صلاح الخرسان سخرية الاقدار واضحوكة هذا الزمن العابس يتطاول على فقهاء الاسلام المجاهدين الحلقة الاولى
صلاح الخرسان
سخرية الاقدار واضحوكة هذا الزمن العابس
يتطاول على فقهاء الاسلام المجاهدين
الحلقة الاولى
ظهر على الساحة العراقية كتاب في ترجمة الشهيد الصدر الأول بقلم صلاح الخرسان سماه: «الإمام السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق»، طبع في مطبعة الوسام بغداد 2004م. يجد القارئ الكريم في غضون كتابه أقاويل مفتعلة وأكاذيب كثيرة فليس فيه إلا تحريف الحقائق التاريخية، وهو غير محقق في النقل، ولا يعتمد على الوثائق الصحيحة، بل باع نفسه وضميره ودينه مقابل دراهم معدودات، وقد اعتمدت على نقد هذا الكتاب اعتماداً كلياً على كتاب «كشف الاسرار» للمرجع البارز المجاهد السيد علي الحسني البغدادي(دام ظله) حيث يقول:
زارني الشيخ مهدي العطار وجرى الحديث حوله فقال في شأنه انه عندما أصدر كتابه «حزب الدعوة الأسلامية ـ حقائق ووثائق» فقد حرّف الكلم عن مواضعه فعاتبه السيد حسن شبر أحد رموز حزب الدعوة القدامى عن تلك النسب المفتعلة، فأجابه عن ذلك بأن رموز «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» هم الذين تصرفوا في الكتاب وأضافوا تلك المقولات، وذلك باعتبار أن طبع الكتاب كان على نفقتهم، فإذا أردت إعادة طبع الكتاب فليكن على نفقة حزب الدعوة وأني اكتب ما ترغبون.
وقد حدثني عنه احد فضلاء الحوزة العلمية الأخيار نقلاً عن رموز حزب الدعوة بأن هذا الكاتب قد أدخل في ملحق كتابه «حزب الدعوة الإسلامية...» النظام الداخلي لحزب الدعوة مع أن الحزب قد نص على عدم مشروعية مطالعة هذا النظام إلا لمن كان عضو مؤتمر ولكنه خالف هذا الشرط ثم أضاف أيضا أنَّ رموز حزب الدعوة نعتوه بأنه لا يستند على الوثائق الصحيحة بل يعتمد على مطلق المسموعات.
وزارني الشيخ هادي الخزرجي في مكتبي وجرى الكلام في شأن هذا الكاتب، و سألته عنه فقال: إن هذا الشخص كان من حزب الدعوة الإسلامية ثم اتصل بالمجلس الأعلى لحاجته المالية وقد وجهْتُ إليه بعض الكلمات وقلت له لماذا تكشف في كتابك عن حزب الدعوة أحدَ الدعاة في قضية خطيرة حدثت في بغداد في عهد النظام البعثي؟ ولماذا تكتب هذا الكتاب؟ فأجابني أنه من قبيل الزواج المنقطع.
وقد زارني الأخ عادل رؤوف في داري وجرى الحديث حول هذا الكاتب فقال في شأنه إِنَّهُ رجل عاش معاناة الفقر في خارج العراق، لذلك أصبح من بطانة المجلس الأعلى، وتمتاز كتاباته بالركاكة الأدبية وغير موثقة بالوثائق المعتبرة ولا نحتاج إلى ردها عليها، وكتابه في ترجمة السيد الشهيد الصدر الأول كتبه في الرد على كتابي «محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين»، وفي الواقع إِنَّ كتابي هذا رد عليه لأنه مدعوم بالوثائق وبالتحليلات العلمية.
وزرت الشيخ ضياء زين الدين في داره عندما جاء من سفره من البحرين وسألته عن مقولة هذا الكاتب القائل في كتابه المتقدم ص501 إِنَّ والدكم المرحوم الشيخ محمد أمين زين الدين (قده) نصح وحذر الشهيد الصدر الأول على مقاومته للنظام البعثي فأجابني بأن هذه المقولة مفتعله على والدي تحتاج إلى إقامة البينة الشرعية وان والدي أول من زار الشهيد الصدر الأول في محنته الأخيرة في داره وقال له بعين الله لا تنالك... وفي الواقع إنَّ هذا الكاتب قد اخرج هذا الكتاب بعد سقوط الطاغية بعنوان تمجيد الشهيد الصدر الأول، ولكن في واقعه أودع فيه حقده الدفين ضد هذه الشخصية النضالية الخالدة، وسائر الشخصيات العلمية المعروفة أمثال، السيد الخميني ونجله والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد محمد الحسني البغدادي والسيد حسين الحمامي والسيد الشهيد الصدر الثاني والشيخ محمد أمين زين الدين(قدس الله اسرارهم) وحاول جهد امكانه نقد مسيرتهم الجهادية بأساليب مختلفة مما يدمي القلب أسفاً.
وإليك أيها القارئ الكريم بعض أقاويله المفتعلة وتهكماته وتمويهاته في هذا الكتاب:
1) قوله ص:119 دافع عن السيد الحكيم عندما أرسل تهنئة إلى الزعيم عبد الكريم قاسم بمناسبة ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م وأنه أرسلها متأخرة عن برقيات سائر المراجع
ولكن يرد عليه:
أن مقتضى الأدلة الاجتهادية أَنَّه لا يجوز تأييد (ثورة) 14 تموز لأنها لم تكن ثورة إسلامية، أجل بحسب مقتضى العناوين الثانوية، كالإكراه أو الاضطرار أو حدوث مصلحة تخدم الإسلام والمسلمين فحينئذ يجوز تأييدها، ولكني اعتقد أنه لا مبرر شرعياً لتأييد هذه (الثورة) وان حازت تأييد غالبية الشعب العراقي، وان أولئك المراجع قد اخطأوا في تشخيص الموضوع وتحديد المصلحة، وإما دعواه بأن إرسال السيد الحكيم برقية تأييد إلى عبد الكريم قاسم كان متأخراً عن سائر المراجع لا أساس له من الواقع إذ أن برقية السيد الحكيم كانت مؤرخة بتاريخ 6 محرم 1378 هـ، راجع كتاب «الإمام الحكيم» للسيد احمد الحسيني، وكذلك برقية السيد البغدادي كانت مؤرخة بنفس التاريخ المتقدم، راجع جريدة «البلاد» العدد 5276،السنة 29، 26 تموز،1958م، راجع جهاد السيد البغدادي لشقيقي الاكبر أحمد الحسني البغدادي (الملحق).
