تقييم الكاتب السيد عادل الياسري صاحب كتاب “جهاد السيد نور الياسري” لسماحة الفقيه المرجع السيد احمد الحسني البغدادي بيان ثبوت هلال شهر شوال الأغر في الثقافة الدينية.. إضاءات وتأملات تفسيرية جديدة بيان حول حلول شهر رمضان المبارك بيان حول حلول شهر رمضان المبارك كلمة مودة فقيه ناقد لن يهدأ رسالة تقييم حول الاصدار الجديد في الثقافة الدينية زيارة الدكتور امير العطية والوفد المرافق له لسماحة الفقيه المرجع القائد دام ظله في الثقافة الدينية

الحوار السابع والعشرون مع الكاتب التقدمي الاميركي «مالكولم لاغوش» بتاريخ 9 تشرين الاول 2005م.

الحوار السابع والعشرون مع الكاتب التقدمي الاميركي «مالكولم لاغوش» بتاريخ 9 تشرين الاول 2005م.

الحوار السابع والعشرون

مع الكاتب التقدمي الاميركي «مالكولم لاغوش» بتاريخ 9 تشرين الاول 2005م.


سماحة الفقيه المرجع احمد الحسني البغدادي يتكلم عن:

(حالة العملية السياسية.. وصياغة الدستور الدائم.. والفيدرالية الاتحادية.. والاتهامات السورية)

مقابلة اجراها الكاتب التقدمي الاميركي «مالكولم لاغوش» عن طريق الاتصال الهاتفي مع سماحة آية الله العظمى السيد المجاهد احمد الحسني البغدادي مساء اليوم التاسع من شهر تشرين الاول (اكتوبر) عام 2005م.

أَعلن سماحته: إِنَّ هناك فرقاً بديهيا بين انسان لا يقدر على حمل سلاح المقاومة السياسية المساندة للمقاومة العملياتية الميدانية.. وبين المشاركة الفعلية في العملية السياسية التي خطط لها المحتل الاجنبي وراء الأَبواب المغلقة، وينفذها الطيف السياسي العراقي الذي جاء على ظهور الدبابات الاميركية .

وقال: انا لا اريد ان اناقش (في هذه المقابلة) المواد التي صدرت في مسودة الدستور الدائم، وهي اكثر من ثلاث عشرة مادة قانونية تخالف التوصيات والمفاهيم والمصلحة الإِسلامية العليا، فضلاً عن ديباجة الدستور التي خلت من أي نص صريح يرفض وجود أي قوة أجنبية على أيِّ شبر من ثرى بلاد الرافدين الاشم, وتحت أي ذريعة مهما تكن، وانما أريدُ أَنْ اختصر لك المسافة، واناقش (فقط) المادة (2) من الدستور، فقرة (ب).

واستطرد: إِنَّ هذه الدعوات التقسيمية عبر الفيدراليات، والمضي في تحقيقها تواجه إشكاليات أهمها: التنازع المحموم على الاستئثار بـ (الغنائم) بين الأَطياف التي تسعى الى هذا التقسيم المحرم.

وخلص إِلى القول: ليس هناك علاقة في الدور السوري في الشأن العراقي، بل المسألة أبعد من ذلك وهي محاولة ترتيب المسار السوري في المشروع الموضوع في منطقة الشرق الاوسط الكبير في ما يسمى «الحرب على الإِرهاب الدولي»، وفي تحقيق المصالح الاميركية في المنطقة، وفي الوطن العربي والعالم الإِسلامي.. كوسيلة من وسائل مساعدة كل الاطراف في «أمركة» المنطقة، بما يخدم أميركا، ويعزز دورها القيادي الكوني الأُحادي المنفرد في الساحة العالمية.

س: الوضع العراقي يمر في مرحلة خطيرة.. في رأيكم... هل من الممكن أن يتم إنهاء الإحتلال  من خلال العملية السياسية، بدلاً من العمليات العسكرية؟..

