الكافر «العادل»
الكافر «العادل»
س: من خلال خطابكم السياسي الإسلامي نستنتج حرمة التعاون مع الإدارة الأميركية بوصفها زعيمة الاستكبار والكفر العالمي، في الوقت الذي نجد الفقيه عبد الأعلى السبزواري(1) المتوفى عام 1413 هجرية ذهب إلى أبعد من ذلك في جواز حاكمية الكافر على البلدان الإسلامية وشعوبها إذا لم يتعرض بعقائدها وتراثها. وهنا بيت القصيد أنه: لا يسقط صدام حسين إلا عن طريق الإدارة الأميركية والتعاون والتنسيق معها من أجل خلاص العراق من الدكتاتورية حتى لو أدى هذا الإسقاط بهيمنة أميركية مباشرة، لأن حاكمية الكافر«العادل» خير من الحاكم المسلم الجائر، كما ينقل عن الفقيه ابن طاووس ثم ما هو دليلكم الفقهي على هذا الرفض المطلق الذي تتبناه في شجب ذلك؟!..
ج: أولاً: يعود هذا الرأي الفقهي المحتمل وليس فتوى(في الواقع) إلى المحقق النجفي(ت 1266 هـ) إذ ذهب يقول:
«قد يمنع الوجوب، بل قد يقال بالحرمة، لو أراد الكفار ملك بعض بلدان الإسلام، أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السلطة مع بقاء المسلمين على إقامة شعائر الإسلام، وعدم تعرضهم في أحكامهم بوجه من الوجوه ضرورة عدم جواز التغرير بالنفس إذن شرعي، بل ظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفار في غير ما استثنى، إذ هو في الحقيقة إعانة لدولة الباطل على مثلها»(2).
نستنتج من خلال مقولته:«قد يمنع الوجوب، بل قد يقال بالحرمة» فلا يصح هذا الاحتمال لرفع اليد عن فتواه القائلة بـ«الوجوب» في موضع، و«الجواز» في موضع آخر، كما حكي ذلك عن الإمام المجاهد السيد البغدادي.
ثم نستنتج من خلال مقولته: أنها ليست في إطار تشخيص الموضوع، وإنما هي في الحقيقة والواقع مجرد فرضية قد افترضها، ولم تكن بأية حال من الأحوال في بيان أن المستكبر الكافر لا يستهدف تشويه الشريعة، ونسف العقيدة سواء بسواء، وذلك لنهوض النصوص القرآنية والحديثية، وبشهادة الضمير والوجدان، وقراءة السيرة والتاريخ يشوه عقيدتنا ورسالتنا، ومن لحظة هيمنته الاستيطانية على أمتنا وأهلنا لا يتحرج من ارتكاب أشد الجرائم وحشية، وأشنعها بربرية، وأبعدها عن كل الأعراف الإنسانية قديماً وحديثاً.
وثانياً: إنَّ«الكتاب والسنة والوجدان والتاريخ مطابقة على قيام العداوة بيننا، وبين الكفار، فلا ينبغي لنا الاغترار بما يظهرونه لنا من خلالها، والاختصاص بمشركي زمانه(صلى الله عليه وآله وسلم)، لا وجه له بعد فهم معاصريه وغيرهم.. ذلك على نحو الاستمرار إلى آخر الزمان، فهي من الواضحات البديهية المسلمة بيننا، كما يدل عليه الوجدان بأدنى ملاحظة إذا قيس مقامنا إلى سائر الأمور العرفية الموجبة للعداوة، بل هنا أولى، وكيف لا تكون العداوة بيننا وبينهم مع بنائنا على كفرهم، وأخذ الجزية منهم، وقتلهم، واسترقاقهم وسبيهم وأسرهم وتحقيرهم، وعدم توريثهم إلى غير ذلك مما هو مفصل في محله.
وبالجملة من نظر إلى أحكامنا المشروعة في حقهم لا شك في استمرار عداوتهم إلى آخر الزمان، بل مجرد اطلاعهم عليها موجب لأحقادهم، فضلاً عن إجرائها عليهم.