2) قوله ص125 أتهم الحوزة العلمية بأنها امتازت بالعزلة السياسية التي فرضتها سلطات الانتداب البريطاني قبل تشكيل جماعة العلماء في عهد حكم عبد الكريم قاسم إذ يقول: «لم يكن تشكيل جماعة العلماء التي تعتبر أول محاولة من قبل الحوزة العلمية في النجف الاشرف للخروج من العزلة السياسية التي فرضتها عليها سلطات الانتداب البريطاني إبان تشكيل الدولة العراقية».
ولكن يرد عليه:
أن هذه الدعوة باطلٌ نسبها إلى الحوزة العلمية، ألم يسمع أو يقرأ مواقف مراجع العرب العظام الجهادية في تلك الفترة؟ نذكر جهاد بعضهم:
أ ـ موقف الشيخ محمد مهدي الخالصي الكبير في رفضه المجلس التأسيسي في أيام الملك فيصل الأول، وعدم تراجعه خلافاً للشيخ النائيني والسيد أبي الحسن الاصفهاني، حيث أنهما إمتثلا شروط النظام الملكي من عدم تدخلهما في شؤون الدولة السياسية، راجع «لمحات أجتماعية من تاريخ العراق الحديث» للدكتور علي الوردي لتفصيل ذلك وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ الخالصي الكبير، وان كان من فقهاء الكاظمية، إلا أن أعماله الجهادية مرتبطة مع جهاد فقهاء النجف.
ب ـ موقف السيد البغدادي تجاه المجلس التأسيسي عندما زار الوفد البغدادي بقيادة الحاج جعفر أبو التمن في بيته، فكان السبب الاساس في رفض الشيخ النائيني تأييد المجلس التأسيسي. راجع الذريعة، ج18، ص78، وجهاد السيد البغدادي وغيرهما في تفصيل ذلك.
ج ـ مواقف الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء الجهادية في مجابهته الحكم الملكي، وفي حواره مع السفير البريطاني، وفي حضوره المؤتمرات في بعض الأقطار العربية والإسلامية دفاعاً عن الإسلام والمذهب ومكافحة القوى الاستعمارية الكافرة.
د ـ مواقف مراجع الدين في النجف تجاه الحكم الملكي، حيث استنكروا مواقف الدولة المتفرج تجاه الدماء البريئة التي سفكت من قبل ازلام النظام الملكي عندما خرج الشعب في تظاهرات ضد العدوان الثلاثي على مصر.
هـ ـ موقف الشيخ عبد الكريم الجزائري وغيره من الأعلام في دعم ثورة مايس عام 1941م بقيادة رشيد عالي الكيلاني، إلى غير ذلك من المواقف النضالية المشرفة تجاه الحكم الملكي، فكيف يدعي هذا الكاتب أنَّ تشكيل جماعة العلماء في عهد حكم عبد الكريم قاسم تعتبر أول محاولة من قبل الحوزة العلمية في النجف الاشرف للخروج من العزلة السياسية التي فرضتها عليها سلطات الانتداب البريطاني، فان هذه الدعوى تعني أن الحوزة العلمية ورموزها تمتاز بالجبن والخضوع للأوامر الاستعمارية الكافرة.
3) قوله ص160 ـ 161 نقل مقولة السيد حسن شبر القائلة بأن فتوى السيد الحكيم وسائر المراجع في كفر الشيوعية قد صدرت بعد مجابهة عبد الكريم قاسم الشيوعيين ما يقرب من سبعة اشهر «مع أن المفروض فيهم أن يتصدوا لكل فكر ضال يطرح في بلاد المسلمين، وأنه ليس من الشجاعة أن ينتظروا ما يقوله رئيس الدولة ليقولوا مثله، ولعلهم كانوا يتصورون أن هذا الأمر يعتبر منهم تدخلاً ممنوعاً بالسياسة».
ثم انه أجاب عن الإشكال ص162 ـ 163 ما هذا نصه: «إنَّ الإمام السيد الحكيم والمراجع الآخرين كانوا الاعرف بتكليفهم الشرعي والأقدر على تشخيص المصلحة... أما صفة الشجاعة التي يعيب الأستاذ شبر على العلماء فقدانها فإن التاريخ القريب والبعيد هو الفصل والحكم وهو خير شاهد على دورهم في التصدي لكل الأخطاء التي حاقت بالعراق وشعبه ابتداءً من حركة الجهاد عام 1914م حين تقدم العلماء صفوف المجاهدين...
وكان من بينهم الإمام السيد محسن الحكيم وهو أنذاك في عمر الشباب وله مكانته العلمية... لكي يصبح أمين سر القائد المجاهد آية الله السيد محمد سعيد الحبوبي، وكان له موقف مشهود في معركة الشعيبة الضارية إذ (لما وقعت الهزيمة وفر المجاهدون... ثبت السيدان الحبوبي والحكيم وثلة من الأبرار...) فهل تنقص الشجاعة من كان هذا تاريخه..».
ولكن يرد عليه:
أولاً:في حقيقة الواقع إنَّ الإشكال الذي طرحه السيد حسن شبر إشكال صحيح لم يتمكن الكاتب من الاجابه عنه، وقوله إنَّ المراجع هم الأقدر على تشخيص المصلحة وتعيين الموضوع غير مقبول، وذلك لفقدانهم العصمة فقد يخطؤون وقد يصيبون في تعيين المصلحة والموضوع، لا سيما أن اغلب المراجع ليس لهم أي خبرة سياسية، وليس لهم معايشة ميدانية مع جميع الأحزاب السياسية.