ج: بسم الله رب المستضعفين: في البدء داخلني أسفٌ أسيفٌ حين لمست بوضوح, من لقاءآتي وحواراتي مع أساتذة اكادميين متخصصين، ومثقفين محللين سياسيين.. وهم يطرحون عليَّ هذه الاشكالية.. لأن هذه إشكالية تَدلُّ  ــ على ما أتصور ــ على سوء فهم في تقرير سياسات حركات التحرر الاسلامية على طول التأريخ، وذلك بسبب عدم تفريقهم بين ما يسمى بـ «العملية السياسية» وبين المقاومة السياسية من جهة، وبين استجابة للواقعية السياسية والتوفيقية التي فرضها الاحتلال على بلاد وادي الرافدين الاشم من جهة وأخرى .

إِنَّ هنالك فرقاً بديهياً.. بين انسان لا يقدر على حمل سلاح المقاومة السياسية المساندة للمقاومة العملياتية الميدانية (وهو أمر عقلاني وشرعي, ما في ذلك ريب, في الفقه السياسي الاسلامي)، وبين المشاركة الفعلية في العملية السياسية التي خطط لها المحتل الاجنبي وراء الأَبواب المغلقة، وينفذها الطيف السياسي العراقي الذي جاء على ظهور الدبابات الاميركية.

ان هذه المقاومة السياسية هي نسف البنى التحتية للإحتلال من خلال التظاهرات، والاعتصامات، وكثير غيرها.. وهذا بخلاف المشاركة الفعلية في العملية السياسية التي ترفد الاحتلال بالقوة والمنعة, والحصانة والديمومة الرامية لتثبيت مرتكزاته، وتأييد بطشه، وإِنجاح مشروعه العولمي الربوي الرأسمالي الاستكباري في العراق، بل في المنطقة برمتها.

مقاطعاً: الإِستجابة والخضوع للواقعية السياسية والتوفيقية في العراق أصبحت ضرورة حتمية تأريخية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق!!...

ج: هذه الاستجابة في عقيدتي هي بدعة لا تغتفر من خلال إِطلاقات الأَدلة القرآنية منها والحديثية الصحيحة وعموماتها التي تؤكد على وجوب مقاتلة المشركين والكافرين، وطردهم من بلاد المسلمين.. هي بدعة وضلال كذلك، ابتكرها العملاء والجواسيس المحليين والعالميين من الاحزاب والواجهات السياسية العراقية، ومروجي المشروع الاستعماري الاستكباري في المنطقة، لأن كل ما قام به المحتل الاجنبي من تسيب وضياع، ومن دمار وبوار للبنى التحتية العراقية لا تحمل مقومات الثبات والبقاء في ذلك.. فهي مجرد عوارض آنية تنتهي بإنتهاء الاحتلال، علينا ان نقضي عليها، لا أن نثبت اركانها، وان نشجب قبولها، ونقف بحزم وثبات وإصرار ضدها، لا ان نجعلها اساساً مفصلياً للتعامل معها في حياتنا اليومية.

ومجمل القول: هناك فرق شاسع بين اطروحة هذه التصورات، مثلما ان هناك بوناً شاسعاً في طريقة التعاطي معها، لأن الانسان العراقي مهما تكن توجهاته وقدراته لا يجد سبيلاً الا مساراً واحداً، وهو إِصراره على الانتفاضة والمقاومة الوطنية، فإِنْ تمكن من حمل البندقية المقاتلة، فهي من اعظم الواجبات الشرعية الاسلامية، فان لم يقدر على ذلك، فعليه مساندة المقاومة العملياتية بالجند والسلاح والمال.. هذا هو الذي يمكن وضعه في خندق المقاومة السياسية.. لا في خندق العملية السياسية، فهي الخيانة العظمى، والطامة الكبرى بعينها، وهي لا تقل ضرراً فادحاً فيما ينهض به العملاء والجواسيس والمرتزقة من ادوار قذرة لخدمة المحتلين الغزاة الطامعين، وإنجاح مشروعهم ما يسمى بـ «مشروع الشرق الاوسط الكبير»، وتصدير نظرية التدمير الخلاق: لـ «مايكل ليدن»، وتحرير «العالم الاسلامي الكبير» كما صرَّح بذلك: «كولن باون»، وإِعادة صياغة المنطقة برمتها ، وفق نظرية: «كونداليزا رايس».

