الحوار الثاني والاربعون مع صحيفة «اشراقات الصدر» العراقية بتاريخ 14 تشرين الثاني 2006م
الحوار الثاني والاربعون
مع صحيفة «اشراقات الصدر» العراقية بتاريخ 14 تشرين الثاني 2006م
مقابلة اجراها الصحافي الاستاذ فتاح الشيخ رئيس مجلس الادارة، ورئيس تحرير صحيفة «اشراقات الصدر» مع سماحة اية الله العظمى السيد المجاهد احمد الحسني البغدادي دام ظله:
فقهاء الدين ورجال الفكر هم اوتاد الله في الارض، وميزان عدالته وحكمته، فعندما تدلهمُّ الخطوب والمصائب، ويعجز ساسة البلاد عن ادارة دفة الحكم نحوشاطيء الامان بسبب أُفقهم الضيق، وتغليب المصلحة الشخصية والطائفية والإثنية على المصلحة العامة، فإن الامل يبقى معقوداً بنجوم الله تعالى في الارض، من فقهاء ومراجع زهدوا في الحياة ومغرياتها.. يقولون قولهم، ويفعلون فعلهم، لا تأخذهم في الله لومة لائم، لا ينظرون الى من زعل، أو الى من رضي من الفرقاء، رأيهم يأتي في مصلحة الأُمة والبلاد دون النظر الى فئة، أو طائفة، لا يريدون لأَنفسهم جاهاً، او منصبا, بل كلمتهم هي القول الفصل، تصب في توثيق عرى الوحدة الوطنية والاسلامية، والحيلولة دون الوطن وابنائه والإنزلاق إلى اتون مستنقع الحرب الاهلية، والمهاترات الطائفية.
ان وضعنا العراقي شائك ومُعقد بكل ارهاصاته وتداعياته، وما يحاك ضد هذا الشعب من مؤامرات داخلية وخارجية.. بعد ان خيِّبَ تجار السياسة ومقامروها آمال شعبنا في العراق (الديمقراطي) الموحد يتآخى فيه العربي والكردي، ويضع السني يده في يد اخيه الشيعي.. حيث اغتيلت فرحة الشعب بتخلصه من النظام الاستبدادي، ليدخلوا عنوة في عهد الخوف والترقب.. عهد الديمقراطية المزيفة، والانفلات والفوضى.. عهد يذبح الانسان فيه أخاه الانسان على ارصفة الشوارع، كما تجزر الاغنام.. عهد اختلطت فيه المقاييس، وغُيِّبَتْ فيه المباديء والقيم الكبرى.. عهد بات فيه الولاء الاول والاخير للعرق، أو الطائفة، أو العشيرة، والديرة، أما الوطن فليذهبْ الى الجحيم..
هكذا اصبح وطننا... ترك لمراهقي السياسة, سفينةً تصارع امواجاً متلاطمة، أما هم فقد غرقوا في اقتسام الغنائم والمكاسب ناسين أَنَّ السفينة اذا غرقت فإِنَّ الجميع يغرقون.
شعبنا المفجوع بساسته يرنو بنظره اليوم الى حكمة فقهائه الأَعلام، فهي سفينة نجاة لانتشاله من بحر الظلمات الذي يوشك أَنْ يبتلع سفينة الوطن بركابها.. من هذا المنطلق كان لـ«إشراقات الصدر» شرف السبق لتحل في ضيافة سماحة الفقيه المجاهد اية الله العظمى السيد احمد الحسني البغدادي دام ظله, طارحةً أَمام سماحته هموم المشهد السياسي العراقي وتداعياته.
* اشراقات الصدر: هناك حديث متداولٌ بين المواطنين العراقيين، يقول إنَّ الفلتان الامني أوجده المحتل الاميركي في سبيل إِفشال حكومة الائتلاف الشيعية الموحدة حتى يرجع العلمانيون مرة ثانية لاستلام دفة الحكم.. في رأيكم...هل هذا طرح مقبول؟..
