في الثقافة الدينية اضاءات وتأملات.. تفسيرية جديدة الطبعة الثانية المنقحة والمزيدة بيان ثبـوت هلال شهر شوال الأغر أحمد الحسني البغدادي.. ظاهر المحسن وقفة حول كتاب الثورة والعرفان بيـان حول حلول شهر رمضان المبارك صاحبُ السماحة.. طالب السنجري بيان حول وفاة المجاهد داوود مراغة ابو احمد فؤاد سيرة ذاتية عطرة أستاذي ورفيق مسيرته الجهادية حديث حول عودة الرئيس ترامب الى البيت الأبيض.. ماذا سيحدث في وطننا ومنطقتنا؟..‏ بتاريخ 19 تشرين الثاني 2024م

متى تقول "لا"؟

متى تقول "لا"؟

متى تقول "لا"؟


تحقيق..

هناك من ينظر إلى كلمة "لا" على أنّها كلمة سوداء قاسية وصعبة، وتنمّ عن أنانيَّة الشَّخص، في حين أنَّ كلّ ما في الأمر، أنّها عكس كلمة "نعم" ليس إلا، فصعوبة التفوّه بكلمة "لا"، تعتمد غالباً على اعتقادنا نحن بما تعنيه هذه الكلمة. كما أنَّنا لو نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر الآخرين، أو كما يرونه هم، من حيث كوننا لا نستطيع التحكّم بهم ولا بطبائعهم أو تصرّفاتهم، فإنَّنا لن نستطيع أن نضمن أنّ الجميع سيفهمون معنى هذه الكلمة، إلى جانب أنّها ستُغضب أو تحزن من أمامنا منهم.

وعندما نحاول إسعاد الآخرين وإرضاءهم، فإنّنا قد نُصَاب بمزيدٍ من الضّغط والتوتّر نتيجة ذلك، وهذا الضّغط والتوتّر يكونان سبباً للضّرر والإجحاف بنا، وبخاصّة على المدى البعيد؛ لذلك، فإنّنا مضطرّون لقول "لا" للأفكار المثاليّة والمرهقة.

وعلى أيّ حال، فإنّ الأمر لا توجد فيه قاعدة ثابتة؛ لأنّه يعتمد على طبيعة الموقف ونوعيَّة الشّخص الّذي نتعامل معه، وغير ذلك من العوامل، وبالتّالي، فإنَّه لا توجد مشكلة في قول كلمة "لا"، مادام الفرد يعتقد أنَّ التفوّه بها أمر طبيعيّ، وأنّه يقولها بأسلوب هيِّن ليِّن، وبالتّالي، فإن المتلقِّي سيستقبلها برحابة صدر، ويبقى ما بعد هذه الكلمة من نقاش أو حوار، هو ما يحدّد استمرار العمل بهذه الكلمة أو التّراجع عنها.

وقد بيَّنت فاطمة علي ـ طالبة جامعيّة ـ أنّ قول كلمة "لا" على الصّعيد الشخصيّ والعمليّ للفرد، ستفيده كثيراً، مضيفةً أنّه من الأهميّة بمكان أن يكون الآخرون على استعداد تامّ لسماعها منه فيما يدور بينهم وبينه من حوارات؛ لكي يقتنعوا برأيه، موضحةً أنّ "لا" هي كلمة يحتاج الكثيرون إلى النطق بها فيما قد يعترض حياتهم اليوميّة من مواقف سلبيّة تجمعهم بالآخرين، مشيرةً إلى أنّ هناك أربع خطوات رائعة لقول كلمة "لا" للآخرين، مقتبسةً من أحد المؤلفات، ومنها أن يتّخذ الشخص خياراً قويّاً؛ لكي تكون نيّته صادقة، وأن يقول "لا" بكلّ ثقة وكياسة، مع تقديم أسباب وجيهة لرفضه، على أن يقترح بعض البدائل إذا كان بمقدوره عمل ذلك.

وأضافت أنّ من الواجب أن نقول "لا" لكلّ عادة سيّئة، ولكلّ ما يجلب لنا اليأس، وللأمور التّافهة والأشياء الّتي لا قيمة لها، مشيرةً إلى أنّ هناك "لا" إيجابيّة، ومنها عندما نقول "لا" بهدف الابتعاد عن اقتراف الذّنب، و"لا" لأمور كثيرة قد نمرّ بها في حياتنا اليوميّة، لافتةً إلى أنّها لا تهتمّ كثيراً بردود فعل الآخرين حينما يكون الأمر المرفوض مخالفاً لقناعاتها، مبيّنة أنها توضح وجهة نظرها بقوّة عند النّقاش، دفاعاً عن رأيها عندما يكون صائباً.

وقال المشرف التّربويّ، خالد بن محمد الدّريهم: "أقول "لا" في حياتي العمليّة إذا كان هناك أمر يُخلُّ بالنّظام، أو عندما يكون هناك شخص ما يحاول أن يأخذ حقّ غيره دون وجه حقّ، أو حينما يُطلب مني تنفيذ أمر معيّن وأنا غير مقتنع به؛ لكون سلبيّاته أكثر من إيجابيّاته"، مضيفاً أنّ حياته الشخصيّة لا تختلف عن حياته العمليّة في هذا الجانب، وأنّ حدّة الأمر تكون أقلّ وطأة فيما يتعلّق بتعامله الشخصيّ مع الزّوجة والأبناء والأقارب والزّملاء والأصدقاء.

وأشارت الاختصاصيّة النفسيّة في مستشفى الصحّة النفسيّة في مدينة أبها، لطفية سليمان، إلى أنّنا عندما نقول "نعم" وفي قلوبنا "لا" تصرخ، فإنّ هذه تعدّ مشكلة كبيرة، موضحةً أنّ هذه الكلمة تحتاج منّا إلى شجاعة لنتفوَّه بها، مبيّنة أنّ لكلّ فرد مِنَّا طاقات محدودة يجب أن يتعامل مع الآخرين بناءً عليها، وأنّ قول كلمة "لا" ردّاً على طلبات الآخرين، أو قولها تجاه أمر يخصّ الفرد نفسه، سيخفّف من الضّغط النفسي الّذي كان سيقع عليه لو أنّه أجاب بكلمة "نعم"، أو تراجع عن قول كلمة "لا".

وأوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة نجران، الدّكتور إبراهيم عبدالعاطي، أنّه يجب ألا نُضخِّم نتائج مواجهتنا للآخرين ونُعطيها أكبر من حجمها، لافتاً إلى أنّه يمكننا التخلّص من أيّ سلوك سلبيّ إن أردنا ذلك، مبيّناً أهميّة أن نتعلّم طرقاً جديدة للتصرّف بحزم وإيجابيَّة، وأنَّه بإمكاننا الاستمتاع بحياتنا الخاصَّة حينما نستطيع تغيير الفهم والإدراك، وأنّ كلمة "لا" والثّبات عليها، يعني ثبات الشّخص على مواقفه وآرائه؛ ما سيمنحه ثقةً بنفسه ورضا تامّاً عن كلّ قرار سيتّخذه مستقبلاً.

وأضاف أنّ الحياة بكامل ضغوطها لن تتغيّر، بينما الشّيء الوحيد الذي يمكن أن يتغيّر هو الشّخص نفسه، موضحاً أنّه يمكن أن يتغيّر الشّخص من حيث اتجاهه الفكريّ وسلوكه وقناعاته وفقاً للمتغيّرات الاجتماعيّة، ولكن يظلّ هذا الشّخص هو الّذي يقود حياته ويديرها، مشيراً إلى أنّ قول "لا" بشكل فاعل، من الممكن أن يجلب للفرد احترام الذّات، وبالتّالي الاحترام والقبول من قبل الآخرين.

 

وتعليق..

من حقّ الإنسان أن يقول "لا" لكلّ ما لا يتوافق مع مبادئه وأفكاره وقناعاته، وهي كلمة لها مواردها كما أيّ كلمة أخرى، فإذا قيلت في مكانها الصَّحيح، وجب على الآخرين احترامها واحترام صاحبها. بل إنَّ هذه الكلمة تصبح واجبة على المسلم عندما يدعوه الآخرون إلى معصية الله والانحراف عن الخطّ المستقيم، وعليه أن يتمسَّك بها، وبقوّة، لأنّها تعني التمسّك بحبل الإيمان.

وفي سياقٍ متّصل، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "الحريّة ليست شعاراً نطلقه ونحن نتخبّط في ألف عبوديّة وعبوديّة. الحريّة هي أن تنطلق أوّلاً لتكون سيّد نفسك؛ أن تملك إرادةً تواجه فيها كلّ غرائزك عندما تريد أن تطغى عليك وتنحرف بك وتسقطك، وأن تملك إرادة المضيّ والانطلاق مع مسؤوليّاتك، أن تملك الـ "لا" الّتي تختزن كلّ المفردات الّتي تنطلق بك إلى الأعالي، وأن تملك قول "نعم"، لتكون هذه "النّعَم" منطلقة من كلّ ما تقتنع به أنت، مما يدخل في عقلك وقلبك وشعورك". 

وفي موضعٍ آخر، يقول سماحته: "المسألة المهمّة هي أن يتعوّد الإنسان على أن يكون نفسه، أن يفكّر، وأن يؤمن، وأن يكتب، بحيث تكون الصّورة الإيجابيّة والسلبيّة لدى الآخرين منطلق فكر له، لا منطلق محاكاة".[الكلام السيّد، ص 306].

ويضيف: "لا ينبغي أن يكون عنوان حركة الإنسان في الحياة، هو أن يسير مع النّاس في الطّريق الّذي يسيرون فيه، من دون أن يعرف أوّله من آخره". [المصدر نفسه، ص 305].

 

[مصدر التّحقيق الأصليّ: جريدة الرّياض السعوديّة، بتصرّف وتعليق من موقع بيّنات].

 

تحقيقات

 

المصدر بينات.

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha