كلمة الدكتور جورج جبور حول كتاب الدكتور شعبان عن الإمام الحسني البغدادي

كلمة الدكتور جورج جبور حول كتاب
الدكتور شعبان عن الإمام الحسني البغدادي
جولة في سوسيولوجيا الدين والتدين من خلال كتاب:" الامام الحسني البغدادي" ، للدكتور عبد الحسين شعبان
كلمة الدكتور جورج جبور - رئيس الجمعية السورية للعلوم السياسية (قيد التأسيس).
في منتدى تحولات - بيروت - مساء الاثنين 29 تشرين الاول 2018م
- 1 -
بمزيج من الفرح والتحسب تلقيت دعوة الصديق القديم الدكتور عبد الحسين شعبان للحديث عن كتابه الجديد الذي يعرفني بشخص لم اعرفه سابقا هو الامام الحسني البغدادي.
يأتيك الفرح من تجربة الخوض في مجال جديد مع باحث محترم. ياتيك التحسب من طبيعة المجال، حيث قد يأخذك تعبير عارض الى ما لا تحمد عقباه.
- 2 -
لعل كتاب الدكتور شعبان الجديد هو الالصق، من بين عديد كتبه، بالتراث الفكري الذي تشربه في بيئته العائلية. المؤلف، بالتصنيف المتعارف عليه، ابن عائلة شيعية لها مكانها في النجف الاشرف. وهو في كتابه يخوض في تفاصيل لها معانيها الجلية عنده. والكتاب غني بتفاصيله وباستطراداته، وكلها مؤثر في النتائج التي تستخلص. كأن ابا ياسر، وكثيرا ما خاض في تفاصيل وضع اليسار في العراق، احب ان يظهراطلاعه على وضع الشيعة في العراق، بل وعلى شغفه بهذا الامر الذي يحظى منذ عقد ونصف باهتمام سياسي ملحوظ. تسليط الضوء على الدين والتدين من خلال التأريخ للامام الحسني البغدادي، والاهتمام بتراثه الفكري، اغناء يمكن للمعنيين بالشأن العام العراقي الافادة منه في بناء المستقبل.
يتعامل الكتاب اساسا مع كتاب:" وجوب النهضة لحفظ البيضة" ، ذلك الكتاب الذي ظهرت طبعته الاولى اثناء الحرب العالمية الاولى والانجليز يستعدون لغزو العراق. أما الطبعة الثانية فقد اصدرها الامام اثر العدوان على العرب في حزيران 1967. وفي كلمات شعبان، حمل نشر الكتاب في ذلك التاريخ " دلالة رمزية جديدة تتعلق بمدى تمسك صاحبه بفكرة الدفاع عن الوطن والحق في مقاومة الاحتلال. .... وفي الوقت نفسه لا يخلو من حنين لذكريات مقاومته الاحتلال البريطاني فضلا عن مشاركته في ثورة العشرين. ولعل الحسني البغدادي الحفيد باعادة طبع الكتاب مجددا بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 اراد ان يقول : انه لا يسير على خطى الحسني البغدادي الكبير فحسب، بل هو استمرار لجده المجاهد...."ً( ص. 27). اذن فللكتاب طبعات ثلاث كل واحدة منها استجابة لحادث جلل.
الا ان الدكتور عبد الحسين، اذ يوفي كتاب وجوب النهضة حقه، وجميلة جدا المقتطفات التي اختارها منه في الصفحات الاخيرة، فهو لا يكتفي بما فيه، بل ينطلق محلقا في آفاق اوسع تهم مجتمعنا او مجتمعاتنا العربية على نحو يذكرنا بتلك الآفاق التي عرفناها خاصة منذ مرحلة التنظيمات العثمانية. هي آفاق شهدت خصومات وخلفت ضحايا. نعرف المؤلف رائدا من رواد حقوق الانسان في بلادنا العربية، ونخشى عليه اذ يعالج موضوعا دقيقا هو الدين والتدين، نخشى عليه من عثرات الطريق التي كانت نصيب بعض من سبقه. قرأت بحرص. واشهد أن صديقنا لم يعثر في طريقه الوعر الى تبيان الحق والجهر به، منطلقا من اساسيات تكوينه الفكري.