** السيد البغدادي: بسمه تعالى... هذا الرأي المطروح في الساحة العراقية ليس صحيحاً.. بدليل أَنَّ هناك مؤامرة مدروسة ضمن خطة اسرائيلية ــ امريكية محكمة تستهدف القضاء التام على قوى الشعب العاملة عن طريق فتح أبواب الهجرة الى دول الجوار، والخليج، والدول الاوروبية امام الكفاءآت الوطنية، يضاف الى ذلك الاغتيالات الكيفية الغامضة التي تستهدف كُلَّ العلماء العراقيين.. كل ذلك في سبيل تهيئة الأجواء سريعاً للكفائات والخبرات الاجنبية التى لا يمكن مجيئها الى العراق، الا بعد انهاء الفلتان الامني والمؤسساتي تحت شماعة مكافحة الارهاب الدولي، ومتى يتم هذا التآمر الاميركي المصهين في تفريغ بلاد الرافدين من الخبرات والعقول العلمية العراقية، والطاقات البشرية، والموارد الانتاجية في كلا القطاعين الصناعي والزراعي، وعلى المستويين الخاص والعام، فانا سنرى بسرعة مذهلة استتاب الامن المفقود في الساحة العراقية، وعندها يصبح العراق دولة مستهلكة يعتمد اقتصاده وتنميته وسياسته على الخبراء الاجانب وبهذا كله تتجذر ذيلية العراقيين وتبعيتهم لقوانين الاحتلال الاميركي لصالح الشركات المتعددة الجنسيات، بل وتماشياً مع مصالح الدول والقوى السياسية المرتبطة بتلك الشركات, فيصير الاقتصاد العراقي استهلاكاً للبضائع والسلع الاجنبية المستوردة، تتحكم في عصب الحياة الاقتصادية فيه الطبقة السياسية الفاسدة من سُرَّاق المال العام تحت مظلة اقتصاد السوق الحر، وبهذا الوضع يغدو كل من يعارض الخطط التي تَعُّدها المؤسسات الدولية حجرَ عثرة ضد التنمية الاقتصادية، ويتهم بأنَّه يساند الأُطروحة الاشتراكية، ويعارض اطروحة الاقتصاد الراسمالي الحر... في ظل هذا الوضع الاقتصادي المتردي المزري لايمكن بحال بناء تنمية اقتصادية وطنية، ولا يمكن المشاركة في وضع الخطط والاستثمارات العامة, بل يتم تكريس الاحتلال، وهجرة العلماء تارة, وتصفيتهم جسديا تارة اخرى.
وخلاصة القول: ومهما تكن توجهات الحكومة المركزية في بغداد، بغض النظر عمن يسيِّرها.. سواء كانت بيد الاسلاميين، ام العلمانيين، أو القوميين.. وسواء كانت بيد الراسماليين، ام الاشتراكيين، أو الماركسيين تصبح معتمدة في حياتها اللوجستية والادارية والاقتصادية على الولايات المتحدة الامريكية، والدول الرأسمالية الكبرى..
* اشراقات الصدر: لماذا أَصدرت فتوى بحرمة تفعيل الفيدرالية في العراق, ووصفتها بمفاسد سياسية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي تخدم المشروع الصهيوني الاميركي, في الوقت الذي نجد الفيدرالية فيه ناجحة في الدول المتقدمة مثل: الولايات الامريكية المتحدة وغيرها؟..
** السيد البغدادي: في عقيدتي ان نظام الفيدرالية المقرر في الدستور الدائم العراقي لا يمت الى مفهوم الفيدرالية بصلة, بل هو اشبه ما يكون بنظام كونفيدرالي يستهدف تفتيت الوطن الاعز الى دويلات متناحرة متنافسة، بل متقاتلة فيما بينها حول الموارد الطبيعية من البترول، والغاز، والرانيوم، والزئبق، وعلى الموارد المالية، وعلى الحقائب الوزارية السيادية، وعلى الحدود الادارية من اجل مصلحة أي مذهب أو عرق على حساب الوطن الواحد والشعب الواحد.
إذن.. الهدف من مبدا الفيدرالية في الدستور العراقي الدائم ليس وحدة العراقيين وَلَمِّ شملهم في بلد موحد، ومدينة متزاوجة، وامة متراصة، بل الهدف هو تمزيق الشعب العراقي، ليشتدَّ فيه الصراع، ويكثر فيه الاقتتال بين كل مكوناته، وبين كل اطيافه، وبين كل اعراقه في سبيل ان تبقى الثكنة الاسرائيلية هي الأقوى في المنطقة، وهذا ما يسعى اليه الكونغرس الامريكي من تقسيم العراق وتفتيته الى ثلاث كونتونات في الوقت الذي هو أقليم واحد، لا عدة أقاليم منقسمة متفرقة ومختلفة على طول التاريخ، وهذا ما يصبوا اليه الاحتلال الاجنبي ليتصارع الجميع فيما بينهم، والكل يفكر على حساب الاخرين، ولا لمصلحة المواطنة العراقية، والوطن (الام)، ويبقى هوليحقق مصالحه الستراتيجية في بلاد الرافدين،مع ان الاطروحة الاسلامية تحدد لنا ــ الخطوط العريضة الرئيسية العامة لمفهوم طبيعة العلاقة الجدلية بين الجماعات البشرية المختلفة التي يجب أَنْ تقوم على أَساس التعارف والتعاون عبر مشتركات وقواسم دون فقدان الهوية الاسلامية، ودون اهمال التطور العالمي، الإنساني المشترك..
صحيح أَنَّ الفيدرالية اللامركزية نظام لتوزيع المهام الاساسية في الشؤون الادارية والثقافية والمالية، تقوم بتقديم الخدمات للمواطنين, لأنَّ الحكومة الاقليمية المحلية تظل على تواصل غير منقطع مع اكثرية المواطنين بوصفها اعرف بمتطلبات ورغبات المواطنين في الوحدات الادارية, في نظام تربطه جاذبية الحكومة المركزية والدولة بصورة عامة، وليست نظاما لاعطاء الحرية السياسية لاجزاء الوطن بالانفصال والتجزئة عن السلطة المركزية على شاكلة حكومة أَكراد العراق بوصفها تتبنى نظاماً كونفيدرالياً لاتعطى فيه صلاحيات واسعة للسلطة المركزية، فأَصبح شمال العراق ببركات النظام الديمقراطي الاتحادي.. الفيدرالية في طريق الانفصال الحتمي عن الوطن الام.
وصحيح أَنَّ نظام الفيدرالية في الدول المتقدمة، كما في تجربة الولايات المتحدة الامريكية دخلت في حروب دموية مرعبة في سبيل الحفاظ على وحدة الأقاليم المختلفة، وبناء الدولة الأتحادية العملاقة، لان صيانة الوحدة من الدمار والبوار والدماء والبكاء والاحزان من أَهم الأُسس التي ينهض عليها النظام الفيدرالي من خلال نشوء الاحزاب الوطنية التي لاتفكر في مصلحة ذلك الاقليم وحسب، او تلك الولاية, ولا بهذه القومية، او ذلك الانتماء من مهاجري معظم دول العالم.
اذن.. وجدت الفيدرالية في سبيل تحقيق الوحدة بين اقاليم منقسمة متفرقة ومختلفة من خلال آليات النظام السياسي لتلك القوميات، او الطوائف الاثنية، او المذهبية، ولكي لايشعر المواطنون بانتمائهم الى اقاليمهم اكثر بكثير مما يشعرون بانتمائهم الى وطنهم الكبير، ولذلك نلاحظ أن بعض الفيدراليات فشلت وانهارت بشكل فظيع، كما حدث في الاتحاد السوفيتي.
* اشراقات الصدر: لماذا فشل المحافظون الجدد في برنامج بناء دولة العراق(الجديد) بشكل فظيع بعد زعمهم تحقيق الاصلاح والديمقراطية في هذا البلد الذي عاش في كنف الدكتاتورية، والحروب، والحصار؟..
** ** السيد البغدادي: في تصوري.. السبب الرئيسي في فشل برنامج استئناف إِعمار العراق، وبناء الدولة العراقية أنه تم من خلال وزارة الدفاع الامريكية, في حين أنه يجب أَنْ يتم عن طريق المنظمات الدولية المساعدة في بناء الدولة العراقية، وتأهيل النظام السياسي فيها، ومساعدة الشعب العراقي في بناء مؤسساته الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. كل هذه المهام من اختصاصات المنظمات الدولية الفاعلة في حقول بناء الدولة، ولم تكن في يوم من الايام من اختصاصات جيوش الاحتلال، ولهذا نرى أَنَّ المحافظين الجدد، وقعوا في خطأ جسيم حينما تبنت وزارة الدفاع الامركية برنامج بناء الدولة العراقية، وليس لها الطاقات الهائلة لمثل هذه المشاريع الكبرى، وليس لها المعرفة الكاملة بطبيعة النظام، والمجتمع العراقي، والامور المالية.