س: كثر الحديث بين العراقيين حول ما جاء في موارد مسودة الدستور الدائم من سلبيات وإيجابيات!!.. ما رأيكم في ذلك؟

ج: لا اريد أَنْ أُناقش في هذه المقابلة, المواد التي صدرت في مسودة الدستور الدائم المؤلفة من ثلاثَ عشرةَ مادة قانونية تخالف التوصيات والقرارات والمفاهيم والمصلحة الاسلامية العليا, فضلاً عن ديباجة الدستور التي خلت على أيِّ نص صريح يرفض وجود أي قوة اجنبية على أيِّ شبر من ثرى بلاد وادي الرافدين الاشم, تحت أي ذريعة مهما تكن، وإنما أُريد أَنْ اختصر لك المسافة، واناقش (فقط) المادة (2) من الدستور، فقرة (ب) التي تقولُ:

«لا يجوز سن قوانين تتعارض مع مباديء الديمقراطية»، وبهذا ازالوا مضمون الفقرة (أ) من محتواها التي تنص صراحة على عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت أَحكام الإِسلام، كما تنص المادة (5) على ان «الشعب مصدر السلطات وتشريعها», أي إِنَّ البشر هو المشرع للقوانين والقرارات والتوصيات، وليس الله وحده, الذي لا شريك له, بوصفه المطلق.

وهنا وقع تناقض آيديولوجي صارخ في المباديء والثوابت التي لا تتغير، ولا تتبدل.. حيث أَنَّ مباديء الديمقراطية تتضمن الحريات الشخصية في المعاملات الاقتصادية مثلاً, التي تقف أَحكام الإِسلام الأصيلة بالضد منها، كعدد من التعامل المصرفي الربوي، ثم الحريات الشخصية في العلاقات العاطفية الغرامية الماجنة، ولكثير من التوصيات والأَحكام الإِسلامية المتعلقة بالتقاليد الأُسرية والعائلية التي يعدها الاسلام من المخالفات الشرعية المحرمة .

اذن .. كيف يمكن ان يسن قانون لا يتعارض مع الثوابت الاسلامية، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية في الوقت نفسه؟ نسأل: ألم تكن المادة (2) من فقرة (أ) وفقرة (ب) صياغة أَدبية ومعادلة صعبة تخلق إِشكالية صارخة تناقض نفسها بنفسها!!.. لانه لا يسوغ إِطلاقاً سن قانون يتفق مع ثوابت الاسلام، بيد أنه يتعارض مع مباديء الديمقراطية، فلا يسوغ إِقرار هذا القانون أو العمل به !!.. واذا سُنَّ قانون يتفق مع مباديء الديمقراطية، بيد انه يتعارض مع ثوابت الإِسلام، فلا يسوغ إِقراره أو العمل به كذلك، وتعد هذه الصياغة من الحيل الشرعية المحرمة يمكن من خلالها منع تشريع قانون اسلامي أو ابطاله بشماعة انه يتعارض مع مباديء الديمقراطية.

في اعتقادي أن عملية كتابة الدستور والتصويت عليه، التي تم تمريرها خلال ساعات معدودات عَبْرَ ما يسمى بــ«الجمعية الوطنية»، بهذه السرعة المذهلة، والإِصرار على تنفيذه هو تبرير للعجز، وهو الغطاء المطلوب لانسحاب قوات الاحتلال الاميركي كما أعلن «مايرز» رئيس الاركان أنَّ مائة الف سينسحبون ابتداءً من أواخر عام 2005م، ومن هنا يجب التحرك الاسلامي والعروبي والوطني لوأده، وحث أهلنا وشعبنا على عدم الانخداع بالمكر الأميركي والانجرار وراءه كما يتوجب على الشعب العراقي العظيم عدم الاصغاء للتضليل الحوزوي، أو الخداع الحزبي الذي يروج له العملاء والجواسيس، كما أنّ عليه, أيْ الشعب العراقي ألاَّ يلقي بالاً للوعود الخادعة الماكرة بالرفاه الاجتماعي، والاكتفاء الذاتي، والاسترخاء السياسي.. وباللجوء الى وعاظ السلاطين باستصدار الفتاوى المعلبة بالمشاركة في التصويت بـ (نعم) على الدستور، واعتبار ذلك من الواجبات الشرعية الضرورية.

