نعم للحداثة الاسلامية لا للمؤسسة «الدينية» الفقيه البغدادي أنموذجاً
نعم للحداثة الاسلامية
لا للمؤسسة «الدينية»
الفقيه البغدادي أنموذجاً
أود إثارة قضية قبل الولوج في أصل الموضوع سوف أُسجل بإختزال شديد في كتاب مستقل بعض الملاحظات الأختلافية والأنتقادية، لأن كتاب: «نقد العقل الدين أديان الأرض.. ودين السماء» جدلي يحتاج مني حوار ثنائي وتبادل رأي في منظومة التخلف المجتمعي، والخطاب السلفي والحدثي، والعملية السياسية المحاصصاتية، وصفقة القرن التطبيعية، والنصوص الرواياتية المستشرية، وإشكالية متبنيات المؤسسة «الدينية» التي قام عليها الاجماع بين الاوساط الفقهية كمثل: التقليد.. الأعلمية.. الطقوس العاشورية.. الأضرحة الدينية.. المذاهب الاسلامية.. الأمور الحسبية.. الولاية العامة.. وسوف أُحدد ملاحظاتي، وهي من وجهة نظر مغايرة أحياناً ومن معلومات مختلفة أحياناً أخرى. أتمنى أن يتسع صدره الرحب، وحسب إطلاعي أن هذا الفقيه المجدد لا كغيره من الفقهاء المجددين المعاصرين من قبيل محمد حسين فضل الله، وكمال الحيدري، ومحمد باقر الصدر.
من البداهة بمكان أن الفقيه المرجع أحمد الحسني البغدادي يكتب باسم الحداثة الاسلامية حصرياً حيث قال:
«تعتمد هذه الدراسة مجمل الخطاب الديني في دراسة منظومة عقائد هذه الأُمة المسلمة لم تأتِ بأطروحة حداثوية إسلامية جديدة متألقة ذات نزعة اخلاقوية ومردودات ايجابوية نموذجية مذهلة. غير أن أولياء الدّين السلفيين التقليدين متخشبون في نظرة ارتيابية متقوقعة، ويخافون من هذا المنجز الثقافي والمعرفي المتطور، ويعتبرون القراءة الاخرى هتروذكسيا، وطرحاً غريباً اجنبياً، وبدعة وضلالاً وكفراً، ولا تنمو اطروحة الحداثة الاسلامية، وتزدهر من وجهة نظرنا، لأن الحداثة بالمعنى الاوربي والغربي هي قطيعة معرفية مع الموروث الديني، ولأن الحداثة بالمعنى الاسلامي تقترب في النتائج والآليات من أفكار دعاة التنوير الفكري العربي (الحداثويين) الذين زعموا أنه لا توجد أحكام شرعية ثابتة الى يوم الدّين كلها مصاديق تاريخية وليست توقيفية تعبدية، هذه هي المشكلة. حين يرون أنه يوجد تناقض صارخ بين «الحداثة والاسلام»، ومن الطبيعي نحن لا نتفق على ما يزعمونه، بل من وجهة نظرنا نرى أنّ الاسلام حداثوي من حيث المبدأ. ووفقاً لتعريف الحداثة فهي عبارة عن هيمنة العقل بما هو عقل على الميتافيزيقيات «الغيبية»، على التقاليد والاعراف والخرافات، والهيمنة على الواقع عبر التفكر والتعقل والتدبر.. وذلك من خصوصيات الأطروحة الاسلامية فيما سبق.
«أما تعريف الحداثة عند المفكرين الاسلاميين لاتعد ولا تحصى!.. سألنا (حداثويين) عرباً ماذا تقصدون بالحداثة، فكانت أجوبتهم ضمن مروحة واسعة من التعريفات حقيقي المفهوم كما هو سائد في الغرب، فعند الكثيرين هناك تلازم بين «الحداثة» و«التغريب» وحالة النهوض العربية لن تتم إلا إذا سلك العرب سبيل الغرب، ونستشهد بمقال نموذجي أو نمطي للصحافي حازم صاغية في صحيفة الاتحاد الإماراتية الصادرة بتاريخ 21/6/2008م، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. العنوان بحد ذاته لافت للنظر. فالكاتب يرى أن الحداثة لابد منها وان العرب مأزومون بقضية الحداثة. كلتا الفرضيتين غير الدقيقتين فـ«الحداثة» لم يعرفها الكاتب إلا في سياق تجربة الغرب ودور فلاسفة التنوير الذین عمّموا مبدأ الشك فكان التقدم. أما «الأزمة» مع الحداثة عند العرب فهي حال تخلّفهم. غير أن إعتناقه «التغريب» بالمعنى أعلاه أدّى الى قبوله باطروحات الغرب إتجاه العرب والمسلمين». نقد العقل الديني، ص: ٠٤٥
لقد أصبح هذا الكتاب المثير الإستثنائي يدور حول «التخلف المستشري في المجتمع العربي والاسلامي الذي ترتجف وتئن وتتوجع وتتفجع الكلمات.. الدفاتر.. الأقلام.. خوفاً ورهبةً من كلام الكتاب والمفكرين والثوار والدعاة والقادة، بل وحتى الاولياء والاتقياء والرحماء من العرب والمسلمين عنه؟ أنه التخلف السلالي أو الوراثي أو التكويني أو الذاتي. لقد رأيت الجرأة الى ابعد الاغوار للنطق بذلك، بل الكلام عنه» المصدر نفسه، ص: ١٦.
إن قراءة هذا الكتاب تحت هذا الإطار الهوهوي سوف تسيء فهمه بشكل مرعب، فقد تبدو الحداثة الاسلامية غريبة من الوجهة السردية إلا إنها لاتعدو أن تكون الحداثة الاسلامية الحالية بكل تفاصيلها.
صحيح أن الآية العظمى الامام المناضل أحمد الحسني البغدادي يضعنا تحت اسم الحداثة الإسلامية التقدمية (نفسها) في موضع آخر «الآخر» الذي لم يشارك مباشرة في مغامرة الحداثة الغربية، إلا أن هذا لا يمنع أصلاً ولم يسمح من وقوع «الحداثة الحديثة» علينا علاوة أصل شريعتنا الخاتمة شمولية تكاملية، التي لا تؤخذ في الاعتبار حق قدرها إلا عرضاً، هذه هي ملاحظتي الأولى. أما الملاحظة الثانية، في شجبه للمؤسسة «الدينية» النجفية والقمية الرسمية، الذي إكتشف منذ ريعان شبابه اليافع إنها غارقة في المناهج الدراسية المعقدة المطلسمة العتيقة، ونبش المسائل المذهبية الماضوية التاريخية، والتمسك في الأمور الحسبية (فقط) و عدم تبني أُطروحة الولاية العامة الرامية لتحقيق الدولة الاسلامية العالمية. إنه يتعامل مع المؤسسة «الدينية» دون أن يتحداها ودون أن يخضع لها. وهذه المفردة تجعلنا أن تؤكد على ضرورة ثقافة التعامل لا ثقافة التحدي ولا ثقافة الإستسلام، اللتين كنا والى هذه اللحظة نعانيها في حياتنا ومن الندرة أن نرى مثقفاً يُحسن طريقة التعامل مع الآخرين المختلف معهم أو الخضوع والاستسلام لهم .
آراء السيد الحسني البغدادي في «المؤسسة والاختلاف» هي أُطروحة تكاملية تتنفس في الهواء الطلق، والرؤى والاشكالات أن تتطور وحدها تعيد لعملية الاجتهاد والاستنباط مكانة متألقة في مواجهة النزعة الاستعلائية ونقد الرؤى التقديسية الأسطورية اللاتاريخية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى.
سواء إتفقت أم إختلفت معه لكنك لا تستطيع إلا أن تحترم آراءه ووجهات نظره لأنها نابعة من تجربةٍ جهادية خاضها بمعاناة مرة ومضايقات ومقاطعات ليست قليلة، ناهيك عن أنه يتسم باجتهاد حدثي تقدمي يساري إنبعاثي إسلامي تؤهله لإجراء إضافات ثقافية ومعرفية وقراءات مستحدثه للتجربة التاريخية، وذلك هدفاً للوصول الى كشف الحقيقة الضائعة.. في حين تصور الكثيرون من المنظرين أنها نامت في سبات عميق أو إندثرت بوصفها تتعلق بالأطروحة الاسلامية، فقد أعتبر هؤلاء النظائر أن الاطروحة الاسلامية إنتهت من الأساس بعد هزيمة دولة الخلافة الاسلامية العثمانية، لكن أحمد الحسيني البغدادي المؤمن بتطبيق الأُطروحة الإسلامية إيمان المجدد المبدع الناقد، وليس إيمان المرضى المتشائمين المهزومين المؤدلحين يأبى أن يكشف بمصداقية عن الوجه الذي غطته الممارسات والمفارقات الخاطئة واخطفته الليبرالية والمدنية الغربية.
د. غانم السبعاوي
كاتب وباحث سياسي
١٧ كانون الثاني ٢٠٢٣م