هذا من حيث عداوتهم لنا، أما عداوتنا لهم، فكذلك في غاية الوضوح، بداهة أن المسلم بما هو المسلم لا يعقل إلا أن يكون عدواً لهم لتكذيبهم كتابنا ونبينا(صلى الله عليه وآله وسلم)، واستهزائهم بنا وبنبينا(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي لغة مأخوذة من الظلم، أومن تباعد القلوب، وهما معاً موجودان في الكافر، والثاني موجود في المسلم دون الأول»(3).
وثالثاً: من العجيب نجد السيد السبزواري في مهذبه قد اختار احتمال المحقق النجفي، إذ ذهب قائلاً:
«لو أراد الكفار الاستيلاء على بلاد المسلمين ـ أو بعضها ـ مع عدم تدخلهم في نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم ودينهم، بل بقائهم على إقامة شعائر الإسلام، والعمل بأحكامه، وعدم تعرضهم لذلك بوجه من الوجوه.. يشكل وجوب جهادهم حينئذ!!.. لأن الشك في الوجوب يكفي عدمه في مثل هذه المسألة التي فيها المعرضية لإيقاع النفس في التهلكة»(4).
ويرد عليه:
أولاً: هذا الرأي خلاف الضرورة الإسلامية بوصفه يستهدف إيقاع الأمة في خندق الانحراف العقيدي بصورة مرحلية، وهذا الرأي لا يتواءم مع روح الشريعة الخاتمية وعالميتها وأصالتها المبنية على وجوب تحرير الإنسان نوع الإنسان من أصر وأغلال الشرائع الماضية، بل وتصديها على طول التاريخ ضد كل غزو صليبي كافر، وكفاحها ضد كل وجود استيطاني صهيوني كافر كما في رواية يونس بن عبد الرحمن قال:
سأل أبو الحسن(عليه السلام).. قال: فإنْ جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟...
قال(عليه السلام): يقاتل عن بيضة الإسلام.
قال: يجاهد؟..قال (عليه السلام): لا إلا أن يخاف على دار المسلمين أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم يسع لهم أنْ يمنعوهم. قال: يرابط، ولا يقاتل، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأن دروس الإسلام دروس ذكر محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)(5).
ورواية عبد الله بن جعفر الحميري(في قرب الإسناد) عن محمد بن عيسى عن الرضا(عليه السلام) ان يونس سأله:«قال فإنه مرابط فجاءه العدو حتى كاد أن يدخل عليه كيف يصنع، يقاتل أم لا؟..
فقال له الرضا(عليه السلام):«إذا كان ذلك كذلك، فلا يقاتل عن هؤلاء، ولكن يقاتل عن بيضة الإسلام، فإن ذهاب بيضة دروس الإسلام، دروس ذكر محمد(صلى الله عليه وآله وسلم»)(6).
هذا.. مضافاً إلى ورود النصوص القرآنية المشتملة على قصة طالوت ـ المؤمن ـ وجالوت ـ المشرك ـ والمعارك الدامية فيما بينهما ولاسيما بالقرينة القرآنية القائلة:«وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا»(7). وكذا «فهزموهم»، وهذه هي من أدل دعوى صدق السبيل على وجوب القتال والجهاد الدفاعي المسلح بكل محاوره صدقاً حقيقياً وهو تحرير الإنسان المسلم من سيطرة الكافرين وطردهم من أوطان المسلمين حدوثاً وبقاءً، كما أكد ذلك الإمام المجاهد السيد البغدادي(8) والشيخ جعفر الكبير(9).
وثانياً: أنَّ الحاكم الإسلامي الجائر أدنى ضرراً بالعقيدة والشريعة من الحاكمِ الصليبي والصهيوني الكافر، فيغدو الموضوع من باب دوران الأمر بين المحذورين، أومن باب وجوب فعل أدنى القبيحين طرداً للأقبح في نظر العقل والعقلاء، والوجدان السليم، فلا نقاش في تقدمه على الكفار على سبيل إطلاقات الأدلة وعموماتها لقلة المفاسد والمنكرات والانحرافات فيه(بداهة تمسكه بالظاهر الإسلامي وتطبيق بعض أحكامه)، وهذا بخلاف حاكمية الكافر وسيطرته الاستيطانية على الثرى الوطني الإسلامي التي تؤكد الأدلة بدون قيد أو بدون شرط على وجوب أهمية الاستقلال، والحذر والحيطة من مؤامراته المعولمة المتوحشة المدروسة الخادعة الماكرة، بل وعلى وجوب حربه واستباحة دمه مع فقد العواصم الخمسة كالإسلام والجزية.. وإن أدى هذا التوجه الرسالي، وهذا التصدي الثوري إلى تحطيم مؤسساتنا الحيوية، وتصفيتنا الجسدية.. ذلك كله في سبيل صيانة التوحيد والرسالة والقرآن سواء بسواء، لأن الإذن بالشيء إذن في لوازمه، أللهم إلا أن يقال عدم ثبوت الملازمة فيه، بيد أن ذلك خروج من محور إلى محور آخر.