والخلاص من هذه المؤامرة الأَميركية ـــ الصهيونية هو في التمسك بالبندقية المقاتلة, وهي الطريق الوحيد الفريد لتحرير الارض والانسان، ورفض كل المشاريع والمؤسسات التي تكرس هذا الواقع المرير، وتؤسس لتفريق شعب العراق الموحد على اساس طائفي, أو عرقي, أو عنصري.

ان تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الذي تسعى اليه أميركا.. ليس من السهولة بمكان, وبالنسبة لأميركا لابد من تنفيذه حتى لو أدى ذلك الى تدمير كل بنانا التحتية، حتى لو هدرت آخر قطرة من دمائنا، فالأميركيون عاقدون العزم على تحقيق الهدف مهما يكلف الامر الشعب العراقي تضحيات جسام, وهم يدركون أَنه السبيل الوحيد (الان) لإِنجاز مشروعهم الامبراطوري الذي أَخذ ينهار تحت ضربات المقاومة العملياتية، وتصاعد الانتفاضة الشعبية رفضاً للإحتلال، لذلك فإن الادارة الاميركية تعتبر مسألة انجاز كتابة الدستور الدائم، واتمام ما يسمى بالعملية السياسية مخرجاً رئيساً من المستنقع الذي غرقت فيه، إذ ان المهم في المسألة لدى الأميركان هو أن ينتهي احتلالهم المباشر في العراق، بشرط أن يبقى لهم التحكم في مصيره ومقدراته، وإرتهان سيادته.. حتى تظهر أميركا للعالم ان العلاقة بينها وبين عملائها الذين نصبتهم في ادارة تسيير الدولة العراقية.. هي علاقة مع دولة فيها حكومة منتخبة ذات صفة شرعية ودستورية, لتنفي كل الاتهامات وكل الشبهات التي تقيد استفرادها لأنها حين تنجز كتابة الدستور وتتم العملية السياسية, تكتسب صفة دولة مستقلة ذات سيادة وطنية تتعامل مع دولة دستورية صديقة طبقاً لاتفاقيات ومعاهدات ثنائية مبررة، ووفقاً لمصالح وارادة الدولتين.. كل ذلك في سبيل تركيع شعب العراق واخضاعه عبر عملائها بإسم الدستور الدائم، والشرعية التضليلية القائمة على أساس اطروحة الاختراق بتفتيت وحدته، وكيانه التأريخي بالاشتراك مع جواسيسها وعملائها من خونة الوطن الأَعز, المشكوك في انتمائهم الوطني والاسلامي, الذين باتوا يعملون ليل نهار على تمزيق هذا البلد بــ«أسم الفيدرالية» بإعتبارها الحل الأَمثل والاشمل والاعمق للمضي قدماً في الهيمنة عليه، وإضعاف دولته المركزية الى أبعد الحدود لمصلحة قيام كانتونات انفصالية قائمة على روابط شكلية تضليلية.

مقاطعاً: لماذا أنتم بالذات, كمرجعية دينية تقدمية, من الأَشداء في معارضة الفيدرالية (الاتحادية) غير الانفصالية في العراق، في حين أنَّ الاطروحة الفيدرالية أصبحت مسألة انسانية حضارية تُحَلُّ من خلالها كل الأَزمات الإِثنية والعرقية في عموم البلد، وليست, كما يتصور البعض من العراقيين وغير العراقيين, مخططاً صهيونياً؟..

ج: مَنْ يتتبع التقارير الرسمية، وشبه الرسمية التي صدرت عن اقطاب دهاقنة الإِدارات الاميركية قبل احداث الحادي عشر من ايلول.. يجد أنها تؤكد قلقهم الكبير من هيمنة الاسلاميين الراديكاليين00 على تسيير ادارة دفة الحكم في العراق بعد هزيمة النظام في حرب الخليج الثانية !..

