عولمة القتل... 5 - 10

عولمة القتل... (5 - 10)
وليد الزبيدي
الأحداث الكثيرة التي حصلت في حروب أميركا خلال العقد الأخير أثبتت زيف المزاعم الأميركية، وتأكد أن الولايات المتحدة كاذبة ومخادعة وأنها الدولة الأولى في انتهاكات حقوق الإنسان، ومن بين تلك الدلائل إدخالها عولمة القتل إلى حياة الأمم والشعوب.
في العراق كما في أفغانستان وباكستان واليمن ومناطق أخرى، يتربع في ذاكرة آلاف الناس في القرى والمدن تلك الصور البشعة للمجازر التي ارتكبتها طائرات بدون طيار، فسرعان ما تدوي الانفجارات العنيفة التي تعصف بكل شيء، وتتوالى الانفجارات القوية، يختلط الصراخ بالدخان والعواصف الترابية يتخللها عويل ثم أصوات الجرحى الذي يذوي متراخيا قبل أن يلفظ الجرحى أنفاسهم الأخيرة، ما أن ينجلي الموقف حتى يتبين أن طائرات بدون طيار قد وجهت صواريخها صوب دار بسيط أو مجموعة بيوت، لتقتل النساء والرجال والشيوخ والأطفال، وتسيل دماء الأبرياء مبثوثة على أرضية المنازل.
ليس هناك تحقيق ولا تدقيق ولا دليل ولا شاهد ولا قرينة لدى الإدارة الأميركية، التي ترتكب هذه الجرائم، كل ما تستند إليه، حقدها وكراهيتها وإصرارها على قتل الناس من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، والذي عجزت عن قتله مباشرة بصواريخها وأدواتها المحلية في تلك الدول، توجه إليه طائراتها بدون طيار لتقتل وتعيث دمارا وتخريبا، والقصص كثيرة جدا، وسيول الدماء لا تعد ولا تحصى.
تكتفي الإدارة الأميركية بعد جرائمها بإصدار تصريح، تتفاخر فيه بقتلها للناس الأبرياء، مغلفة ذلك بكذب صار مفضوحا للقاصي والداني.
للأسف الشديد، لم تحاول جهة واحدة رسمية أو شعبية توثيق الكثير من قصص القتل الأميركية ضمن برنامج "عولمة القتل"، رغم أن هذا القتل يخالف جميع القوانين والمواثيق الدولية والدينية والأخلاقية.
تكتفي عوائل الضحايا بالبكاء والنحيب ونصب خيم استقبال المعزين، وتلطم النسوة الوجوه ويتوشحن بالسواد، وتنحفر في دواخل الناس الأحقاد على شعوب أميركا قبل ساستها، وتتراكم القصص المأساوية وتزداد الأحقاد، وتتهاوى صورة أميركا التقليدية لتحل مكانها صور أميركا المتوحشة الإجرامية.
وتكتفي حكومات الدول التي يسقط فيها الضحايا بالتزام الصمت، وتتجاهل وسائل إعلامها كل الدماء وصور الدمار وأنين الجرحى والمعوقين، أما في قنواتها السرية والدبلوماسية فيسارع المسؤولون والحكام إلى توجيه الشكر والامتنان للإدارة الأميركية على ما فعلته آلة القتل عن بعد وما خلفت من ضحايا ودمار.
انتقل القتل من إرسال القوات بحرا عبر المحيطات منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى إرسال الدبابات والجيوش والمقاتلات في الحربين الأولى والثانية، إلى استخدام القاصفات العملاقة مثل بي 52، والمقاتلات من نوع ستلث "الشبح"، وتم تجريب مختلف أنواع الأسلحة في حرب فيتنام قبل هزيمة أميركا عام 1975، ثم طُورت الأسلحة إبان حقبة الحرب الباردة، قبل أن تفتُر حدّة تلك الحرب خلال ثمانينات القرن العشرين لتنهار كليا مطلع تسعينات ذلك القرن، وبينما كان كيان الاتحاد السوفيتي الخصم المفترض للولايات المتحدة يُنخر ويتداعى، وكان سلاح الولايات المتحدة يجري أكبر ممارسة حيّة على أرض العراق وناسه في حرب عام 1991، فكانت عولمة القتل تجري للمرة الأولى أمام الرأي العام من خلال ما تنقله قناة "سي أن أن" الأميركية، التي ربطت المشاهد في مختلف أرجاء المعمورة بالأهداف التي تقصفها الصواريخ والطائرات الأميركية في مدن العراق، وبهذا دخل القتل والتدمير العولمة من خلال وسائل الإعلام المرئية.
wzbidy@hotmail.com