حديث مع حشد من الاسلاميين حول مولد سيد الكائنات محمد رسول الله (ص) بتاريخ 17 ربيع الاول 1432هـ
حديث
مع حشد من الاسلاميين حول مولد سيد الكائنات محمد رسول الله (ص)
بتاريخ 17 ربيع الاول 1432هـ
تحدث سماحة الأخ المرجع القائد أحمد الحسني البغدادي في مكتبه في دمشق على حشد من الاسلاميين حول مولد سيد الكائنات محمد رسول الله في السابع عشر من شهر ربيع الاول عام 1432هجرية، حيث ذهب يقول: بعد أَن حمد الله وأثنى عليه:
في البدء الأنبياء – هم في الأغلب الأعم - رعاة ماشية، وصنعة، أهل فن وحرفة، كان النبي داوود حداداً وصانع دروع، ونوح نجاراً، والرسول محمَّد راعي أغنام قريش في القراريط.. فهم أبناء الفقر والفاقة والمحن والخطوب، وهم يواجهون تحديات الكهنة والنبلاء والملأ المترفين من الجبابرة والطواغيت كفرعون مصر، وقيصر الروم، وكسرى الفرس، واستقراطية قريش. وبكلمة واحدة، هؤلاء الأنبياء والرسل مظهر العدل الإلهي، والغضب الإلهي، وهم صورة مشرقة رحيمة إنسانية أصيلة.
إذن.. صدق مَن قال:
«عندما ولد نبي الإسلام محمَّد خمدت نيران فارس، وسقطت شرفات قصر كسرى في المدائن، وغاصت بحيرة ساوه».
هذه المقولة الخالدة أُطرت بثلاثة نماذج: الثروة.. والسلطة.. وأولياء الدِّين التقليديين.. تنتهي إلى الأبد بظهور شخص لم يكن من العلماء، ولم يكن من الفلاسفة، ولم يكن من الفنانين، ولم يكن من الشعراء، ولم يكن من الأثرياء.. بل كان أميّاً لا يقرأ، ولا يكتب، بل كان يرعى في قراريط أغنام أهل مكة، وكان شاباً يتيماً من الأب والأم، ثم نجده بعد ذلك يهبط من اعتكافه في غار حراء – ليُعْلِنَ حرباً لا هوادة فيها على ذئاب الأرستقراطية القرشية، وطواغيت كسرى وقيصر - بعد أن أمضى عمره في خلوات الانزواء وفي التأملات المتألقة، وأوقد الشوق نيران الوصال والمناجاة مع حبيبه والاقتراب منه تعالى، ثم يؤدي بعد ذلك دوراً رسالياً خاتمياً عظيماً في تقرير مصير الأمم والأقوام نحو سعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
هذا، ونراه في قمة انتصاراته وهزيمة جبابرة قريش حين دخل مكة عنوةً.. تلك المدينة المتوحشة المتعطشة الى الدماء البريئة، التي عذبته ونفته وشردته بعد أن فشلت في هدر دمه وأصحابه عشرين عاماً، يقف إلى جوار الكعبة كقدرة قيصر، ويوجه رحمته ورأفته وسماحته إلى جبابرة قريش، وكان حوله عشرة آلاف من الرجال الأشداء المقاتلين يريدون أن يثأروا من هؤلاء في سبيل أن يصبوا غضبهم وانتقامهم على أبي سفيان بن حرب وغيره من المشركين، ويسأل أهلها:
«ماذا ترون أني فاعل بكم اليوم؟!.»، وهؤلاء الذين يعرفونه حق المعرفة ابنُ مَن؟.. ويرون بعيونهم يجيبون بقولهم:
«أخ كريم وابن أخ كريم»
فيقول: بطلعةٍ بهيةٍ وبصوت ملؤه الصدق والعفو والرحمة الهادئة، تثير إعجاب السيد المسيح ودهشته:
«اذهبوا.. فأنتم الطلقاء !».
ما أعظم هذه المبادرة الرسالية الانبعاثية الرحيمة!
هل يمكن أنْ يصدق أحدٌ في هذا الكون الرهيب أنَّ الرجل الذي نراه في حومة الوغى في مقدمة أصحابه الذين لا يرقدون في فراشٍ، متشوقين إلى البذل والتضحية.. لا يرون الحياة إلا حراكاً من أجل سعادة الدنيا، وما الحياة عندهم إلا من أجل نعيم الآخرة، رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، يحمل أمامهم وهم على صهوات جيادهم المقتحمة كأنهم أجناد القياصرة، لا يولُّون الأدبار أمام العدو، يحمل ويهاجم، يأخذ في كفّه حفنةً من تراب، يرميها في وجه العدو وهو يصرخ بأعلى الصوت:
(شدّوا !..) ... فترقص السيوف البتارة وهو يقول بصوت خافت مأخوذاً بنشوة النصر المبين، وقد احمَّرتْ وجنتاه من البهجة والسرور وعلى شفتيه ابتسامة يفيض منها الرضا:
«آيه... الآن قد حمي الوطيس!»
ولهذا لاق له وسام خاتمية الرسالات الإلهية، والحمد لله رب العالمين.