الحوار العشرون مع مجلة «الأَفكار» اللبنانية بتاريخ 13 كانون الاول 2004م
الحوار العشرون
مع مجلة «الأَفكار» اللبنانية بتاريخ 13 كانون الاول 2004م
اجرى الحوار بول ماروديس
آية الله العظمى السيد احمد الحسني البغدادي ، احد أهم المرجعيات الشيعية في النجف الاشرف ، وسليل عائلة مرجعيات سياسية ودينية ترجع بجذورها الى شرفاء مكة القاطنين في الحجاز والعراق و الاردن ، زار لبنان قبل ايام للمشاركة في المؤتمر القومي – الاسلامي الذي عُقِدَ في بيروت بتاريخ 1/12/2004م، وكانت مجلة «الافكار» حظوة في لقاء المرجع الفقيه الذي جال معنا على مشاكل العراق والأَخطار المتربصة به ، وأَوضح جملة مغالطات، منها وصف المقاومة العراقية بالسنية في حين انها تشمل كل أَطياف العراق. ورد الفقيه المجاهد المقاوم على فتوى المرجع السيد علي السيستاني الداعية الى وجوب إجراء الانتخابات في موعدها، فنقضَ هذه الدعوة وفنَّدها فقهاً وشرعاً، وأصدار فتوى مضادة. وحين استقبلنا سماحة الفقيه في غرفته في فندق البريستول، لم يستطيع ان يخفي اعجابه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبكل الثوريين التقدميين في العالم 0
• السيد احمد الحسني البغدادي في سطور
اية الله العظمى السيد احمد الحسني البغدادي هو فقيه ثوري رسالي، وهو أَحد مراجع النجف الاشرف الناطقين، كتب عن شخصيته كثيرون من المثقفين العرب والإِسلاميين له مؤلفات تربو على الثلاثين ابرزها :-
السلطة والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق
فقهاء وحركيون بين الثورة و السكون
الخطاب الآخر مع اية الله احمد الحسني البغدادي
أثارت مؤلفاته هذه المفكريين والمثقفين من الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، وتكاثرت الردود عليها سلباً وايجاباً، وأوجدت جدلاً وحواراً واسعاً في أوساط الأمة، لأَنها تكشف الحقيقة جلية عما يجري داخل المؤسسة الدينية مَن سلبيات وايجابيات. ومن مؤلفاته التي أوجدت صدى واسعاً في المؤسسة الدينة كتاب علمي اسمه (بحوث في الاجتهاد)، وقد أَشاد به الشهيد علي الغروي أَحد كبار مراجع التقليد في العراق وايران، وال إِنه أَحسن مَنْ كتب في هذا العصر في علم الأُصول والفقه، ولمؤلفه مستقبل زاهر في الفتيا والتقليد، ونشرت هذه الإشادةَ اكثرُ من صحيفة. وهو يعد اليوم من المجتهدين المجاهدين، يُقَلِّده أكثرية التيار الصدري بعد ان بقوا على تقليد شهيدهم الغالي محمد الصدر (ع) ، وهم يرجعون اليه في المسائل المستحدثة، وآخر مؤلفاته دورة موسوعية عنوانها ((الميثاق الاسلامي)) تعد عشرة مجلدات، يصدر اربع مجلدات منها قريبا .
وهذا نص الحوار :
تقسيم العراق
• هل انتخابات العراق لا شرعية ولا مشروعة في نظر سماحة آية الله العظمى أَحمد الحسني البغدادي ام هي ضرورة رسالية عربية من أَجل أَنْ يخرج الاحتلال، وذلك عن طريق تأليف الجمعية الوطنية ، ام المقاومة هي السبيل الوحيد لطرد الاحتلال ؟
بسم الله الرحمن الرحيم... كل الفصائل و المؤسسات الحوزوية و المدنية ترفض الاحتلال الاجنبي، وتعتبر الانتخابات باطلة كتابا وسنة واجماعا وعقلا ووجدانا وضميرا وتاريخا، لا تعترف بنتائجها اكثرية الشعب العراقي الذي يجاهد لإِنقاذ العراق من نير الاحتلال. هذا اولا، وثانيا: نعتبر الانتخابات المرتقبة في يومها المعين غير شرعية من وجهة إِسلامية، وغير قانونية من وجهة نظر (اتفاقية جنيف) في القانون الدولي بوصفها تؤدي بالنتيجة إلى شرعنة تقسيم العراق الى دويلات وكيانات طائفية وعرقية، والى شرعنة وجود قواعد عسكرية امريكية على ارض العراق لمدة 50 عاماً على الاقل، هذه حقيقة لا يمكن باي حال من الاحوال إِنكارها.
