تحليل قبل الخطأ الأكبر: المظاهرات "الخضراء" الإيرانية.. والمظاهرات "المدنية" العراقية
تحليل قبل الخطأ الأكبر: المظاهرات "الخضراء" الإيرانية.. والمظاهرات "المدنية" العراقية!!
سمير عبيد
أختلف العراقيون والمحللون والمراقبون في تفسير المظاهرات العراقية التي تصدرت المشهد في هذا التوقيت بالذات... وأن أهم الأراء بهذا الخصوص هي:
اولأ: ـ رأي يقول أنها مجرد عملية تزحيف لمظاهرات المحافظات "السنية" الستة نحو بغداد والمحافظات. ولكن تحت شعارات جديدة، وبحناجر من أكثرية الطائفة الثانية" الشيعية"، وبدعم من نفس الجهات العربية والدولية والخليجية .. وبدعم نفس الجهات الإعلامية "العراقية والعربية". ويعتقد أصحاب هذا الرأي بأنه يجب أيقافها لأنها تمهد لعودة وجوه وقيادات من النظام السابق، وتفتح المجال للعلمانيين والليبراليين واليساريين والشيوعيين.وهدفها الرئيسي أسقاط الإسلام السياسي في العراق.
ثانيا : ــ رأي يقول أنها مجموعات شبابية تغذت بأفكار خارجية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وعبر خبراء محترفين في الثوير الشعبي، ومنهم من قام بهذا الدور في الثورة البرتقالية في أوكرانيا وفي جورجيا وكذلك في رومانيا ويوغسلافيا وبلدان أخرى. ومنهم من قام بتفجير ما يسمى بـ ( الربيع العربي) في تونس وليبيا ومصر .الخ. وبالتالي يعتقد أصحاب هذا الرأي أن هناك سفارات أجنبية لها علاقة بالموضوع ماليا ولوجستيا وتدريبا.
ثالثا: ــ رأي يقول أن هؤلاء مجرد أدوات بخدمة ( عملاء أميركا الجدد من العراقيين وبدعم من السفارتين الأميركية والبريطانية تحديدا) والذين يراد لهم قيادة العراق بعد تسريح العملاء والقيادات القديمة التي أحترقت وجوهها. وذلك بتسريح أجباري وأختياري من خلال فتح ملفات الفساد وملفات الإستحواذ والتمدد الكبير عقاريا وماليا وتجاريا وبوليسيا ..الخ. ومعهم عملاء وأصدقاء إيران والدول الأخرى المجاورة للعراق.
رابعا: ــ رأي يقول هو (أنقلاب أميركي – بريطاني ناعم) يهدف لتغيير المشهد السياسي في العراق بعد الإتفاق النووي مع إيران. ويراد أبعاد أصدقاء ونفوذ إيران من قيادة العراق وضمن أستراتيجية رسم خارطة جديدة للمنطقة والإقليم أنطلاقا من العراق ما بعد الأتفاق النووي مع إيران!..
هناك من يريد أنهاء المظاهرات على الطريقة الإيرانية!!
في الحقيقة نحذر أصحاب هذا الطرح من نقل العراق الى نقطة خطيرة جدا... فعلينا الأستفادة من الأخطاء السابقة وخصوصا في قضية معالجة مظاهرات المحافظات الستة في غرب العراق " السنية". لكي لا نقع في نفس الأخطاء. أي تغليب لغة الحوار على لغة الصدام. فما يُطالب به المتظاهرون وبنسبة80% منه مشروع وبدعم شعبي. ولكن هناك طلبات تقترب من ( الفنتازيا) في هذا الوقت بالذات ومنها ( حل البرلمان، وألغاء الدستور، وإعلان الأحكام العرفية ..الخ) والحقيقة أن هذه المطالب تقود العراق الى الفوضى المتوحشة التي سوف يستفيد منها تنظيم "داعش" الإرهابي من خلال تطبيق أستراتيجية ( التمكين) الذي يعمل بموجبها!!.... هذه مطالب خطيرة أمام وضع عراقي مليء بالبؤر الساخنة، ومليء بالأحقاد السياسية، ومليء بالسيناريوهات الوافدة، ومليء بالمليشيات والعصابات والخلايا النائمة... ناهيك عن مشروع الإرهاب الذي لا يبعد عن بغداد إلا بأقل من 100 كم والحرب الدائرة ضده!.
فهناك فرق كبير بين المظاهرات الخضراء التي حدثت في إيران والتي تم قمعها، وبين المظاهرات التي تجري في العراق والتي يراد أيقافها ربما بنفس طريقة أيقاف المظاهرات الخضراء في إيران. والتي كانت من خلال أعتقال القيادات الكبيرة، وتغييب القيادات الوسطى في السجون وفي البيوت الأجبارية، وترهيب القيادات الصغيرة بالهراوات والسكاكين ..الخ.
فإيران تختلف عن العراق لأنها دولة شبه مغلقة بالنسبة للأميركيين والبريطانيين والغربيين، وبالنسبة للعرب والأتراك وغيرهم. وليس هناك نشاطا لسفارات تلك الدول وليس هناك تواصل علني بين النخب المعارضة ووجوه المجتمع مع تلك السفارات. وحتى وأن وجد فهو محدود ومرصود. وإيران مستقرة سياسيا وأمنيا وفيها نظام مؤسسات قوي للغاية، وهناك مرشد أعلى يوازن الأمور دائما. وهناك نسبة ولاء عالية للمرشد وللنظام. وهناك تمثيل واسع للإصلاحيين في الدولة.
وهنا فالنظام السياسي والحكومة في إيران قويان جدا وحتى ليس هناك أ‘علاما مؤثرا على الشعب الأيراني وأن وجد فهو بتاثير بسيط!. ففي إيران نظام راسخ ومتزن وليست هناك ثغرات كارثية في إيران، ووليس هناك تسلل أستخباري من الدول في إيران....! وعندما حدثت الثورة الخضراء كانت لها قيادات من الوزن الثقيل أمثال ( موسوي وكروبي) ولها جمهور واسع وتوحد خلف قيادة المظاهرات. وكانت هناك شعارات معروفة ولم يُرفع شعار أسقاط النظام أو شعار تغيير العملية السياسية في إيران بل كانت الشعارات أعتراضات على نتائج الإنتخابات ومطالبات بالاصلاح السياسي.
أما في العراق فالوضع مختلف تماما، حيث البلد مفتوح لجميع أنواع الإستخبارات في المنطقة والعالم، ومفتوح للهيمنة الأميركية والبريطانية وصولا للتدخل في الشأن والقرار في العراق. والسفارات المهمة في العراق مثل سفارات (أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وإيران، وتركيا، والأردن، والخليج وغيرها) لها تأثير مباشر وعلاقات متشعبة مع أحزاب وحركات وجهات وشخصيات سياسية وفكرية وقبلية ودينية وحتى أسرائيل لها دور كبير جدا في العراق.
أما الدول الخليجية فهي لها أدوار خطيرة في العراق ومركبة. والنظام السياسي في العراق ضعيف وغير متجانس بحيث ليس في العراق أستقرارا سياسيا وأمنيا وعسكريا وأقتصاديا وإعلاميا وأجتماعيا.. وأن نسبة الولاء للحكومة وللقادة والساسة من قبل الشعب العراقي ضعيفة ومتدنية. فهناك ثغرات سياسية وديموغرافية وجغرافية وحزبية واسعة تسمح للأخرين بالتدخل ثم أن هناك حرب دائرة وخطيرة بين العراق وتنظيم "داعش" الإرهابي. والاهم ليس لتلك المظاهرات قيادات بارزة ولا حتى شعارات مستقرة وواضحة ويُعمل عليها...... وليس في العراق معارضة برلمانية رصينة تدافع عن المتظاهرين أو عن شعاراتهم. بل هناك عدد من النواب (على أصابع اليد) والذين دستهم واشنطن في البرلمان وحتى بلا تحقيق الأصوات المطلوبة وهم من خلفيات لييرالية ويسارية وشيوعية أخذوا هم بتحريك كرة الثلج وحسب التدريب الذي تلقوه عام 2002 من قبل الإستخبارات الأميركية!!. ويعتبر هؤلاء رأس قاطرة التغيير الأميركي الناعم! والذي يعتبره البعض أن غايته إقصاء وأجتثاث الإسلام السياسي في العراق.
وبالتالي فالحل الإيراني ليس هو الأمثل لأنه ربما سيدخل العراق في الفوضى وربما ستبرز جهات وشخصيات على حساب المظاهرات. وستكون أقوى من الطرف الحكومي. ثم ليس هناك قيادة واضحة بوزن "كروبي وموسوي" في العراق لكي يتم أعتقالها أو التفاهم معها.
نعم هناك محنة لأن البراغماتية التي أستعملها( الدكتور العبادي) جيدة ولكن لها مدى وستنفذ .وحينها سيكون العبادي خصما للمتظاهرين وسيطالبون بأسقاطه. فالبراغماتية العبادية في طريقها للنفاذ لذا لابد من التضحية ببعض الرؤوس الفاسدة لتهدئة المتظاهرين .
والرجاء النأي عن الراي الذي يردده بعض الساسة والقادة وهو ( لا نعطيهم شيء لأنهم سيطلبون الأكثر) فهذا الشعار لم يستفد منه مبارك ولا القذافي ولا حتى بن علي....
أما الدبلوماسية العراقية فهي غير ناضجة وغير فعاله ولم تفرز رجال يجيدون التفاوض والحوار، ويجيدون التهديد المقنع وعلى الأقل مع العرب الميسورين لنجدة العراق ماليا قبل أفراغ خزائنه. ليفهموا العرب الخليجيين بأن ثورة الجياع في العراق سوف تصومل وتبلقن العراق وسيكونوا هم الضحية.... فالحذر من وقت وأيام لن تنفع فيها لا براغماتية العبادي ولا حتى القبول بألغاء الدستور بل ستكون هناك ثورة جياع حقيقية.
علما أن أعلان الطوارىء والأحكام العرفية بهكذا ظروف سوف تكون هدية لمن يمتلك الأموال والمليشيات والقوة ليؤسسوا دول ومشيخات سوف يصعب تفكيكها فيما بعد. وحينها سيدخل العراق في (الصوملة) وربما ( البلقنة).
فعلى العبادي التقليل من الوعود المخدرة لمتظاهرين مندفعين، ولا يغريهم بأمور سوف تضيّع العراق وللأبد!!. فلا يوجد أصلاح في الكون من خلال الطوارىء، ولا يوجد أصلاح في الكون من خلال الأحكام العرفية. فالأصلاح تدريجي وضمن برنامج صادق ومعلوم ويلامس هموم الناس ويشركهم فيه!!
فليس من مصلحة العراق التناحر بين الإسلام السياسي من جهة والليبراليين واليساريين والشيوعيين والشباب من جهة أخرى.
فأن كان الهدف تأسيس جبهة ( محافظين) وأخرى لـ ( الإصلاحيين) كما في إيران .فلن تنجج لأنه ليس هناك ضابط أيقاع مثل السيد الخامنئي في العراق. لأن السيد السيستاني مقلدا وليس وليا فقيه، ومن ثم هناك من لا يسمع السيد السيستاني أصلا.
* هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأى الموقع.