وثانياً: إِنَّ السيد الحكيم لماذا لم يفتِ بكفر الشيوعية في أيام الحكم الملكي والحزب الشيوعي في هذا العهد أكثر الأحزاب كثرة وقوة، لذا نجد الشيخ محمد الخالصي صاحب المعارف المحمدية اعترض على السيد الحكيم بسبب موقفه المتفرج تجاه الشيوعية في أيام الحكم الملكي، وعدم إفتائه بكفرها كما قرأت هذا الاعتراض قبل خمسة وعشرين سنة في كتيب أصدره في أيام الحكم الملكي، ولماذا السيد الحكيم لا يستنكر عبد الكريم قاسم على الممارسات التي صدرت من قبل أعوان النظام بالتصفيق والرقص في الشوارع في ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين (ع) بمناسبة مرور ذكرى السنة الثانية على انقلاب الرابع عشر من تموز، مع العلم أن السيد البغدادي بعث ببرقية استنكار إلى عبد الكريم قاسم على تلك الممارسات، ولماذا أن السيد الحكيم لا يستنكر على شاه إيران باعتقاله السيد الخميني وصدر الحكم بإعدامه مع العلم أن السيد البغدادي بعث ببرقية استنكار إليه من اجل ذلك ثم بعث له برقية استنكار أخرى إليه.
وثالثاً: أن قوله إِن شجاعة السيد الحكيم في جهاده ضد الغزو البريطاني وعدم فراره من المعركة لا يستلزم كونه شجاعاً في إفتائه ضد الشيوعية وان كان بعد مدة طويلة.
ورابعاً: أن ماذكره من كون السيد الحكيم كان أمين للسيد الحبوبي وان المجاهدين قد فروا من ساحات الجهاد ما عدا الحبوبي والحكيم وثلة من الأبرار ثم سرد بعض الحكايات يستدل بها على شجاعة السيد الحكيم محل مناقشة حيث انه اعتمد على هذه المعلومات على السيد احمد الحسيني الأشكوري في كتابه «الإمام الحكيم السيد محسن الطباطبائي» وهو اعتمد على الشيخ محمد تقي الفقيه عاملي في كتابه «جامعة النجف في عصرها الحاضر»حيث انه إنفرد بهذه الحكايات ولم يذكرها جميع من أرخ جهاد السيد الحبوبي ضد الغزاة المحتلين من الذين عاصروه امثال صاحب «أعيان الشيعة» و«معارف الرجال» و«طبقات الشيعة» وغيرهم وقد انكر السيد عبد الحميد الحبوبي بعض هذه الحكايات بمحضر السيد البغدادي ونقل عن والده وعن ابن عمه السيد علي بأن الحكيم كان خائفاً في المعركة والتمس من السيد الحبوبي الرجوع إلى بلده لفقدان القدرة على مجابهة العدو الكافر مع العلم أن السيد الحكيم كان شاباً عمره (26) سنة في ذلك الوقت. فكيف يكون أمين سرّ له في تلك المعركة الدامية مع وجود كبار العلماء والفضلاء معه ومن الطريف أن السيد البغدادي كان يتحدث بان السيد الحكيم كان لنا معه صداقة ومودة وكنا نتباحث مباحثات علمية في دارنا في محلة العمارة ليلاً في أيام شبابنا، فإذا بلغ منتصف الليل وأراد الذهاب إلى داره في محلة الحويش كان يلتمس مني أن اذهب معه إلى داره لخوفه فكنت اذهب معه ثم ارجع إلى داري في تلك الليالي المظلمة فكان السيد البغدادي يستدل على عدم شجاعته بذكر هذه الواقعة.
وخامساً: انه عندما اتهم ولده السيد مهدي بالتجسس من قبل نظام البعث أنزوى في بيته ولم يحرك ساكناً حتى مماته، فلماذا لم يقاتل النظام ويقاومهم؟!.. مع العلم أن نظام البعث كان في بدء أمره لم يمتلك سلطة قوية وهذا بخلاف موقف السيد الصدر الأول فقد قاوم نظام البعث في عنفوان قوته، ولو كانت مرجعيته كمرجعية السيد الحكيم لأسقط نظام البعث.
4) قوله ص164 ـ 165 إِنَّ السيد حسين الحمامي كان مرجعاً انعزالياً وحواشيه يتعاطفون مع الشيوعية بما فيهم السيد يوسف الحلو الذي يعتبر من أقطاب أنصار السلام وابنه أيضاً من الشيوعيين المعروفين وقد سجن أيام نوري السعيد، وقد تأثر بهم مما أدى إلى عدم إفتائه بكفر الشيوعية وقد صور هؤلاء للسيد الحمامي بأن قيامه بإصدار مثل تلك الفتوى إنما يمثل تدخلاً بالشأن السياسي الذي كان حريصاً على تجنب الدخول فيه.
ولكن يرد عليه:
أن السيد حسين الحمامي لم يكن مرجعاً انعزالياً بل كان مرجعاً ميدانياً وفقيهاً ناطقاً يشهد بذلك اشتراكه في حركة الجهاد ضد الغزو البريطاني عام 1914م بصحبة جدنا السيد صادق والد السيد البغدادي كما نص على ذلك السيد البغدادي، كما انه بعث ببرقية إلى الملك يستنكر الممارسات القمعية التي صدرت من قبل النظام ضد طلاب ثانوية الخورنق في النجف إثناء تظاهرهم من اجل شجب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، واجتماعه مع المراجع في ديوان الشيخ عبد الكريم الجزائري في أيام العهد الملكي عندما حضر احد وزراء النظام من اجل وقوع بعض الحوادث السياسية في النجف وله موقف مشرف في ذلك الاجتماع كما حدثني بعض الأعلام من الأساتذة حيث أفاد السيد الحمامي في ذلك المجلس:
إِنَّ معتقد الإمامية يجب أن يكون إدارة الدولة في عصر الغيبة الكبرى تحت رعاية الفقهاء ـ فمثلاً ـ في العراق يجب أن تقسم الوزارات بين الفقهاء وكما انه رفض تأييد (ثورة) 14 تموز عام 1958م باعتبارها لم تكن ثورة إسلامية خلافاً لسائر المراجع وخاصة السيد الحكيم وهذه أهم مواقفه الجهادية فكيف ينعته هذا الكاتب بأنه مرجع انعزالي ولم يتدخل في السياسة فيجب على هذا الناعت القادح أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا القول الباطل.