واضاف سماحة السيد: إِنَّ التصريحات الأَخيرة لــ(بوش) و(رامسفيلد) و(علاوي) تضع الانتخابات في أَولوية أَجندتها السياسية والميدانية في بلاد وادي الرافدين. وقبل الانتخابات، هي تحاول بكل الطرق الوحشية اجهاض معاقل المعارضة الوطنية والاسلامية في معظم المحافظات والأَقضية، والهدف الاساس من كل هذه الغطرسة والعنجهية والإِبادة الجماعية ضد النساء والأَطفال والشيوخ هو بسط هذه الهيمنة العسكرية قبل الانتخابات ، المقرر اجراؤها في كانون الأَول المقبل. إِنَّ الهجمات العسكرية تقف عاجزة خاوية أَمام إِرادة المقاومة المسلحة في التحرر والاستقلال الوطني بوصفها اثبتت براعة قل نظيرها في توجيه المسار السياسي في ساحة بلاد وادي الرافدين عبر تعطيل وافشال المخطط الصهيوني في المنطقة، أَو عبر تشكيلها الرافعة للمشروع الوطني والإِسلامي العراقي المتعارض جذريا مع مآرب مشروع الاحتلال الامبراطوري الكوني ذي النزعة الشريرة المستكبرة في الهيمنة على العراق وعلى المنطقة العربية برمتها .
واضاف سماحته: وبعد مرور سنتين تقريبا على احتلال العراق لم ولن يتحقق هدف المخطط الامبريالي الامريكي من الاحتلال، وهو ايجاد دولة عميلة مستقرة هادئة، منصبة على الطريقة الامريكية ، لقد برهن هذا المخطط الاستكباري على أَن الادارة الامريكية كانت تتوعد بالويل والثبور قبل الاحتلال والغزو وفي اثنائه وكانت التصريحات الهوجاء تدور على خطى طاغوتية لغزو سوريا التقدمية وايران الاسلامية، وكانت مصر هي الكعكة العظمى على حد تصريح احد عمالقة البيت الأَسْوَد (ريتشارد بيرل)، بيد أَنَّ المقاومة الوطنية والاسلامية في بلاد وادي الرافدين الاشم جعلت هذه التصورات مجرد احلام عصافير كما يقال، فتحول الوعد والوعيد الى محاولات لكسب عطف تلك الدول بطرق تضليلية متنوعة من اجل التعاون في انقاذ الهيمنة الامريكية والامبريالية في العالم، وشرعنة احتلال العراق. وهذا ان دل على شيء انما يدل على مؤتمر المؤامرة في شرم الشيخ الاخير.
شروط الانتخابات
• اذن سماحتكم ترفضون مؤتمر شرم الشيخ ؟..
بالطبع ، إِنها مؤامرة كبيرة.. أَما عن شرعية الانتخابات في العراق، فيجب على كل عراقي المشاركة في هذه الانتخابات الممهدة لتشكيل الجمعية الوطنية الدائمة، والمجلس الرئاسي، والحكومة إِذا تحققت الشروط الوطنية والإِسلامية المرتبطة بحاضر وطننا ومستقبل شعبنا.. هذه الشروط يمكن تحديدها بما يلي :
1- تحديد جدول زمني لخروج القوات الأَجنبية من عراقنا الجريح جملة وتفصلا .
2- إلغاء قانون ادارة الدولة المؤقت بوصفه كُتِبَ بإِملاءات أَمريكية لصالح الأَطماع الأَجنبية، الانتخابات لاتصح على أَساسه .
3- إِنهاء الانفلات الأَمني الرهيب في جميع أَرجاء البلاد، وإِطلاق سراح المعتقلين كافة، وتعويض المتضررين من الهجمات الصاروخية على المدن والاقضية .
