كلمة الجمعة لسماحة الفقيه المرجع السيد احمد الحسني البغدادي دام ظله بتاريخ 18 محرم الحرام

كلمة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
وأخيراً.. إنّ المتدين هو إنسان ليس مخالفاً لهواه بل مقبلاً على دنياه الفانية الزائلة! كمرتكب الذنوب والخطايا والآثام، وليس متمرداً وعاصياً لها. لنضرب لكم مثالاً: إنّ صفقة القرن والتطبيع مع كيان المؤسسة العسكرية الصهيونية تُعّدُ في الأقطار العربية والاسلامية من صميم الديانات السماوية والشرائع الأرضية ومن تطورها الانساني والحضاري شكلاً ومضموناً. وفي اقطار أخرى يعاقب عليها أو تشجب كأقبح الذنوب والخطايا والآثام بوصفها تستهدف تصفية القضية الفلسطينية المركزية. والاشتراكية على مختلف مسمياتها تُعّدُ في قطر عربي وإسلامي معين مروقاً عن الدّين القويم. وتُعّدُ في قطر عربي وإسلامي آخر أرقى ما في الأُطروحة الاسلامية الاصيلة! مع أن القرآن العظيم في القطرين المختلفين أيديولوجياً هو نفس القرآن الكريم - كتاب الله المحفوظ الأخير - وما من فرق غير الظروف المتباينة التي إبتدعت أهواء متنوعة، وكما يختلف تفسير الناس للانعتاق والعدل والمساواة والديمقراطية، وانتماءهم للمذاهب المختلفة القديمة والاصنام والالهة البشرية الجديدة، واعتقادهم بها وتفسيراتهم للعلة نفسها، واذا تغيرت الأهواء، تغيرت التفسيرات بالنسبة للرجل الواحد وفي الاطروحة الواحدة. و«فقهاء» السلطان المسلم الغصبي يصدرون الفتاوى الشرعية المعلبة - هنا - مع الاشتراكية، وهناك مع مَن يشجبها، وتجريم مَن ينادي بتطبيقها. ولو تبادلوا الأقطار لتبادلوا الفتاوى الشرعية، وكما شاهدنا «فقهاء» النجف والأزهر يصدرون الفتاوى اللا إسلامية! وتلك منظومة فقههم لصوص ونصوص (راجعوا كتابنا: «التفسير القرآني للاقتصاد»، صفحة: 27 وما بعدها). إنّ «الفقيه» الذي يصدر الفتوى بتصفية مخالفه جسدياً لاعتقاده بإرتداده وجحوده لمستعد أن يقف موفقاً مخالفاً لو عاش تحت مظلة ظروفه التي تملى عليه!..
إذن، ما العمل؟..
سيكون الجواب الدائم حتماً العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الاطروحة الحقيقية الواقعية لخلاص مستضعفي العالم من الاستعمار والاستغلال والاستعباد والاستحمار.
اليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرضاً قوياً فاعلاً على مقاومة الاستكبار والكفر العالمي، وعلى مقاومة الفتن والافتتان الأثني والمذهبي والطائفي وعلى التصدي لها والاستهجان منها؟..
اليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنعطافة رسالية تاريخية خص بها الله تعالى الانسان المؤمن لتتحول الى عبقرية متألقة حضارية واجتماعية واخلاقية؟..
أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال القيام بالمهمات الصعبة أكثر صموداً وتضحيةً وإيثاراً، وأنه لولا الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ودعاته واجهزته لما كانت الرغبة الضرورية الملحة في مقاومة الأبالسة والزنادقة والطواغيت السياسيين والاقتصاديين لفقدت القدرة الفاعلة عليها، أي على المقاومة والتصدي والصمود؟..
أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز حرب نفسية وتحريض.. لا جهاز تخريف وتخلف وتخدير؟..
أليس هذا الأمر أو ذاك النهي أفضل وأقوى وقوداً أوجبه الحق تعالى على رسله وانبيائه واوصيائه لكي يرفضوا بصلابة ويقاموا ببسالة لكي لا يتخلوا من أوامره ونواهيه الانبعاثية الحضارية الأممية والعاقبة للمتقين.
احمد الحسني البغدادي
النجف الاشرف
18 محرم الحرام 1443هـ