وإما عدم إفتائه بكفر الشيوعية فهو لاعتقاده أن هذا الإفتاء سوف يستغل من قبل الأحزاب الأخرى لإبادة الطائفة الشيعية وأما قذف السيد يوسف الحلو بأنه من أقطاب أنصار السلام فهو أمر يحتاج إلى أقامة الحجة الشرعية وهي مفقودة أجل كانت له وحشة شديدة مع السيد الحكيم، وكان من أنصار السيد الخميني ويحضر بحثه في الفقه، وأرجع الناس إلى تقليده وله موقف مشرف في أيام الحرب العراقية الإيرانية حيث انه رفض تأييد نظام البعث ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد طلب منه مدير الأوقاف مقابلة إذاعية بأن يصرح أن قتال الخميني ضد العراق من أهم المحرمات فنهره وطرده إمام الناس في الصحن الحيدري الشريف، وأمّا قوله بان نجل السيد يوسف الحلو كان شيوعياً فلا ملازمة بينه وبين نجله فكل يعمل على شاكلته مع العلم أن اغلب الأسر العلمية دخلوا مداخل الحزبية بأنواعها المختلفة ليس على نحو الاعتقاد الفلسفي بل أن السبب الأساس في تدخلهم فيها هو أن الساحة العراقية كانت فارغة من الأحزاب الإسلامية الشيعية بل أن بعضهم دخل هذه المداخل عناداً وتمرداً على المرجعية عامة التي كانت سبباً في اضطهاد عوائلهم العلمية بأساليب متنوعة لا سيما الاضطهاد الاقتصادي لعدم تفعيل العدالة في توزيع الحقوق الشرعية بين الأوساط العلمية من قبلها.
وأمّا اتهام بطانة السيد الحمامي بالعمالة ولكن هذه البطانة تتهم بطانة السيد الحكيم بالعمالة أيضاً وان لها صلة وطيدة مع نظام الملكي في العراق ونظام شاه إيران ونظام البعث، بل هناك دلائل قطعية تدل على أن اغلب حواشي المرجعية لها صلة وطيدة مع الأنظمة الجائرة لا سيما نظام البعث ونظام الشاه كما نشهد بذلك التقارير السرية الأمنية كما كشفت بعد سقوط هذين النظامين المقبورين.
5) قوله ص:333 إنَّ السيد الحكيم أفتى بجواز إنفاق الأموال الشرعية من إلاخماس والزكاة على المقاومة الفلسطينية ولكن عند مراجعة ملحق كتابه من الوثائق (الوثيقة رقم59) ص734 نجد أن السيد الحكيم نص على أن الراجح مساعدة الفدائيين بالزكاة فقط، ولم ينص على جواز إنفاق الخمس، بل إنَّ السيد البغدادي انفرد بجواز إعطاء الحقوق الشرعية سواء أكان من حق الإمام أم الخمس أم الزكاة لا سيما زكاة الفطرة بل صرح بوجوب ذلك مع الضرورة بل صرح بأنه لو توقف الأمر على اخذ أموال المسلمين وجب عليهم ذلك، راجع: موقف الإمام البغدادي حول قضية تحرير فلسطين، ص13، ط:2 مطبعة اسعد، بغداد 1970م.
6) إدعاؤه ص:338 إنَّ السيد الحكيم أرسل برقيات إلى (32) من كبار العلماء والمجتهدين في مختلف أنحاء إيران دعاهم فيها إلى الهجرة إلى النجف الأشرف بسبب إجراءات نظام شاه إيران ضد الحوزة العلمية، ثم قال، راجع الوثيقة رقم (66)، ص:760، ولكن عند مراجعة هذه الوثيقة نجد أنها لم تكتب بخط السيد الحكيم، ولم تكن مختومة بختمه، وإذا صحت هذه الوثيقة فإنها تدل على النيل من كرامة السيد الحكيم، فكيف يسوغ له أن يجعل الساحة الإيرانية فارغة من الحوزة العلمية لتكونَ مسرحاً لأزلام النظام البهلوي العميل للقضاء على الإسلام والمسلمين.
ومن الغريب انه ذكر الوثائق من (رقم 65 و 66 و 67 و 68 و 69 و 70 و 71 و 72 و 73 و 75 و 76 و 77 و 78 و 79 و 80) راجع ص:758 ـ 790 حيث نجد أن جميع الوثائق المنسوبة إلى جميع المراجع والعلماء لا سيما السيد الحكيم حول موقفهم ضد نظام شاه إيران لم تكتب بخطوطهم ولا مختومة بأختامهم وهذا أعظم شاهد على أنَّ هذا الكاتب ليس ممن يعتمد عليه في سرد الحوادث السياسية الخطيرة.
7) ادعاؤه ص339 إنَّ السيد الحكيم أجرى اتصالاً بكبار المسؤولين في طهران حول مصير الإمام الخميني وحصل منهم على وعد قاطع بضمان حياته، ولكن هذه الدعوى لم تستند إلى دليل، ولم يستشهد على ذلك بوثيقة، ثم قال إنَّ السيد الحكيم أردف اتصاله ببرقية تحمل نفس المضمون إلى السيد عباس آرام وزير خارجية إيران، واستشهد على ذلك بمراجعة الوثيقة رقم (72) ص774، وعند مراجعة هذه الوثيقة نجدها لم تكتب بخط السيد الحكيم، ولم تكن مختومة بختمه، ولا نجد فيها أن السيد الحكيم ذكر اعتقال السيد الخميني، بل كانت عامة تشمل العلماء والوعاظ. وهذه الدعوى من أعظم مفترياته لأنه من المُسَلَّم به القطعي أن السيد الحكيم لم يرسل رسالة إلى شاه إيران أو غيره من رموز النظام أمر فيها باطلاق سراح شخص السيد الخميني.
8) قوله ص345 ـ 346 إِنَّ المراجع في قم نصوا على اجتهاد السيد الخميني وكتبوا ورقة بذلك لكي لا يحكم عليه الشاه بالإعدام سنة 1963م، ومن أولئك السيد كاظم شريعتمداري، ثم قال راجع الوثيقة رقم (8)، ولكن عند مراجعة هذه الوثيقة ص791 نجد أن السيد شريعتمداري لم يسئل عن إجتهاد السيد الخميني ولم ينص على اجتهاده بل سئل عن شخص السيد الخميني فأجاب السيد شريعتمداري عن ذلك ونص على كون السيد الخميني من مراجع التقليد فدعواه أن السيد الخميني لم يكن مرجعاً في تلك الفترة الجهادية فهو خلاف الواقع بل كان مرجعاً بارزاً حيث انه تصدى للمرجعية بعد وفاة السيد البروجردي كما نص على ذلك كل من أرخ لحياته.