أسرني في الكتاب شغف صاحبه باجواء الجدل في النجف الاشرف. كان للامام الحسني البغدادي مجلسه الاسبوعي في ذلك المكان المتميز الذي يقارنه الدكتور عبد الحسين بالزيتونة والازهر والقيرويين. في أجواء النجف كانت لآراء الامام البغدادي اصداؤها الفاعلة. ويكفي ان اشير هنا الى واحدة من تلك الآراء. أصدر مرجع ديني كبير، عام 1960، فتوى ضد الشيوعية بصفتها كفرا، فكان من صاحب وجوب النهضة رأي يميز بين شيوعيين ملحدين وشيويين مؤمنين.
- 3 -
كثيرة هي النقاط التي يحسن التوقف عندها في كتاب مزدحم بالاسماء والعناوين والتفاصيل والاستطرادات والاحالات والاستشهادات. ولامارس هوايتي في الانتقاد: كان على كتاب كالذي اتحدث عنه، كان عليه ان يتحلى بفهارس اسماء وعناوين وموضوعات.
فلأعد الى بعض نقاط في الكتاب يحسن التوقف عندها.
توقفت اولاعند الفكرة التي يبدو انها دفعت الامام الحسني البغدادي الى تاليف كتابه: " وجوب النهضة لحفظ البيضة ". هي مناهضة الغزو القادم الى العراق مكتسحا في طريقه الخلافة العثمانية. قامت الخلافة العثمانية على المذهب الحنفي، ارحب المذاهب السنية. الا ان تلك الرحابة لم تتسع للفقه الجعفري. ليس سرا ان الحكم العثماني لم يكن على علاقة ود مع الشيعة ولاسيما في العراق حيث وجودهم الاكثف ضمن نطاق الدولة العثمانية الجغرافي. شاءت مقادير السياسة الدولية ان تنشب الحرب بين العثمانيين والانجليز. أين يقف الامام الشيعي الذي عرفنا عليه الدكتور شعبان؟ يقف مع الدولة حتى ولو قيل ان في كتابه مظنة تسنن. ويجود علينا الامام ومعه الدكتور عبد الحسين باستذكار " دعاء الثغور" المنقول عن الامام السجاد :" اللهم.... حصن ثغور المسلمين بعزتك، وأيد حماتها بقوتك...". أليس في موقف الامامين جوهر فكرة الوطنية، ومعها فكرة المواطنة، ومعهما فكرة علوية الدولة التي لا تنال منها الفروقات المذهبية؟
ويوقفك الكتاب عند فكرة متلازمة مع ما سبق الا وهي فكرة الجهاد الدفاعي. الدفاع هنا عن جمع معين بكامله، هو الشعب او الامة او الدولة او الحكم. الكل واحد بمواجهة الخطر الخارجي. تلك فكرة مفيدة لدول في مقاومتها لما يراد لها من تشرذم سواء بفعل من الخارج او بفعل من ابنائها او بتعاون منهم مع الخارج.
تشعر في ثنايا كتاب شعبان ان مؤلفه لا يحدثك عن الامام الذي يحمل الكتاب اسمه بقدر ما يحدثك عن اوضاعنا الراهنة بقدر ما يصف لك علاجا لاوضاعنا الراهنة. ذات يوم من ايام الاقدام، صرحت بان التراث كثيرا ما يستحضر لا ليهتدى به، بل ليستشهد به. وكانت ضجة، وكان الحاح على ان التراث صالح لكل زمان ومكان. وما نفعت محاججتي بان القاعدة الفقهية ذات الرقم 70 من القواعد الفقهية الملحقة بمجلة الاحكام العدلية تبيح تغير الاحكام بتغير الازمان. في زمننا هذا اتوقع ان تكون الضجة ذات وقع اخف. تغيرت الازمان وتغيرت الاحكام.
- 4 -
واختم جولتي هذه بمساررة مكانها هنا، وربما ايضا في مذكرات لن تكتب.
فريد امر الدين كما يرسمه المتدينون. يحكم جماعة من الناس باسلوب، ويحكم جماعة غيرها باسلوب آخر، والدين واحد.
والدين خير كله، الا ان بعض المتدينين ينسب أقصى الشر الى بعض آخر من المتدينين.
فاذا نظرنا الى ما اريق من دماء عبر التاريخ، والى ما يراق من دماء الآن، لوجدنا في الارجح ان الدين كان السبب الأبرز الذي اشهره ويشهره المتدينون لاراقة الدماء.
ما العمل اذن؟ ومن المعقود عليه الامل بعمل؟
سؤالان يستمران مفتوحين، رغم ان في كتاب الدكتور شعبان اجابات احيانا، و اشارات الى اجابات احيانا اخرى.
جورج جبور
المستشار الاسبق لرئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الاسد للابحاث والدراسات
دمشق في 25 تشرين الاول 2018م