة الماكرة لايجاد الطلب لمختلف قطاعات الشعب .
سابعا : الامتلاك من خلا الوساطة بين قطرين مما يلحق بالسعر بصورة باهظة على حساب الكادحين من عمال ، وفلاحين ، وطلاب جامعيين .
كل هذه أو تلك من اسباب هيمنة الشركات الاجنبية .. كل ذلك من تبعات الاقتصاد الرأسمالي ، والعولمة المتوحشة اللذان يسعى اصحابهما لان يفرضوا على الفقه الاسلامي امضاءهما وقبول صحتهما ، ولقد تصدى فقهاؤنا ــ رضوان الله عليهم ــ في كتبهم الفقهية الموسعة لكشف نبذة من موارد الضرر والضرار ومصاديقهما في ابواب مختلفة ، ولا سيما ابواب المعاملات والمكاسب المحرمة ، ولقد أشارت التعاليم الحديثية الموجهة ــ بالاضافة إلى التعاليم القرآنية الكريمة ــ إلى ماهية خطورة الاقتصاد الرأسمالي الضار ، وواقعه الاستهلاكي المبيد بتعابير موقظة وحاسمة .
وخلاصة القول : إذا اراد المجتمع العراقي ان يؤصل المال تأصيلا صحيحا ، وان يجعله في المسارات النظيفة ، يجب عليه ان يدعم نظاما اقتصاديا اسلاميا علميا تتوفر فيه عناصر الاخصائية مع قيادة حاضرة ثورية وملتزمة .. حتى يغدو الامر بيد من يعرف الحق في ادارة الاموال ، فيصنع فيها المعروف ، لان من أهم العوامل الرئيسية لقوام المجتمع العراقي هو القسط واقامته ، وليس القسط إلا ايجاد التوازن الاقتصادي ، والتكافل الاجتماعي في كل القطاعات ، وهذا من مهام الحكومة الثورية الاسلامية، لان الفقه الاسلامي يجعل الاراضي والمناجم ومنابع الثروات والانفال والاستيراد والشركات الكبرى بيد الحكومة الاسلامية ، وكذا ما يكون بيدها بالعناوين الثانوية والاوامر الولائية ، فعلى هذا ان النهوض وازالة الفقر والفاقة عن مسيرة المجتمع واماتته انما يكون بيد الحكومة .. والحكومة ان كانت حاضرة ثورية رسالية ملتزمة تعمل وتطبق ، وان كانت غير حاضرة ثورية رسالية ملتزمة وقعت الاموال والمناجم والاستيراد والتوزيع والتسعير والاستهلاك في الاقتصاد الرأسمالي إلى التضخم المالي بأيدي شرذمة من المترفين والاستقراطيين يخرج المال كل المال من المصلحة الاسلامية العليا ، ويفضي المال إلى هيمنة اضداد التوازن والتعادل ، وتلك الموضوعات إذا تحققت في مجتمع ما تبرز فيه ظاهرتان : الاستضعاف .. والاستكبار فيقسمان المجتمع إلى فقراء إلى ابعد الحدود ، واقلية المجتمع إلى اغنياء إلى ابعد الحدود .
فلنكن صرحاء ايها الطلاب الاعزاء ان الطواغيت الاقتصاديين في العراق نجدهم ( الان ) يستنكرون وجود المقاومة المشروعة الفاعلة ضد الغزاة الطامعين ، منطلقين من منطق المصلحة الذاتية ، والكسب المادي من خلال عقود شركات الخصخصة .. مبررين مواقفهم هذه ، لان كل مقاومة مهما كان شكلها نتيجتها الهزيمة والدمار ، وليس بايديهم القدرة لمقاومة اقوى دولة في العالم ، فالمجاهدون العراقييون لا يملكون الجند والسلاح والمال لمقاومتهم ، ثم ان مقاومة عسكرية غير متكافئة نتيجتها الهزيمة والخسران المحتوم هي انتحار لصالح القوات الاميركية ، وان افضل الجهاد الدفاعي ــ كما هو رأي بعض الفقهاء والمنظرين الاسلاميين ــ هو تربية الناس وتعليم علوم القرآن واحكامه الفقهية العبادية ، ونشر الاحاديث النبوية التربوية .. إذن الكل من هؤلاء الطواغيت الاقتصاديين مرتبطين بالسلطة .. وهؤلاء يملكون الرؤية السياسية الواقعية والتوفيقية .. هؤلاء جوابهم بلا استثناء على سؤال العصر : لا للمقاومة ، بل للحلول الاستسلامية .
وهنا نرى امل الحرية والمساواة الذي كان في قلوب قوم ضحوا من اجله بالغالي والنفيس يتوارى ، والجاهلية العولمية ، والصهيونية العالمية، والماسونية، والهيمنة الاميركية باتت الوريث الشرعي في بلاد وادي الرافدين الاشم .. انقلبت القيم ، وازهقت المباديء ، وسحقت التعاليم ، وذهبت الرياح بجهود المتآمرين وجاءوا بكنوز الذهب الاسود والاحمر للمنافقين والمتسللين واللصوص والمشبوهين باسم شركات الخصخصة لهذه الفئة أو تلك اصبحت المقاومة بالامس ضد الدكتاتور من أجل السياسة .. وليست السياسة من أجل المقاومة الرامية لاسقاط طاغية بغداد وانما تحالف هؤلاء الاضداد من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار تحت مظلة الادارة الاميركية ، وتنفيذ مخططاتها باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان .. وعادت الجماهير الساحقة المعذبة إلى السجن القديم ، والحرية إلى القيود الابدية السوداء ، والاحرار إلى الاسر ، والفكر إلى الصمت المطبق ، والالسن اشتريت بالدولار الاصفر ، فليس للاحرار والثوار وجود يذكر ، ولتمرح ثعالب بعض الاطياف الذين جاءوا على ظهر دبابة اميركية .. وبالتالي استكلب الذئاب على حساب الفقراء والجياع، فالجاهلية الجديدة اثقل ظلا ، واشد دهاء ، واكثر نضجا وذكاء ، والاسلام والعروبة صارت على هدى الاستكبار .
هذا هو العراق الذي نراه ، وننظر اليه فجأة سطع ضوء في الظلام الدامس ، ودوي صوت في الصمت المطبق .. انظروا من اعماق الظلام من ركام الذل والاستسلام اضاءت ملامح امل جديد في دجى اليأس المطبق.. انظروا لقد جاء المجاهدون ينسفون الدبابة الاميركية ، ويفجرون ارواحهم الزكية ضد معسكراتهم هنا وهناك .
ايها الاخوة لا سيادة كاملة في العراق .. ما دام المحتل المستكبر جاثم على ارضكم يكذب نبيكم ، ويستهزيء بالشريعة الخاتمة ، وفاقد العواصم الخمسة كالاسلام والجزية ، لا تجوز امرته عليكم ، فلا تكونوا غافلين مغفلين، لانه عما قريب سيمنحكم الحياة الهانئة الكريمة ، فلا تقايضوا على وطنكم ، فثروات العراق ثرواتكم ، والثرى العراقي وطنكم ، والقرار الصعب قراركم .. كل ذلك يتحقق بنبذ الفرقة والخلاف فيما بينكم .. كل ذلك محافظة على دمائكم وعلى اطفالكم ، وعلى رجالكم واعراضكم ، وقد امتن الله سبحانه وتعالى عليكم فجعل التوحيد والرسالة شعاركم ، وجعل القرآن والسنة دستوركم ، وجعل الفتح والانتصار حليفكم .. هذه حقيقة الشريعة الاسلامية التي هداكم اليها الرسول الاعظم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وان بقدسيته ، وعظيم منزلته عند الله تعالى ، يرجى منه طرد المحتلين الغزاة والله تعالى قاصم الجبارين ، مبيد الكافرين ، والحمد لله رب العالمين .