9) قوله ص346 إِنَّ السيد الخوئي منح إجازة اجتهاد للسيد علي السيستاني، ثم قال راجع الوثيقة رقم (82) نص الإجازة بالاجتهاد، ولكن عند مراجعة هذه الوثيقة نجد السيد الخوئي لم ينص على اجتهاد السيد السيستاني على نحو الاجتهاد الفعلي الذي هو مدار رجوع المكلفين في تقليد المجتهد، بل نص السيد الخوئي عليه بأنه قد حاز ملكة الاجتهاد ومن المعلوم أن صاحب ملكة الإجتهاد لا يجوز تقليده أجل يحرم عليه التقليد الآخر كما نص على ذلك السيد الخوئي في التنقيح وغيره من الأعلام، بل إِنَّ اصل صدور الاجازة قد ناقش فيه شيخنا الشهيد الغروي.
10) قوله ص348 إِنَّ جماعة السيد الخميني لا سيما ولده السيد مصطفى لهم علاقة مع القيادة العليا لحزب البعث ما هذا نصه:
«فكان هناك تنسيق رسمي بين أشخاص معينين من حاشيته ـ أي السيد الخميني ـ وأجهزة النظام الحاكم في بغداد.. فكان السيد محمود دعائي.. مسؤول عن برنامج «صوت العلماء» في الإذاعة العراقية الموجهة إلى إيران باللغة الفارسية والسيد على اكبر محتشمي.. كان مسؤولاً عن الاقامات والفيز، أما التنسيق مع دوائر الدولة العليا فكان يتولاها السيد مصطفى الخميني وكان الوسيط بين الطرفين في البداية الدكتور «موسى الموسوي»، وقوله بالنسبة إلى الشهيد السيد مصطفى الخميني لا اساس له من الواقع، فقد كان السيد مصطفى الخميني من أساتذة البحث الخارج في النجف، وليس له أي ارتباط مع رموز النظام البعثي فهذا بهتان عظيم، وإما الدكتور الموسوي فهو شخصية مستقلة عن السيد الخميني ضد الشاه، وليس من خواصه وحواشيه، وهذه التهمة الموجهة إلى حواشي السيد الخميني اكد عليها أعوان الشاه من رجال الدين في النجف بأن حواشيه من رجالات الأمن يكتبون التقارير السرية ضد الحوزة العلمية.
11) في ص399 أتهم السيد البغدادي بأنه امتدح نظام البعث ما هذا نصه: «فأجريت معه مقابلة إذاعية في داره.. مدح فيها نظام البعث وطالب قيادته بمساعدته لبناء مدرسة علمية تابعة له»
أقول: من المُسَلَّم به لدى جميع الطبقات الاجتماعية المختلفة إِنَّ الإمام المجاهد السيد البغدادي لم يمتدح أي نظام جائر في جميع ادوار حياته لا سيما في أيام نظام البعث، سواء كان ذلك عن طريق الكتابة المختومة بختمه أو عن طريق مقابلة إذاعية، لذا نجده في أيام حكومة عبد السلام عارف عندما حرفت بعض بياناته ضد الطائفية من قبل ازلام النظام وجه بياناً خطيراً ضد النظام وأعوانه كما سيأتي بيان موقف السيد البغدادي تجاه النظام، وأني أتحدى هذا الكاتب المشبوه أن يثبت كلامه بالوثائق المعتبرة. أجل أن السيد البغدادي بارك (ثورة) 14 تموز 1958م كسائر المراجع وفي طليعتهم السيد الحكيم ولكنه خُدِعَ في ذلك وندم ما فعل في على مقالة في هذا الشأن في موسوعته الاسلامية الكبرى« التحصيل» ولكنه في السنة الثانية من (الثورة) وجه رسالة خطيرة ضد عبد الكريم قاسم عندما خرجت دوائر الدولة في الشوارع في أيام مقتل سيد الشهداء الحسين (ع) بالرقص والتصفيق، راجع جهاد السيد البغدادي
ومن الطريف أن المقابلة الإذاعية مع السيد البغدادي قد سجلت بآلة تسجيل موجودة عند بعض أحفاده ومفاد ما صرح به السيد البغدادي في هذه المقابلة انه يجب على الدولة الاهتمام بالمظاهر الإسلامية وحفظ اسم محمد(ص) ونشره في العالم، فاذا نصرتم الإسلام فاني مناصركم ولم يمتدح نظام البعث، ولم يطالب بالمساعدة لبناء مدرسة علمية له، فهذا الكلام من أعظم مفترياته على السيد البغدادي. وإذا ادعى انه سمع هذا التصريح هو شخصياً أو سمعه عن طريق عملاء الشاه لا سيما عم زوجته العسكرية القابع في طهران.