4- يجب معرفة اعضاء المفوضية العليا، شريطة ان يكونوا من العراقيين، لم ياتوا على ظهر دبابة امريكية، معروفين بالنزاهة والاستقامة والوطنية .
5- ضرورة الرقابة الدولية الواسعة على الانتخابات لضمان نزاهتها .
واضاف وباختصار اذا لم تتحقق هذه الشروط الأَساسية فإِن مثل هذه الانتخابات يجب ان تجابه بالرفض والمقاومة، ولا يسوغ شرعا وقانونا ووجدانا وتاريخا تقديم التنازلات لهذا الطرف او ذاك لكي يحدد الشعب بكل مذاهبه وفصائله مستقبله السياسي، وطريق بناء دولته المستقله المرتقبة .
المثلث ... والمربع
• سماحتكم ترفضون القول إِنَّ المقاومة الجارية في العراق هي سنية محصورة بالمثلث السني ؟..
مصطلح «السني» جاء بعد دخول المحتل، واقبل الاحتلال لم يكن هناك مثلث سني أو مربع شيعي، وانما هناك مقاومة من الشمال الى الجنوب، ولكن هناك تعتيم من قبل (السي. آي. أي CIA) الامريكية و (أم. آي. دي MID) البريطانية، والرتل الخامس من الجواسيس العراقيين، وكذلك الذين قدموا على ظهر الدبابة الامريكية، فهؤلاء جميعا يحاولون التعتيم على المقاومة وتحجيمها في المثلث السني، لكننا نقول لهم إِنَّها في كل مكان في المربع الشيعي وفي كل انحاء عراقنا الأَبي، ودليلنا على مانقول هو انتفاضة نيسان – 13 من صفر 1425هـ، وقد أَدت دورا فاعلاً في مواجهة الأَمريكان، ولكن هؤلاء يزعمون أَنهم دعاة الحرية والاصلاح والديمقراطية، واذا بهم يقصفون الأَطفال والنساء والشيوخ والمقاتلين الأَبطال بالقنابل المحرمة دولياً، وحتى هذه الضربة القاصمة الوجهة إلى شعبنا في الفلوجة انما هي تعتيم عن طريق إبراز صورة الزرقاوي، والاختباء وراءها، فهم اجتاحوا الفلوجة ثم قالوا إِنَّ الزرقاوي غادرها ، ولكن هذا كله تمويه ــ ونحن نؤيد ونبارك الاسلاميين والعرب الذين دخلوا أَرضَ العراق مع اخوانهم المجاهدين العراقيين الحقيقيين، لأَنَّ العراقيين سبق لهم أَنْ قاتلوا ضد المحتل الصهيوني الى جانب اخوانهم الفلسطينيين في أعوام 1947 و 1967 و 1973، ونحن كعراقيين أَدينا دوراً فاعلاً وأَسطوريا في معركة تشرين التحريرية لصد الغزو عن دمشق.
الجنسية العراقية .. للاسرائيلي
• كيف هي علاقتكم بالمرجع السيد علي السيستاني الذي يدعم إِجراء الانتخابات ؟..
يجب ان تكتب كلامي بأمانة تاريخية، لأَن الإِجابة عن هذه المسالة حساسة للغاية، لقد وقع السيد السيستاني في تناقض ايديولوجي اسلامي فقهي. فعندما صدر قانون: «ادارة الدولة العراقية» أي ما يسمى بالدستور المؤقت صرَّح السيد السيستاني أنَّهُ يتحفظ على عشرة بنود، وجرت مراسلة بينه وبين الأَمين العام للأُمم المتحدة (كوفي انان) بخصوص تحفظه هذا ، ولكنه وقع في تناقض صارخ اذ دعا الشعب العراقي للذهاب الى صناديق الاقتراع ، مع أَنَّ الدستور المؤقت فيه بنود تعطي الإسرائيلي الحقَّ في حيازة الجنسية العراقية، وفيه بند المحاصصة، وهو بند يستهدف تفكيك العراق وتقسيمه الى دويلات شيعية في الجنوب، وسنية في الوسط، وكردية في الشمال،.. هذان البندان هما من أَخطر البنود التي ستحطم كيان هذا الشعب العظيم ذي التراث وصاحب الوثبات والانتفاضات ضد كل المخططات التآمرية الاستكبارية. لقد قال السيد السيستاني كما قال (بوش) : «يجب ان يتم الانتخاب في اليوم الموعود»، وهم نسوا وتناسوا أَنَّه عندما تتحقق الانتخابات على الطريقة الامريكية سيكون هناك تصاعد للمقاومة المشروعة، سيهزم العملاء والجواسيس مادامت هذه الانتخابات بإِملاءات امريكية، ومادام قانون ادارة الدولة العراقية قد كتب بلغة انجليزية ، وبإِملاءات امريكية، وسيبقى شعب العراق شعباً عروبياً إِسلامياً متصديا ضد المؤامرة العولمية الرأسمالية المجرمة، بعون الله تبارك وتعالى، وهذا هو تاريخه النضالي عبر قرون متتالية ضد كل الهجمات الصليبية و الشعوبية والعنصرية .