ومن هنا.. اضحى العراق اعظم بلد في اصقاع العالم في الفساد الاداري، ونهب الاموال العامة بفضل الإِصلاح والديمقراطية اللذين اقام صرحهما المحافظون الجدد عن طريق الغزو والاحتلال، ولهذا لا يرى الانسان العراقي أي وجود ملموس لمشاريع الاعمار التي وعدت بها قوات الاحتلال خلال ثلاث السنوات والنصف الماضية.
اذن.. فكان الهدف منذ البداية هو نسف البنى التحتية، وتمزيق مؤسسات الدولة العراقية.. بدلا من حمايتها،فهي الجهاز الاداري ذو الخبرة العلمية الذي يساهم مساهمة فاعلة في تقديم الخدمات الحيوية لكل العراقيين اكثر بكثير من قواتهم المسلحة في هذة المهمات الصعبة، مضافا الى ذلك ضرورة استتاب الوضع الامني المتردي تماما حالياً في العراق، الذي لم تستطع تلك القوات العسكرية توفيره بشكل منضبط, لنقص في امكانياتها التسليحية واللوجستية والتجنيدية.
* اشراقات الصدر: سماحة الفقية المرجع... من الملاحظ أَنَّ الامريكان يحاولون ان يستثنوا قوة سياسية ميدانية واحدة في كل فترة زمنية لينعتوها بــ«الارهاب» حتى تسنح لهم الفرصة لتصفيتها، وبالتالي يسهل القضاء التام على كل القوى السياسية الميدانية الواحدة تلو الاخرى.. وهنا نسال: في رأيكم لماذا لا تحارب قوات الاحتلال الاميركي العسكرية كلَّ قوى المقاومة السياسية والعملياتية في آن واحد؟..
** السيد البغدادي: هذا سؤال مهم جدا... اذا اعترف العدو الاميركي المجرم بوجود العديد من المقاومين الميدانيين من اليمين واليسار والوسط، فهذا يعطي انطباعا للراي العام العالمي، وخصوصا للشعب الامريكي, أَنَّ هناك مقاومة شعبية عريضة تريد انهاء الاحتلال, هذا من جهة.
ومن جهة ثانية, وهي بيت القصيد, يُنْعَتُ جيش الامام المهدي (ع) بأَنة مليشيا من المفروض القضاء عليه وتصفيته بالكامل, لا بوصفه جيشاً عقائدياً، يملك عدةً وعدداً، لكنَّهُ ــ على ما ارى ــ خارج عن دائرة معادلة العنف السياسي، وحينما كانت قاعدة الجهاد والتوحيد في بلاد الرافدين بزعامة ابي مصعب الزرقاوي هي اصل العنف والارهاب في العراق غدت المليشيات التي تعمل ضمن نطاق لعبة العملية السياسية هي السبب الرئسي لتفعيل الامن المفقود اكثر بكثير من الزرقاويين والتكفيريين.
ومن جهة ثالثة: القوى والمظاهر المسلحة من قبيل: البيشمركة، ومنظمة بدر (وكثير غيرها) العاملة في الساحة السياسية، هذه لا يجب القضاء عليها، لأَنها ضمن دائرة العملية السياسية، ومن المعروف عند العقلاء بما هم عقلاء أَنَّ القوى غير الخاضعة لنظام الدولة هي التي تعد مليشيات مسلحة غير مرغوب فيها بوصفها دولة داخل دولة ــ كما يقال في العرف السياسي الدولي ــ, لكننا لانرى من الإِعلاميين أو السياسيين من يتطرق الى واحدة من تلك المليشيات، فكل الاستهداف في هذه الفترة يجري على جيش الامام المهدي (ع)، مع العلم أَنَّ هذا الجيش العقائدي لم يدخل في حرب اهلية، ولم يشارك في معارك جانبية مسلحة بين القوى والواجهات السياسية الاخرى، بل تبنى هذا الجيش العقائدي معارك عملياتية ميدانية مناهضة لقوات الاحتلال بغية طرده عن دار الاسلام تنفيذاً لأوامر النصوص التشريعية القرانية منها والحديثية الصحيحة، بل وحتى النواميس الاخلاقية، والفطرة الانسانية التي تقر ذلك كحق مشروع لكل الشعوب المستضعفة، وبكل الطرق والاساليب المتاحة، ومع هذا كله لا نجد أي انسان اشترك في لعبة العملية السياسية، كما لا نجد من معظم الإِعلاميين العراقيين وغير العراقيين ان لم نقل كلهم , من تحدَّث عن ذلك، او حتى تطرَّقه إلى بقية المليشيات المسلحة، وكأنها غير موجودة اطلاقا في الساحة السياسية العراقية، مع انها تسيطر سيطرة كاملة على بعض احياء المدن العراقية، وخاصة في كل مدن شمال العراق، في حين ليس هناك قوات نظامية كردية لكل مدن شمال العراق، وهذه المليشيات المسلحة تخضع في كل فعالياتها العسكرية للقيادة السياسية في الحزبين الكرديين، وهي خارجة عن إِطاعة أوامر الحكومة المركزية في بغداد العاصمة.