وهنا نتساءل: لماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الخوئي عندما امتدح حكومة احمد حسن البكر حينما سافر إلى لندن للمعالجة حيث صرح بنفسه بأن الحوزة العلمية بالنجف الأشرف بخير ولم تحصل مضايقات عليها من قبل الدولة تسير سيراً طبيعياً، وقد أذيعت هذه المقابلة عن طريق بعض القنوات العالمية؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الخوئي عندما اجتمع مع صدام حسين في بغداد أيام الانتفاضة الشعبانية عام 1991م وانتقد الأعمال التي قام بها المجاهدون ضد ازلام النظام؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الخوئي عندما ارسل رسالة خطية مختومة بختمه إلى الرئيس البكر أيد فيها تأميم شركة النفط العراقية؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الخوئي عندما أفتى بجواز الانتماء إلى حزب البعث عندما سأله شخص من كربلاء كما اعترف هو بذلك ص507 ـ 508، ولكنه دافع عنه بأن هذه الفتوى صدرت منه تقية؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الخوئي من عدم مقاومته نظام البعث الذي قام بإعمال وحشية ضد الشيعة من تهجيرهم وإعدامهم، لا سيما رموز الحوزة العلمية وفي طليعتهم الشهيد الصدر الأول؟!.. ولماذا لا يهاجر هو وحوزته إلى خارج العراق كما هاجر الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف؟!.. الم تكن ارض الله واسعة، بل سكت وانعزل عن الساحة الجهادية الإسلامية؟!.. وهل يعلم أن هذه المواقف من ابرز العوامل التي أدت إلى تصدي الشهيد الصدر الأول للمرجعية في حياة أستاذه السيد الخوئي؟!.. ولماذا يعترض هذا الكاتب على الصدر الأول على مثل هذا التصدي كما سيجيء بيان اعتراضه؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الخوئي حينما زارته زوجة الشاه محمد رضا بهلوي في داره قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران بأشهر قليلة، وأهدى إليها (خاتم العقيق) واشتهر بين الناس انه ارسل رسالة يدعو الشعب الايراني إلى الهدوء والسكينة؟!.. ولماذا لا يعترض على السيد الخوئي حينما توفي السيد الخميني انه لم يقم الحداد على وفاته واستَّمر في تدريسه ولاطفه صهر السيد رضا الخلخالي على منبره فضحك كثيراً، ولماذا لا يعترض على السيد الخوئي عندما اثبت رؤيا هلال شوال المبارك ليلة 28 رمضان مع أهل السنة بأمر من مدير أمن النجف ابراهيم خلف؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الحكيم عندما امتدح الرئيس عبد الرحمن عارف ونعته بولدنا المعظم عندما أرسل عبد الرحمن عارف رسالة إليه حول معركة حزيران ضد إسرائيل؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الحكيم عندما سافر إلى حج بيت الله الحرام بطائرة خاصة تبرع بها الرئيس عبد الرحمن محمد عارف وكان رئيس الوزراء طاهر يحيى برفقته في المطار؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الحكيم عندما اجتمع مع الملك فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد في الصحن العلوي الشريف؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الحكيم عندما زاره السفير الامريكي بعد مدة من إفتائه بكفر الشيوعية؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على السيد الحكيم عندما زاره ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وبرفقته البكر ورشيد مصلح في داره في الكوفة في انقلاب الثامن من شباط عام 1963م بعد بيان (13) الصادر في تصفية الشيوعيين في العراق عن بكرة أبيهم؟!.. ولماذا لم يعترض هذا الكاتب على السيد الحكيم حول اعتراف النظام البهلوي باسرائيل، حيث دافع عن هذا النظام وافاد بان السيد محمد البهبهاني قد ارسل جواباً بان صاحب الجلالة الشاهنشاهي صرح بعدم صدور أي شيء من النظام يدل على الاعتراف بحكومة اسرائيل، ويشهد بذلك برقية السيد الحكيم الى الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الازهر في هذا الشان، هذا نص بعضها:« تلقينا برقيتكم الكريمة تستنكرون فيها اعتراف ايران باسرائيل فشكرنا لكم اهتمامكم بامور المسلمين وحرصكم على تقوية الرابطة الاسلامية بينهم ... وتلقينا الجواب موضحا عدم صدور أي اعتراف من ايران باسرائيل وانه ليس في نية الحكومة ذلك في الوقت الحاضر، ولا في المستقبل، ومظهراً للعطف على قضايا المسلمين في كل مكان ... » (1) ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على موقف السيد الحكيم تجاه السيد الخميني في انتفاضته في الخامس من حزيران عام 1963 والى غير ذلك من المواقف التي لا مجال لذكرها ضد النظام البهلوي ولماذا لا يعترض على رسالة السيد محمد باقر الحكيم (الخطية) الذي وجهها في ايام مضايقة البعثيين لمرجعية والده الى الشيخ محمد مهدي شمس الدين يتهم فيها الشهيد مصطفى الخميني في اجتماعه مع الرئيس البكر وان هو وحاشيته ووالده يتعاونون مع حزب السلطة ويقفون عقبة في طريقهم؟!.. ولماذا لا يعترض هذا الكاتب على رموز أسرته من رجالات الحوزة العلمية الذين كانوا يحضرون احتفالات النظام البعثي وكان كبار المسؤولين يقومون بزيارات متواصلة إلى دواوينهم ومن اجل مواقفهم تجاه الدولة اطلق سراح بعض أبنائهم من السجن أيام الانتفاضة الشعبانية وحصلوا على الإعفاء من الخدمة العسكرية، وقد جرت هذه السيرة من قبل رموز النظام مع حواشي جميع المراجع وأغلب رموز الحوزة؟!..
12) قوله في ص399 أن السيد البغدادي أدان السيد مهدي الحكيم بالتهم التي وجهها البعث الحاكم إليه.
ولكن قوله هذا من جملة الأكاذيب القطعية على السيد البغدادي فإنه لم يصدر فتوى باتهام نفس السيد مهدي الحكيم بالجاسوسية مطلقاً سواء أكان ذلك بتوقيعه وبختمه أو بمقابلة صوتية وأني أتحداه أن يثبت ذلك.. أجل سئل سؤالاً عن رأي الإسلام حول الجاسوس للقوى الكافرة فأجاب جواباً مطلقاً من دون ذكر أي شخص معين فانه(قده) سئل في هذا الموضوع قبل اتهام السيد مهدي الحكيم بعدة اشهر، وبعد ذلك نشرت هذه الفتوى المطلقة في ترجمته المختزلة في كراس موقف الامام البغدادي حول قضية تحرير فلسطين.
وتجدر الإشارة إلى أن السيد البغدادي عاش أيام حكومة احمد حسن البكر ثلاث سنوات وخمسة اشهر وبضعة ايام وكان مريضاً ومسجى مدة سنتين، ومنع من قبل نظام البعث من السفر إلى لندن للمعالجة مع العلم أن السيد الحكيم والسيد الخوئي سُمِحَ لهما بالسفر إلى لندن من اجل أجراء العلاج، وقبل أن يسافر السيد الخوئي إلى لندن، وكان راقداً في مستشفى مدينة الطب في بغداد، نصبت له خيمة امام المستشفى من قبل قيادة الحزب لاستقبال الوفود، وكان محافظ كربلاء شبيب المالكي يحث بعض رموز الحوزة على زيارة السيد الخوئي في مستشفى مدينة الطب.