هذه الاطروحة الاسلامية كانت تؤرق رجال الادارة الاميركية، وتجعلهم يستشعرون خطورتها وتداعيها في المنطقة، لذا فإنهم استبقوا الامر، واتخذوا قرارهم بلا تردد بعد احداث الحادي عشر من ايلول بالقضاء على العراق شعباً ووطناً ومؤسسات بحيث تَحوَّلهُ الى كيان آخر على كل الصعد، لأَنهم على قناعة تامة ان هذا البلد بكيانه التأريخي الحضاري، وهويته الاسلامية، وخطورته في نهضة الامة على طول التأريخ.. يشكل خطراً ستراتيجياً على مصالحهم في المنطقة بوصفه يمثل الثقل المفصلي للأمة، وهويتها الأَصيلة، ودولتها الاسلامية التي حكمت نصف الكوكب الأَرضي الصغير، لذا كان لابد لهم أنْ يضعوا هذا الهدف على رأس أولوياتهم ومن ضمنه السيطرة على بتروله لأنه يملك ثاني احتياطي في العالم, وبهذا تتحقق لهم أسس الهيمنة على كل دول المنطقة، بل العالم، وقد أكد رؤساء الادارات الاميركية السابقة واللاحقة، على ذلك اكثر من مرة من خلال تصريحاتهم، ومثل هذا الهدف يتطلب تقسيم العراق وتفتيته الى دويلات هزيلة خاوية، فقد دعا احد رموز الحكومة الانتقالية في الحادي عشر من آب ـــ اغسطس في خطاب أمام حشد جماهيري في النجف الاشرف الى المطالبة بإنشاء اقليم فيدرالي (اتحادي) في الوسط والجنوب هذه الدعوة ليست عفوية ولن تكون كذلك، أو وليدة رغبة آحادية لائتلافه الذي يقوده، بل هي تأتي في صلب الاطروحة الموضوعة لتحقيق الاهداف المتشابكة للتحالف الستراتيجي الاميركي ــ الصهيوني المتناغم مع بعض دول الجوار الجغرافي، واحقادهم التأريخية.. وقبلها دعوة الاحزاب الكوردية الى تحقيق مبدأ الفيدرالية التقسيمية للوحدة العراقية بوصفها تتخطى اللامركزية الادارية لتصل في نهاية المطاف الى حق كل إقليم في العراق على أساس عرقي ومذهبي ان يقيم (مثلاً) علاقات خارجية مع دول أخرى، ويبرم معها اتفاقيات عسكرية ولوجستية، ومعنى ذلك أنهم يخططون لتقسيم العراق بعد أن كان وطناً واحداً، وجعله أَوطاناً متعددة مختلفةً لغةً وهويةً وتأريخاً!!..

تمزيق العراق وتفتيته هو في حقيقة الواقع العملي هدف صهيوني, لأن الحركة الصهيونية حاولت وتحاول تحقيق مقولة ان بلاد الرافدين دولة مصطنعة، وان تركيبتها الاساسية  التي تبلورت عام 1920 بعد هزيمة الدولة العثمانية.. كانت تركيبة خاطئة، ولا بد من اعادة تقسيمه وإستئناف صياغته وفق تقسيمات عرقية وطائفية، وقد سخرَّ الصهاينة كل وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة لاشاعة الفكرة، وتحدث فيها المؤرخ الاسرائيلي «بيني موريس» في لقاءآته في وسائل الاعلام الاميركية قبل اجتياح العراق، وكما تحدث فيها المؤرخ اليهودي الاميركي «برنار لويس» معتبراً العراق دولة مصطنعة رسمها البريطانيون، وخلطوا فيها عشوائياً شعوباً وطوائف لا ترغب في ان تتعايش مع بعضها البعض، وان احتلاله فرصة ثمينه لتصحيح هذا الخطأ الفادح, وبالتالي يجب تمزيقه وتقسيمه الى عدة كانتونات إنفصالية هنا وهناك حسب الانتماءات الإِثنية والعرقية.

ولاشك أَنَّ دعوات التقسيم عبر الفيدراليات هذه، تواجه إِشكاليات، أَهمها: التنازع المحموم على الاستئثار بالغنائم بين الأَطياف التي تسعى الى هذا التقسيم المحرم عرفاً وشرعاً وقانوناً وتأريخاً ووجداناً ــ وقد رافقت هذه الدعوات حالة من الغضب الجماهيري يرفضها رفضاً مطلقاً عبّر عن إدانتها واستنكارها من خلال تظاهراته الصارخة، الصاخبة في جميع أَرجاء العراق.