* اشراقات الصدر: في رأيكم.. من الذي يدعم المقاومة العراقية بالمال والجند والسلاح ؟..
** السيد البغدادي: في تصوري المقاومة الوطنية والاسلامية العملياتية منها والسياسية لا تتلقى دعما ماديا من النظام العربي الرسمي، ولا يمدها هذا النظام العربي الرسمي بسلاح متوسط أو ثقيل كما هو الحال مع غيرها, مع هذا كله صمدت المقاومة ببسالة لا نظير لها في عالم الوجود ما ظلَّتْ ثلاث سنوات ونصفاً تتصدى للإستعمار الأمريكي بأجساد عارية، وبنادق روسية قديمة، وعبوات ناسفة ابتكرها مجاهدوها، وهم يناضلون في أَرض غربة تعشعش فيها افاعي الطابورالخامس من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وشيوخ العشائر، ووعاظ السلاطين من المؤسسة (الدينية), والمخبرين العاملين في جهاز المخابرات العراقية والامريكية وسط تآمر أَشباه السياسيين والدول.
ولكن المقاومة الوطنية والاسلامية العراقية لا تقبل أَبداً أَنْ يملي عليها المحافظون الجدد واتباعهم مصير الوطن الأَعز في ظلِّ الهيمنة العولمية الرأسمالية الربوية المتوحشة.
وقد منح الشعب العراقي المقاومة كامل الثقة، وراهن على خيارها، ووضع نفسه تحت قيادتها لاستكمال المسيرة لإِنهاء الاحتلال الامريكي، وتحقيق السيادة الوطنية المستقلة على ارض العراق, ولهذا, وبسبب من إرادة المقاتلين وصمودهم سوف تنتصر المقاومة, فيتحرر العراق من الأميركان وأتباعهم.
هذة الحالة اشبه ماتكون بحالة المد والجزر، فالمسلمون الرسالييون المجاهدون طردوا الانجليز من العراق، وعدن،والفرنسيين من الجزائر، والروس من افغانستان، والايطاليين من ليبيا، والامريكان من الصومال وبيروت، والاسرائليين من جنوب لبنان وغزة.
* اشراقات الصدر: في كل يوم يعثر المعنيون على جثث مقطوعة الرؤوس، أوجثث محروقة، أومكسَّرة العظام، أو قتلى بالرصاص الحي في عموم العراق، الأمر الذي يدفع المهتم بالشأن العراقي الى التساؤل عما اذا كان العالم المستضعف بالامس وجد في مثل هذه الاعمال الاجرامية الارهابية المنافية لكل المقاسات غير الانسانية.. فهل أُعيدَتْ صياغة هذه الاعمال الشائنة في سبيل قهر البلاد والعباد في العراق؟..
** السيد البغدادي: هذه الجرائم اللاأخلاقية أصولها اميركية، نفذ الجيش الاميركي النسخة الاولى منها أيام غزوه فيتنام واحتلالها بعد إجراء الانتخابات الصورية، وكانت نتائجها مثل الانتخابات التي جرت في العراق وأُشعِلَ فتيل الحرب بين الجنوب والشمال، وقصفتْ المدن، وسُجِنَ الثوار في أقفاص خاصة، وجرى الحرق بقنابل النابالم, ورش المدن والمزارع بالمواد الكيماوية السامة، فضلا عن التعذيب السادي.. الى تقطيع الاوصال، الى النحر.. وتقطيع الرؤوس، والاذان.. وسلخ الجلود... الى حرق الأَطفال والنساء والشيوخ وهم احياء.. وكانت كل هذه الافعال الاجرامية تجري في اجواء احتفالية ابتهاجية من قبل الجيش الأميركي التقليدي، هذا اولا..