صرح شقيقي الأكبر ـ دام ظله ـ حول سفر السيد البغدادي ـ قدس سرهـ إلى لندن للمعالجة فكتب يقول:
«في صيف 1970م أصابت السيد البغدادي وعكة صحية وعلى أثرها نقل إلى مستشفى اليرموك في بغداد.. وبقي فيه قرابة شهر ونيف في غيبوبة تارة ويقظة تاره أخرى، وبسبب هذا المرض العضال صممنا على نقله إلى مستشفيات لندن..
وعلى هذا الأساس قدمنا طلباً إلى الجهات المختصة للحصول على الرخصة بذلك وبعد انتهاء المعاملة الأصولية والحصول على (الفيزا) غادرنا في الوقت المقرر النجف الأشرف متجهين إلى المطار الدولي، وبعد أن استقَّر بنا المقام في صالة الاستراحة قبل اقلاع الطائرة بساعة ونصف صدرت الأوامر من ضابط امن المطار بـ(المنع) لأسباب لا يمكن فهمها في تلك اللحظة الحرجة!..
وعلى اثر ذلك بعثنا وفداً على الفور برئاسة السيد حسام الدين الهادي الحسني إلى شبيب المالكي محافظ كربلاء المقدسة يستفسر عن الأسباب الرئيسية لمسألة المنع من المغادرة، بيد أن المالكي استغرب لهذا النبأ المفاجئ الذي لم يكن في الحسبان وأعطى موعداً للاجتماع بـ«القيادة» ليستفسر عن ذلك.
ومهما يكن من أمر فقد فوجئنا في اليوم التالي بزيارة المحافظ، وبرفقته خير الله طلفاح وفريق من الأطباء الاختصاصين برئاسة الدكتور محسن العاني ـ الطبيب الخاص للرئيس العراقي احمد حسن البكرـ وبعد أجراء الفحوص الطبية الدقيقة عليه بادرنا قائلاً: اطمئنوا السيد لم يكن مصاباً بـ«مرض البروستات» وإنما هو بحاجة إلى إجراء عملية جراحية بسيطة في المجاري البولية، وبالفعل استجبنا لقوله وأدخلناه مستشفى مدينة الطب في بغداد، وأجريت له العملية على حسب ما يرام، وبعد سنة ونيف عاد المرض اليه ودخل عدة مرات إلى مستشفيات بغداد، ويئس الأطباء ذوو الاختصاصات العلمية المختلفة بسبب تكلسات المجاري البولية والمضاعفات الأخرى التي إصابته نتيجة هذا المرض المزمن.
فكرنا مرة أخرى في أخذ الرخصة من الجهات المختصة لمغادرة القطر، واجتمع السيد حسام الدين الهادي بالسيد عبد الرزاق الحبوبي محافظ كربلاء، واقترح عليه فكرة التداوي في مشتشفيات أوربا، فرحَّبَ بفكرة المغادرة أحسن ترحيب، ووعده بإنجاز المهمة بعد التشاور مع (القيادة) وبالفعل زارنا وقدم لنا الكتاب الرسمي بالمغادرة خارج القطر.
وفي صباح الخامس من تشرين الأول 1972 ذهبنا إلى المطار الدولي ففوجئنا مرة ثانية بـ(المنع من السفر) فكانت هذه المفاجئة في الحقيقة صدمة في حياتنا ورحت أنا شخصياً أتحدث في سري: عجيب ألم يغادر قبله السيد محسن الحكيم (ت 1970)، وكانت بينه وبين حزب السلطة مقاطعة بسبب اتهام ولده بالتجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية؟؟!!..»(2)
وجاء في الرد أيضاً:
والسبب الأساس لحقد قيادة النظام البعثي على السيد البغدادي هو أن السيد البغدادي كان المبادر الأول لمساندة الشعائر الحسينية، راجع كتاب «جهاد السيد البغدادي» ص65، والنظام البعثي يعتبرون الشعائر الحسينية من أهم الوسائل للقضاء على أفكارهم (العلمانية)، وأني أتذكر جيداً عندما أصدر النظام البعثي بياناً لمنع ممارسة طقوس الشعائر الحسينية لا سيما (التطبير) في أيام حكومة البكر 1970م، بسبب وقوع تصادم بين أهالي النجف وأجهزة الدولة ليلاً حتى أن بعض رموز الحزب شهر مسدسه أمام الصحن الحيدري الشريف وأطلق الرصاص، وفي هذه الواقعة أرسل السيد البغدادي على رموز النظام، وكان السيد عبد الرزاق الحبوبي والمرحوم السيد حسين الكليدار من جملة الوافدين، فنصحهم وحذرهم من منعهم طقوس الشعائر الحسينية وأمرهم بارجاعها فوراً.
فاتصل السيد شبيب المالكي محافظ كربلاء بنائب مجلس قيادة (الثورة) في هذا الشأن فامتثلوا أوامر السيد البغدادي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن مواقف أحفاد السيد البغدادي المعادية للنظام البعثي معروفة لدى جميع النجفيين وغيرهم، لذا اعتقل أخي السيد حيدر أيام الحرب العراقية الإيرانية لاتهامه بحزب الدعوة الاسلامية كذباً، واعتقل أخي الشهيد المهندس السيد فيصل في نفس ذلك الوقت واتهم بنفس الاتهام ثم أشترك في الانتفاضه الشعبانية عام 1991م، ثم قبض عليه واعدم، وكان أخي السيد حسين من رموز هذه الانتفاضة، وكان بيده المذياع ويخطب ضد النظام البعثي في الصحن الحيدري الشريف، ثم غادر مع المجاهدين بعد سقوط النجف إلى إيران، واعتقلت أنا أيضاً في أيام الحرب العراقية الإيرانية، وإما مواقف شقيقي الأكبر السيد احمد الحسني البغدادي (حفظه الله ورعاه) ضد النظام فمشهورة لا تحتاج إلى بيان، وإما موقفي تجاه النظام فراجع «اسألوا أهل الذكر» الحلقة الثانية، كما اعتقل عمي السيد تقي ونجلاه السيد عبد الكريم والسيد حسن بسبب هروبهما من الخدمة العسكرية، يضاف إلى ذلك كله أن الجهاز الإداري للسيد الخوئي لم يدرجوا أحفاد السيد البغدادي في قائمة الإعفاء من العسكرية في أيام الحرب العراقية الإيرانية حتى أني وجهت عتاباً للشيخ شريف كاشف الغطاء على هذه الأعمال الشنيعة فقال لي أن السيد محمد تقي الخوئي يقول في شأنكم إن مدير الأمن هو الذي امرني أن لا أدرج أسماء بيت السيد البغدادي في قائمة الإعفاء وهذه المقولات مع العلم أنهم ادرجوا في تلك القائمة جميع ابناء حواشي السيد الخوئي من دون استثناء، بل كان بعضهم ليسوا من طلاب الحوزة!!.. كل ذلك بسبب أنَّ أحفاد السيد البغدادي من المساندين الأشداء للسيد الخميني حتى أن اغلبهم يرجعون إليه في التقليد.
13) ص348 دافع عن مراجع الدين الإيرانيين في النجف عند زيارة الوفود الرسمية الايرانية في أيام شاه إيران إليهم، واعتبر هذه الزيارة أمراً طبيعياً لا تدل على كونهم من المؤيدين للنظام البهلوي، لكنه ص400 يعتبر تردد كبار مسؤولي نظام البعث على السيد البغدادي في منزله دليلاً على أنَّ السيد البغدادي مؤيداً للنظام..! فلماذا هذه التفرقة بين المراجع الإيرانيين والمراجع العرب؟!.. وتجدر الإشارة إلى أن كبار مسؤولي النظام بقيادة خير الله طلفاح خال صدام حسين زاروا مراجع الدين في النجف وهم السيد الحكيم والسيد البغدادي والسيد الخوئي وعند زيارة الوفد الرسمي السيدَ البغدادي جرى الحديث بين السيد البغدادي وخير الله طلفاح وحصلت منازعة بينهما حول تفسير قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس فنهره السيد البغدادي ببعض الكلمات وأصبحت ضجة بين الأوساط الاجتماعية المختلفة في هذه القضية حتى أن الخطيب السيد جابر أغائي نقل هذه الحادثة في محافظة العمارة (ميسان) على المنبر مما أدى إلى إجراء التحقيق معه في مديرية الأمن عامة في بغداد، ولكن هذه الحادثة وان اشتهرت إلا أني لم اسمع هذه الحادثة من احد من أسرتي، وفي الواقع أن هذه التهم المفتعلة التي صدرت من أولئك المشبوهين في شان الإمام المجاهد السيد البغدادي ليست أمراً جديداً بل قذفت بها جميع مراجع العرب المجاهدين أمثال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد حسين الحمامي والشيخ عبد الكريم الجزائري والشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني، ولا غرابة في ذلك فإن العصبية العمياء الممقوتة غالباً، تطغى على الحجة والدليل.
ولا ادري متى وكيف ينتهي هذا التعصب المخزي الذي فرق، الكلم ومزق الشمل، وشتت وحدة الأمة، من هو الرابح في المعركة؟ أليس الرابح هو الاستعمار والصهاينة؟ ولكن: «الحق جدير وإن طالت به الأيام والباطل مخذول وإن نصره أقوام» كما قال أمير المؤمنين (ع).
14) قوله ص400:«وبغض النظر عن حقيقة موقف أية الله البغدادي من الإمام الخميني فهو معروف ومعلن ويتصف بالسلبية الكاملة وهو يشمل الإمام الخميني وغيره من مراجع النجف الأشرف وينطلق من اعتقاد راسخ لدى السيد البغدادي وأهل بيته بان كل من يتصدى للمرجعية من المجتهدين وخاصة من يعتبر مرجعاً أعلى للطائفة إنما يغتصب حقاً لهم لا نزاع فيه»
ولكن يرد عليه:
إِنَّ إدعاءَهُ أنَّ السيد البغدادي من خصوم السيد الخميني من أعظم الدعاوي الباطلة حيث أن الإمام المجاهد السيد البغدادي انفرد في جهاده المتواصل ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي ومناصرته للسيد الخميني(قده) أمر مشهود لا يختلف فيه اثنان في الوقت الذي أصبح فيه زعيم المعارضة في النجف الأشرف لمقاومة الحكم البهلوي العميل، وله في ذلك فتاوى وتصريحات موثقة، وبسبب تلك المواقف الجهادية الجريئة حورب السيد البغدادي محاربة لا هوادة فيها من قبل عملاء الشاه المتقمصين بلباس الدين، وأفضل من كتب في جهاد السيد البغدادي ضد النظام البهلوي هو الدكتور الشيخ محمد هادي الاميني نجل صاحب كتاب الغدير إذ يقول: «أجل أعود إلى وراء بعض السنين الغابرة فأتذكر جيداً أن الفقيه الامام المجاهد السيد محمد الحسني البغدادي(قده) المتوفى 1392هـ كان من بين الفقهاء والمجتهدين الذين تجندوا ضد الحكم الملكي الفاسد في إيران وكنت على اتصال دائم معه من أحفاد أمير الحجاز الشريف قتاده بن إدريس، وكنت على اتصال دائم به، فحدّثته ذات يوم عن الظروف والحوادث الايرانية والتيار الصهيوني المقيت وإذنابه من القرود والأوغاد التي ما برحت تنهش بأنيابها الدامية عروق الإسلام وتفكك عرى القوة العربية والإخوة الإسلامية، وقد بلغ السيل الزبى فكان لا بد للسيد أن يثور بالفعل فقد استجاب لصيحة القرآن... واندفع على صداها يذود عن شرف الإسلام وحرماته ليضع حداً فاصلاً لمهاترات شرذمة استحوذ عليهم الشيطان الصهيوني فأنساهم ذكر الله.
فوقف في مجلسه الغاص بالجموع الثائرة الغاضبة على الحكم الملكي الفاسد ورتل الخطبة العربية المأثورة ـ يا معشر المسلمين... هالك معذور خير من ناج فرور... إن الجزع لا يرد القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر... المنية ولا الدنية، واستقبال الموت خير من استدباره... فالجد الجد فما من الموت بد...
وعلى اثر النكبات وفي وسط إلاهوال والتنكيل بالشعب الإيراني بعث السيد... استنكاره واحتجاجه الشديد في برقية قارصة قرأنا في سطورها آيات المجد والبطولة... وسور الخير والمحبة والدعوة إلى الله وجمع الشمل ونصها:
للحديث بقية في الحلقة الثانية..