• كيف هي علاقة سماحة السيد مع المرجعية الشيعية المتمثلة بسماحة السيد محمد حسين فضل الله ؟..
عندما وصلت بيروت التقيت سماحة السيد فضل الله، وكان متجاوبا تجاوبا كليا، ومتفهما قضيتنا، والمؤامرات التي تحاك ضدنا، وقال، ما معناه، إِني معكم في السراء والضراء ضد الاحتلال ، انا مع المقاومة المشروعة في العراق، ومعجب اعجابا عظيما بهذا التصدي البطولي الاسطوري ضد الهجمات الصليبية الصهيونية على عراق العروبة و الاسلام .
• بما ان السيد السيستاني يؤيد الانتخابات بلا قيد او شرط، ويعتبر أَنَّ من يتخلف عن الاقتراع يرتكب مخالفة شرعية ، وحتى الان هو لم يفت بحرمة المحتل فضلا عن مقاتلته ، فماذا تقولون لمقلديه، وبماذا تنصحونهم ؟..
في البدء، شرحنا مسألة الانتخابات بشكل مفصل على الصعيدين الاسلامي والدولي ، أَما مسألة لماذا لا يفتي السيد السيستاني بحرمة وجود المحتل على أَرض عربية إِسلامية ، فهذه مسألة شائكة وخطيرة لاتفسير لها، لذا أَدعو كل من يُقلِّد السيد السيستاني، او يعجب بمشروعه السياسي الحالي فأقول له: إِنَّ الله سبحانه وتعالى هو وحده المطلق، وأَما المجتهد فقد يخطئ وقد يصيب، ومسألة الجهاد الدفاعي لا يشترط فيها الرجوع بها الى الفقيه، لأَنَّ الدفاع عن حرمة الوطن، وعن قدسية الدين، وعن كرامة الامة لا يشترط فيه أخذ الاذن من الفقيه بوصفه جهاد عين!.. وهذا بخلاف الجهاد الابتدائي الذي يشترط بوجود المعصوم (ع)، واذنه. وقد شذ عن هذا الراي استاذي الامام المجاهد السيد البغدادي، وكذلك استاذي السيد الخوئي فقالا ما معناه «لا يشترط الإِذنُ من الإِمام المعصوم (ع)، بل اذا تهيأت الظروف الموضوعية والذاتية وتهيأ الجند والسلاح والمال يجب ان نحتل العالم عنوة بعد ان ندعو شعوبه الى الإِسلام، فإِنْ لم يقبلوا اعتناق دين الاسلام نفرض عليهم الجزية، فان لم يستجيبوا نقاتلهم» وفي رأي أنَّ هذا، من الناحية النظرية، لا يتحقق في الظروف الدولية الراهنة، أما الجهاد الدفاعي فلا يشترط الرجوع فيه الى الفقيه، إذْ مجرد ان يدخل العدو المغتصب بلادنا، يجب ان نبادر إالى الدفاع عن أَرضنا وكرامتنا دون مراجعة فقيه، وهذا منصوص عليه كتابا وسنة واجماعا وتاريخا ووجدانا وضميرا ، نقاتل بالرصاص الحي من اجل تحرير العراق من شماله الى جنوبه دون مراجعة هذه المحاور التي ذكرتها، والله اكبر، وجهادا حتى النصر .