إطلالة جديدة لسماحة المجاهد السيد أحمد الحسني البغدادي بكتابه الرائع: التفسير الجديد لحركة التاريخ في النص القرآني

إطلالة جديدة
لسماحة المجاهد السيد أحمد الحسني البغدادي
بكتابه الرائع: التفسير الجديد لحركة التاريخ في النص القرآني
عبد الجواد المكوطر*
لقد استهواني كتاب السيد المجاهد آية الله العظمى السيد احمد الحسني البغدادي دام ظله «التفسير الجديد لحركة التاريخ في النص القرآني» وقد اخذ مجذاف الشوق يدفع بزورقي الضعيف في أعماق بحره، لكن تمالكت رشدي وعدْت الى الساحل وقلت يا هذا دع مهمة التفسير لاهل التفسير.
هذه المهمة لابد ان تكون من شأن ارباب العلوم الواسعة والدراسات الضخمة، لذا مررت على الكتاب مرور الكرام أحتراماً وأجلالاً لجهد السيد المجاهد البغدادي، وأستميحه العذر في هذه اللمحة العابرة على كتابه القيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ صدق الله العلي العظيم
يقول الفيلسوف الألماني هيغل: «أن الروح العظيمة نتاج ثقافة» فكيف إذا كانت الروح نتاج ثقافة وفكر وموروثة ودين وثورة... ؟
يا ترى هل تتلبد خلف الجدران او في بطن الكهوف، وهي التي ادرى من غيرها ان الله في كل مكان يرخي الحبال في الدنيا ولكن في الأخرة يصطدم المتصيدين بالمياه العكرة بالضوء الاحمر للآية الكريمة ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾؟
المجاهد آية الله العظمى السيد أحمد الحسني البغدادي: حالة أستثنائية من الحالات التي لا يجود بها كف الزمن الا في القرن مرة واحدة، لذا قدره ان يكون مجاهداً ومن الطراز النادر. فهو الذي يعرفه حتى من به صمم من سلالة كرهت الأنبطاح والمهادنة، وخذ وأسكت، ثم اغمض العين عندما يتعرض الوطن أو المجتمع الى هجوم من الزواحف القطبية ومشتقاتها التي تسللت لبلد الأنبياء والأوصياء والحضارات.. نتيجة الصمت المهين الدائم الذي يسهل الفرصة لكل عابث أن يجد ضالته في بلادنا، وكما يعلم الجميع الخمرة واحدة وان تعددت بألوانها وكرستالها.
السيد أحمد الحسني البغدادي:
من سلالة تكره صم الفم وقيد اليد.. هذا النموذج يأرقها كثيراً، لأن الصمت في قاموسها من آليات الشيطان. أو قُل أقل الاحتمالات، وهو الذل فكيف إذا كانت السلالة امتداداً للسلالة التي قالت: «هيهات منا الذلة».
السيد احمد الحسني البغدادي:
من سلالة وقعت على السيف أو السيف وقع عليها، فهي ماضية الى واقعة (الرفض) الذي يريح كل ضمير (حُر) غير ملوث بديمول المعصية.
فالموت في مفهوم البغدادي: لا يقلق، ولا يرهب القلوب المطمئنة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾
لذلك حين تجلس بين يديه وترفع رأسك وتبصر وجهة المشرق السابح بأبتسامات الايمان بتأمل دقيق تبصر في عيونه الواسعتين، إيمان علي (ع). وثبات الحسين (ع). وكفاح جيفارا. وحين يفتح لك قلبه تمتص منه خلق جده المصطفى (ص). وتسامح نيسلون مانديلا. وزهد الماهاتما غاندي. ووطنية الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم.
في فكره تدور صورة كونية انسانية شمولية لا غالب ولا مغلوب بها سوى الإنسان ذلك الكنز الثمين، الذي سلمه الله مقاليد قيادة كوكب الارض.
السيد احمد الحسني البغدادي:
يدور الوطن في رأسه، ودوران القمر حول الشمس، أو الدورة الدموية في الجسد، لان الوطن جزء من الايمان، و«من لا وطن له لا كرامة له».
لذلك هو يشعر مهما كانت قساوة تراب الوطن فهو سجادة لا عذر للصلاة على أرض غيرها. ومن يا ترى يبحث في ماء حين يصيبه الظمأ والفراتين على يمينه وشماله يروين فؤاده وأقلامه..؟ والقلم كما يرى أبن اي داود «سفير العقل ورسوله ولسانه وتجمانه الافضل».
وحسب فهمي القاصر، عدو السيد احمد البغدادي، ليس الذي يلبس الجينز، ويضع على رأسه القبعة وعلى مؤخرته المسدس.. فهذا عدو ثابت ومقارعته لا تحتاج أكثر من عزيمة وثبات وايمان وبضعة رصاصات قد تبدو بسيطة أو بدائية، لكنها تهز كيانه، لأنه يقف على رمال متحركة، انما عدوه ذاك الذي ينبطح سراً او علناً تحت حوافر اقدام الحصان الاسود المتبختر بقوته الوهمية، ويلبس عباءات متعددة ظاهرها جميل وباطنها خبيث ليوهم العيون ويخدع القلوب ليعطي فرصة اكبر للمحتل ان ينشر المزيد من الفوضى، وها نحن نشاهد اليوم ما اكثر دعاة الحرية والمسؤولية وما اكثر اساليب ارهابهم المتعددة الوجوه، وكما يقول المثل الشعبي «صانع الاستاذ استاذ ونص».
تشخيص دقيق للسيد البغدادي فتلك بلاد السواد، بلاد الرافدين، بلاد الاضرحة، بلاد الحضارات، بلاد البترول.. عبارة عن «وادٍ غير ذي زرع» وقد تحقق فيه حلم (اختاتون) بوطن الخيرات الذي بات وطن السنوات العجاف.
ان اجمل ما يتمتع به السيد البغدادي هو خصال اجداده، إذ لا يخشى رصاص النفر المزيف لأن سور المبادىء يعصمه من خزعبلات الدمى.
فالمبدأ السليم لا يمكن ان تهزه رياح متذبذبة، أو أمواج متناقصة.. فهو الذي تجرع (السُم) ونجى منه بفضل الله، لكنه ظل يسقي (كمون) كؤوس الكدر يوماً بعد آخر.
والسيد البغدادي يعمل مع الله بقوة (الصك)، أي الدين الواحد، ويرفض (الخردة) أي تعددية المذاهب تلك الآلية التي لا تختلف عن آلية مبدأ «فرق تسد».
السيد احمد الحسني البغدادي:
في (مخه) اربعة عشر مليون (خلية) كبقية خلق الله، لكنه مختلف إذ كل خلية في (مخه) هي عبارة عن (رام) يحمل في طياته مئات الملفات في شتى المجالات، لذا عندما دخل حلبة التاريخ كان متهيئاً للنزال بروح يغمرها الفرح والاطمئنان.
السيد احمد الحسني البغدادي:
في صمته حكمة.. وفي غضبه حكمة.. وفي كتاباته حكمة.. لانه يملك كل مفاتيح الحكمة «رأس الحكمة مخافة الله» فهل هذا مشاكس، ام معاكس، ام منافس.. ام حتى أخمس قدميه في محراب جهاده غاطس..؟.
وكما عودنا دائماً كعادته الطيبة يطل علينا اليوم سحاب البغدادي بزخة جديدة من زخات فكره الفياض ليلبس الارض قميصاً اخضر ويلهم الروح عبير العنبر..
لقد ولج السيد البغدادي في اهم المحطات، التي يعشقها الشغوفون بالتاريخ، وهي بلا شك محطة مزدحمة بشتى فنون الآراء، التي تمخضت بها عقول المفكرين الكبار في كل الأتجاهات ومن مختلف الاصقاع.
فقد نبش بمعول جهده وغربل ومحص بعقله الثاقب، فكان مجتهداً بارعاً لا محيص للتشكيك بما نزفه عقله من مداد طاهر، وفكر وقاد، ورأي سديد.. فكانت كل النتائج التي سطرها على صفحات كتابه هي كالثمار الشهية المتدلية من شجرة مثمرة.. وفي هذا الكتاب القيم، السيد البغدادي قد سد معدة القلق بغذاء صحي، ودسم إذ ارجع كل شيء للأصل، اي المصدر الأول المطلق، وهو الله سبحانه وتعالى الذي وسع كرسيه كل شيء.
لقد رصع بحثه القيم بالآيات البينات ليجعلها كالمسامير تثبت كل شيء في مكانه بشكل دقيق غير قابل للشك أو الطعن..
لذا فهو يرى: «أن تفسير التاريخ بالمعطيات القرآنية الكريمة يجعلنا نحكم علة مؤثرات منظومة الاسباب والمسببات التاريخية انطلاقاً من الدليل والأصل».
وقد مضى السيد البغدادي في بحثه لحركة التاريخ من خلال خريطة هندسها عقله السليم بشكل منتظم يسهل السير للباحث وفق طرقها بلا عناء او خوف او متاهة.. فكانت العناوين لكل بحث هي عبارة عن اشارات المرور التي تهدي الضال الى السبيل، فكانت البوابة عبر المدخل الى تفسير التاريخ ودلالاته، غاياته، مقاصده. ثم انطلق الى تعريف التاريخ. رأي ابن خلدون، رأي فرانسيس بيكون، العلاقة الجدلية بين الفوقية والتاريخ، الانسان ومسألة التغيير، العقل إيمان وحجة ومصدر، تفسير التاريخ عند الاوروبيين، تفسير التاريخ عند الاسلاميين، سنن الله.. الإنسان والتاريخ، أنعتاق الإنسان وأرادته قيادة حركة التاريخ، الجماعة المسلمة انعطافة تاريخية، صراع الإنسان بين قيمه وبين وجوده.
اما المدينة الأولى في كاتبه. فكانت مراكزها المهمة ومتاجرها ومصانعها وحقولها وأسواقها ومخازنها .. هي: الحوادث التاريخية.. بين الفعل الالهي المباشر.. وغير المباشر، نقطة بداية، في آيات الله بينات، القصص التاريخية تسير حركة التاريخ، القرآن يحرر الانسان من الآلهة المصطنعة، نماذج التربية والعبرة، البعد الزمني في حنايا آيات الله، نحو فعل الله المباشر، جند الله مع الفئة المؤمنة، قوتان كونيتان يسخرهما الله، البعد الزمني الغيبي في صياغة الحدث التاريخي، ينبغي ان نسأل، نحو فعل الله غير المباشر، حرية الانسان بمعونة الإرادة الإلهية، الانسان يملك الإرادة المجردة، جدلية العلاقة بين الانسان وبين الواقعة والكون. الظاهرة الطبيعية النموذج الاستثناء، الدور السلبي والدور الايجابي لدوافع الانسان، راينا المختار.
ثم أنطلق نحو بوابة المدينة الثانية للكتاب بالرجوع الى اطلال الحضارات والمجتمعات الغابرة، فكانت له وقفة مع قوم نوح، وقوم لوط، وقوم ثمود.. ففرعون بعد ان مهد في المقدمة بعنوان «هزيمة المجتمعات أو الحضارات بين العقابي والأندثار».
وفي نهاية كتابه اعلن عن جواز سفره بالسيرة الذاتية لبعض المواقف أبتدأت بالولادة الميمونة في النجف الاشرف شلال العلوم، وختم بدعاء كميل رضوان الله عليه. « اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الإسلام وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَة» آمين يارب العالمين.
الكتاب مزدحم بالعرض الوافي، والتحليل العميق في مختلف وجهات النظر عن ما يدور في علم التاريخ، وقد تناولها السيد البغدادي باسلوب الفيلسوف النادر، الذي لم يدع القارىء أن يهمل ولو ورقة واحدة من الكتاب.
* رئيس تحرير مجلة ظلال الخيمة - العراق
مجلة ظلال الخيمة
28 آذار 2016م