كل هذا الصراخ المحموم الذي يدعو الى تقسيم العراق وتفتيته الى دويلات فيدرالية إِثنية وطائفية ظهر خلال الايام الماضية أَنَّ المضي فيه يواجه أَشواكاً ومطبات يضاعف المخاطر التي تواجهها القوات الاميركية والمتحالفة معها، وقد يدفعهم هذا الى الاندفاع سريعاً الى تنفيذ مسألة الفيدراليات، ويصار الى تصميمها بصيغ جديدة، وأساليب مبهمة في مشروع الدستور ضمن لعبة ماكرة خبيثة قذرة يراد بها تمرير المخطط الاصلي لإِنجاز العملية السياسية الوهمية التي تخدم المصالح الاميركية، وتجر أطرافاً اخرى للمشاركة فيها، والإلتفاف على الدستور الدائم، ولشديد الأسف يبدو ان الامر انطلى على البعض، فراح يروج له عبر إصدار فتاوى معلبة من المؤسسة (الدينية) ما أنزل الله بها من سلطان, متناسين الاحتلال الفاقد العواصم الخمس المشهورة, كالإسلام والجزية, التي تنسف شرعنة كل اجراءاته، التي لا تُقرُّها الاديان السماوية، والاعراف والقوانين الدولية.

ان اللعبة الاميركية ـــ الصهيونية لم تنطلِ, ولن تنطلي على أحد، إذ ان مشروع التقسيم لا زال قائماً بالحاح وقوة ليس عبر الفيدرالية فحسب، بل عبر موضوع تقاسم الغنائم (الثروات) فهو التقسيم المفصلي للوطن, وكذلك إنَّ توزيع الثروة حسب الاقليم، أو المحافظات يلغي أصلاً ملكيتها القومية للعراق الموحد الذي تصبح دولته كدولة مجرد كيانٍ ضعيفٍ هزيلٍ خاوٍ يتلاعب بمقدراته ومستقبله أمراء الطوائف، وسُرَّاق الثروات المتحكمين بها، لذا نرى بالرؤية التجريبية الميدانية الجميعَ يريد حصة الأَسد فيها، لايجاد الأَرضية المادية لحالة التقسيم فيما بعد، وحسب اعتقادي بدأوا يتخذون مواقف من موضوع التقسيم الفوري في العراق عبر جغرافيته التي وضعوا لها خصوصيات مصطنعة، والامر سيحول مسألة التقسيم الى واقع حال لا مناص منه، ولا تتطلب عملية التقسيم أي جهد أو عناء اذا ما اريد لها ان تقرر في أي لحظة (لا سمح الله تعالى).

س: هناك اتهامات مستمرة تشنها قوات الاحتلال، والحكومة الجعفرية موخراً ضد سورية أنها ترسل رجالاً ومتفجرات الى المقاومة العراقية.. ما رأيكم في صحة هذه المزاعم؟..

ج: في دراستنا الوضع العراقي تحت الاحتلال نستنتج أو نصل الى نتيجة معقولة، هي: إنَّ القوات الاميركية في العراق اصبحت في وضع حرج, ولهذا تسعى لتبرير هزيمتها وتورطها في المستنقع العراقي على يد المقاومة الوطنية والاسلامية بتعليق أسبابها على مشجب (التسلسل الخارجي) و(المساندة الخارجية) في حين أنَّ تيار اليمين المتصهين في الادارة الاميركية يعلم علم اليقين أنَّ العراقيين مقاتلون محترفون اشداء على الكفار رحماء بينهم, لا يحتاجون الى مقاتلين عرب ومسلمين من خارج الحدود, وإنْ يكن الجهاد الدفاعي واجباً وجوب عين على المسلمين كافة لطرد المشركين والكافرين من الثرى الوطني الاسلامي.