إذن.. كيف يزعم المحقق النجفي في هذه المسألة بعدم الوجوب، بل طفر إلى الحرمة مستدلاً بـ«أصالة البراءة» في الرأي الأول، وفي الرأي الثاني«تغرير بالنفس بلا إذن شرعي» مستدلاً بالنصوص التشريعية الناهية عن الجهاد والقتال في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) مع المستكبر الكافر.
وثالثاً: لا يمكن بحال الأخذ بـ«الأصل العملي» مع وجود«الدليل اللفظي»، وإلا يلزم لغوية الأدلة المحرزة، هذا مع نهوض الأدلة المحكمة على وجوب الجهاد والقتال بقسميه(الابتدائي والدفاعي) مطلقاً، بل ونهوض الإجماع المحقق، وضرورة العقل، بل وفحوى ما دل(10) على وجوب القتال والدفاع المسلح في القضايا الشخصية من قبيل: قتال المحارب، والظالم، والدفاع عن النفس والعِرضْ والمال، فبالطريقة الأولوية القطعية وجوب طرد الاستكبار والكفر العالمي عن أوطاننا العربية والإسلامية، بل والملازمة بين إباء وشموخ الأمة المسلمة من هيمنة سلطة قوى الثورة الرجعية الكافرة المستكبرة عليها، وبين طردها.. حتى لو أدى بالنتيجة إلى إراقة آخر قطرة من دمائها الزكية، وبهذا ظهر لك وجه أحاديث الرباط المعللة للتصدي والدفاع عن بيضة الإسلام.
والخلاصة صرح الإمام المجاهد السيد البغدادي في كتابه وجوب النهضة تحت عنوان «لا يجوز أمرة الكافر على المسلم» إذ ذهب يقول:«قامت الأدلة القطعية عند علماء الإسلام كافة على عدم لياقة غير اللائق للأمرة والسلطنة على المسلمين، وأنهم(مد ظلهم)حصروا ذلك باللائق خاصة. نعم اختلفوا في أنه هل تلزم فيه العصمة أولا؟.. ولكن ذلك غير قادح بمقصدنا، وبالجملة أمرة غير اللائق من المنكرات الضرورية، كما أن من الواضح اندراج ذلك في أدلة القتال للدين، وأدلة النهي. وأما خروج المسلم الجائر مطلقاً، أو في الجملة من هذا العموم فغير قادح إذ مقتضى القاعدة الاقتصار على معلوم الخروج دون مشكوكه، هذا مضافاً إلى الالتزام به، بل لا محيص عنه في موردنا لتوقف الاستقلال عليه، وهذا نظير جواز الأمرة من الكافر في مقام عدم وجوب الهجرة. ومما ذكرنا ظهر لك وجه حرمة انتخاب الكفار أمرين على المسلمين سواء كانت الأمرة بالمباشرة أم لا، كما في المواضع المسماة بالحماية وشبهها»(11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، عبد الأعلى السبزواري، 15/ 36 ط النجف 1401
(2) جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام، محمد حسن عبد الرحيم النجفي 21/47. ط: النجف الأشرف.
(3) ن.م، 21/20.
(4) ن.م، 15/36.
(5) الوسائل، باب:6 من أبواب جهاد العدو، حديث: 2.
(6) ن.م: باب: 7 حديث:2.
(7) سورة البقرة، الآية: 246.
(8) انظر: وجوب النهضة: 128.
(9) انظر: كشف الغطاء: 181.
(10) انظر: الوسائل، باب: 46 من أبواب جهاد العدو.
(11) وجوب النهضة: 247.