وثانيا:هذه الجرائم البشعة التي ارتكبت في العراق بطلها السفير الاميركي في العراق ــ حينذاك ــ جون نيغروبونتي, وهو احد رواد اطروحة تشكيل فرق الموت بقوات محلية في اميركا الجنوبية، وهذا الامر لم يكن عبثا، اوشيئا طارئاً، فعلى يديه الملوثة بدماء المستضعفين تم تنفيذ تقطيع الرؤوس، والقاء اللوم على المقاومة، وتشويه سمعتها بين المواطنين العراقيين،وهي فكرة ولدت ونمت ونفذت في فيتنام لمقاتلة المقاومة الوطنية من قبل الجندي الاميركي الذي يتم تدريبه على مهمة واحدة, وهي ان يكون قادرا ومتحمسا لتنفيذ شعار وحدة النمر السيئة الصيت: «النمور عطشى دائما للدماء الطازجة».
هذا, وعلى الرغم من وجود وحدات اخرى ذات طبيعة مشابهة في القوات الأميركية, إِلاَّ ان وحدة النمر تميزت عن الوحدات الأخرى بقلة افرادها من النخبة المدربة على ارتكاب الجرائم البشعة.
ومهما يكن من هذا الطرح كله.. ولننظر ببصيرة تاريخية ثاقبة كنموذج مماثل للجرائم المنافية لكل القيم والمثل الكبرى، التي ترتكب (حاليا) في بلاد الرافدين الى نوعية الجرائم البشعة التي ارتكبتها: «وحدة النمر الخاصة» في فيتنام، التي أسسها: «ميجور ديفيد هاكورث» عام 1965م لأَنه لم يعد مقتنعا بأُسلوب القوات الاميركية التقليدية في حربها الضروس ضد الشعب الفيتنامي، وتنفذها ما يسمى الآن بــ«الفرقة القذرة» في العراق.
* اشراقات الصدر: كلمة اخيرة نرجو من سماحتكم ان تقولها صراحة للعراقيين خاصة، وللعرب والمسلمين عامة حول ما يحاك ضدهم -سرا وعلانية- من مؤامرات صليبية صهيونية؟..
** السيد البغدادي: يا لها من مؤامرة شريرة في جمبع خططها واهدافها مع انها ليست ذكية، وليست خفية، بل مسالة معقدة لايمكن حلها.
يالها من مؤامرة مارك سايكس، وجورج بيكوقديمة ــــ جديدة دولية عاشتها الامة بالامس، وتعيشها الأُمة الان دون توبة، أو استغفار.
يا لها من مؤامرة مهينة مذلة ان تتوزع، المناصب ويتم تبادلها.. مناصب الطغاة الأَبالسة، أَنْ يضرب بعضكم بعضا، ويقتل بعضك بعضاً، ويذل بعضكم بعضاً, ويستعبد بعضكم بعضاً لكي تمكنوا الكافر المستكبر المحارب المتعولم المتصهين، هذه مؤامرة مهينة مذلة ينفذها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الامريكية.
وأَي عار؟.. واي خزي؟.. كيف يقبل ابناء العراق ان ينقسموا الى قتلى، والى سجانين ومسجونين، والى مهاجرين ومهجرين، والى سارقين ومسروقين، والى خاطفين ومخطوفين.. ينتصر عليهم الاستدمار الاميركي، ويذلهم بلا رحمة، وبلا شفقة آدمية.
سبحان الله!! بأسم الاصلاح والحرية والديمقراطية.. احد المسميات والشعارات الجديدة.
إحدى الاليات السياسية التي تم من خلالها تجذير المحاصصات العرقية والمذهبية.. وكأن ليس هناك من اهل السنة والجماعة مَنْ يريد الخير والسعادة الابدية للشيعة الامامية، وليس هناك من عربي اصيل ينظر بعين الله تعالى لمصلحة الاكراد ومظلوميتهم على طول التاريخ، كما وصفهم النص القراني القائل: «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».
يا لها من مؤامرة خطيرة مرعبة... أَنْ تضع انساناً في السجن، أو في المعتقل أو تزني في عرضه، أو تنتزع كرامته وحريته، أوتحرق مزرعته، اوتهدم منزله لمصلحة العولمة والحداثة، ولمصلحة الحرية والاصلاح... أو تحت عناوين اخرى مزعومة لا يمكن لطيف من الامة ان يتجاوز الخطوط الحمر: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».