وتبرير الهزيمة الاميركية بـ«التدخل الخارجي» يذكرني بأننا, نحن المسلمين، طالما استخدمنا هذه الذريعة, متأثرين بالعقل المنفعل, في تبرير هزائمنا في أوطاننا، فهل يا ترى بدأت العدوى تنتقل من عندنا الى عواصم القرار في العالم؟

وفي هذا السياق, هناك شهادات قدمت مؤخراً الى لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الاميركي من قبيل شهادة السيناتور: «جوزف بايدي» نفسه تشير الى أَنَّ 500 معتقل من غير العراقيين من أصل (16,000) معتقل بتهمة «المقاومة», أي بنسبة لا تتعدى 3%, كما ان هذه الشهادات كشفت كذلك في العراق مستودعات أسلحة ذخائر لا تقل مساحتها (900.000) متر مربع، واذا اضفنا الى هذه المعلومات حقائق تتصل بالخبرة العسكرية الكبيرة التي باتت المقاومة تمتلكها لجهة التخطيط والتنفيذ، وتطوير الاسلحة البدائية الى أسلحة متطورة، والقدرة على التكيف السريع المذهل مع أي تطور عن سلاح قوات الاحتلال وعملياتها ، كذلك حقائق تتصل بالقدرة الاستخباراتية المذهلة التي توجه عمليات المقاومة لاكتشاف أَنَّ المحتل يواجه جيشاً متطوراً من العراقيين يحارب بإسلوب الكر والفر، أو ما يسمى في العصر الحديث بـ «حرب العصابات» ويعتمد على اللامركزية في التخطيط والتنظيم والتنفيذ مما جعل من رابع المستحيلات على المحتل وجواسيسه ومرتزقته ان يكتشف تنظيمات المقاومة العملياتية التي تعيش بين الناس, كل الناس, معايشة ميدانية.

 ومن يتابع بطريقة استقرائية، وحساب الاحتمالات ما يجري في الادارة الاميركية من حوارات وتحليلات وتخبطات في اصدار القرارات.. يكتشف أَنَّ الاميركان ادركوا أنهم قد هزموا شر هزيمة منكرة بسبب صمود شعب بلاد وادي الرافدين الاشم, سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً ولوجستياً، بل هزموا مطلبياً وهم حالياً يلعبون في الزمن الضائع، وسوف يعترف الاميركان غداً أو بعد غد أَنَّ غزو العراق كان خطأ فادحاً ارتكبته الادارة الاميركية، أو انه الخطأ الاسوأ في التأريخ الاميركي، كما أدلى بذلك السيناتور «تسيد كندي» السنة الماضية.

 واذا عرفتم هذه المشاهد الحقيقية التي طرحتها عن العراق والعراقيين، فإن مسألة الاتهامات ضد سورية تصبح زوبعة في فنجان.. وإِني اتصور أَنَّ سورية تفهم جيداً الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء الدولية بقدر ما يتعلق الامر بالعراق.

مقاطعاً: نحن نعتقد كتقدميين أن ترويج الاعلام الاميركي الرسمي في المرحلة الاخيرة يدخل في اعادة ترتيب الدور السوري، او الضغوط لانهاء دور سورية في دعم حزب الله في لبنان وفي التصدي الوطني ضد اسرائيل؟.

ج: في تصوري إِنَّ الدور السوري لا علاقة له بالشأن العراقي، بل المسألة أكبر من ذلك، المسار السوري في المشروع الموضوع في منطقة الشرق الاوسط الكبير في ما يسمى بـ «الحرب على الارهاب الدولي»، وفي تحقيق المصالح الاميركية في المنطقة، وفي الوطن العربي والعالم الاسلامي كوسيلة من وسائل مساعدة كل الاطراف في «أمركة» المنطقة سيخدمها ويعزز دورها القيادي الكوني الآحادي المنفرد في الساحة العالمية، لذلك فإِنَّ من التسطيح السياسي الحديث على ما يحدث من ضغوط أميركية على سوريا فيما يتصل بدورها في العراق. 

 ــ سماحة آية الله العظمى احمد الحسني البغدادي .. شكراً جزيلاً على هذه المقابلة، وعلى هذه الايضاحات الهامة على ما يجري في العراق بعد مرور سنتين ونصف على احتلاله، ونتمنى لكم وللشعب العراقي المقاوم تمنياتنا وتحياتنا.

 شكرا لكم. 

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha