كلمة الجمعة لسماحة الفقيه المرجع السيد احمد الحسني البغدادي دام ظله بتاريخ 9 صفر الخير

كلمة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
إذن، لا بد حتماً أن تعرف أن الذين يسجدون للاصنام والالهة البشرية المعاصرة التي يسجد الجاهلون عليها، لأنهم جهلاء، فقدت احتمالاتهم النبيلة.
إن المتعلمين الذين يقرأون ويصدقون أسوء من الجهلاء الذين يصدقون ولا يقرأون!..
إن المتخلفين في مجتمعاتنا لا يعترفون من حيث المبدأ بأهمية اطروحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما سمي في هذا العصر بالنقد والنقد الذاتي، بل لا تعرف أهميته الرسالية المركزية.
إن النقد من وجهة نظرها كائن غريب منبوذ ملعون وسلوك غير مرغوب وغير أخلاقي.. إنه شتائم لاذعة بذيئة.. إنه وحش كاسر يريد أن يغتال آلهتها وأصنامها ويفسد عليها رضاها عن نفسها وعن قضاياها المستفيضة.
إنها لذلك تظل دائماً تتقبل الأيديولوجيات من خارج الدائرة الاسلامية بكل ما فيها من شطحات وحماقات، ومن مظالم وأضداد، ومن قضايا وأشياء عقلية حمالة للظواهر الشاذة في لحظة الكون الحالية! فالإيمان والالحاد، وعبادة الله وعبادة الشيطان.. كل ذلك تفكير قادتُه وشهداؤه في كل زمان.
إنها لا بد أن تدرك ما تسمع أو تقرأ من فساد فصول مؤامرة المحافل الماسونية تناقضاتها وحيلها الابلسية التي تدعو الى تحقيق الدين الابراهيمي الجديد القائم على وحدة الأديان السماوية الثلاثة في دين واحد، وتتبرأ عن عقائدها شكلاً ومضموناً، وبناء الدولة العالمية الواحدة، وتنفيذ مشروع صفقة القرن التطبيعية، وبالتالي قيام دولة «اسرائيل» الكبرى من النيل الى الفرات.
إنها لا تحاول أن تدرك، بل لا ترغب أن تدرك، بل تحاول أن تهرب من كل مَن يحاولون ان يجعلوها أن تدرك.
إن أخطر الخصوم أو الأعداء في تصوراتها هم الذين يحاولون أن يصححوا عقائدها وتقاليدها وأخلاقها أو يحموها من المؤامرات الماسونية الخفية.
إن أعلى الاساليب في جمود منطلقاتنا العقيدية والفكرية والاخلاقية أن لا نقدم نصيحةً أو نقداً لرموز المؤسسة «الدينية» الشيعية منها أو السنية حقاً أم باطلاً على حد توجيهات المحافل الماسونية العالمية، ولقد أكدت في توجيهاتها المبرمجة بعد إحتلال العراق عام 2003م الرجوع اليها وأخذ الفتاوى السياسوية منها لتقرير مصيرها!..
إن التفكير الثقافي الناقد قد يكون هو الذي يجعل التغير أمراً محسوماً وأن يكون - هو على الأصح - هو الذي يفتي بجواز التغيير أو بوجوبه، ويرى حتميته التاريخية. فاذا كان حراماً أن نتغير.. حراماً أن نفكر.
إن ضلال الفكر وهداه ليسا فيه، ولكنهما في القوى التي تحركه.
إن تغير الفكر ليس تفكيراً.. إنه أتباع.. إنه دائماً اتباع لشيء ما، مهما ظن أنه قائد الضرورة في كل شيء من الاشياء زعم لنفسه ذلك.. إنه لا يوجد تابع خانع يزعم لنفسه القيادة المطلقة، يزعم لنفسه المزاعم اكثر من التفكير، وهذه هي الطامة الكبرى. أما أن يكون التغيير – تغير الاخلاق أو المذاهب او العقائد أو التقاليد أو الاصنام البشرية المعاصرة فساداً أو حراماً، ثم يكون التفكير الثقافي الناقد إستقامةً وحلالاً أو فريضةً واجبة. فهذا هو بين الإستجابة أو الرفض. إذن، نحن لا نؤمن من حيث المبدأ بالتفكير الثقافي الناقد، لاننا لا نؤمن بالحداثة الاسلامية، ولكن من حقنا أن نسأل: لماذا نخاف الحداثة.
إن كل الخوف من التفكير ليس خوفاً من الحداثة؟..
إن مثل هذا التفكير يحطم الانسان بما هو إنسان مبدع، ويحطم طموحاته وتطلعاته ومنجزاته الآنية منها والمستقبلية الإنسانية الحضارية.
إن رموز المؤسسة «الدينية» تفكر لتهرب وتستنكر وتخشع وتؤمن.
إنها تفكر لتغدو غير مفكرة وغير متطورة، وهي تعيش معايشة ميدانية في ظل العولمة المتوحشة الزاحفة في شتى منظومة مفاصل الحياة، والتنميط المتسارع لكل الحاجيات الانسانوية خصوصاً الطفرة الرقمية والتكنولوجية والاستنساخ البشري والذكاء الصناعي والاعلام المبرمج الرقمي.. والانسان الرسالي الذي يؤمن بالعقل الفاعل لا العقل المنفعل يفهم ماذا تخطط المحافل الماسونية والصهيونية من خلف الأبواب المغلقة في تدمير البنى التحتية والعقلية والعقيدية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والله ولي التوفيق والسداد.
احمد الحسني البغدادي
النجف الاشرف
9 صفر الخير 1443هـ