الحوار الحادي عشر مع صحيفة قمر بني هاشم بتاريخ 21 شباط 2004م
الحوار الحادي عشر
مع صحيفة قمر بني هاشم بتاريخ 21 شباط 2004م
اجرى الحوار رئيس التحرير كريم علي حسن
سماحة السيد أحمد الحسني البغدادي تاريخه في الجهاد والثورة الفكرية واضح جَلِّي، وهو مَنْ قدم اطروحات اثارت جدلا كبيراً في الأوساط الدينية والحوزوية، وقد عانى الكثير من نظام الطاغية وازلامه ، كل هذه المعاناة لم تحبط من عزيمته ، بل جعلته اكثر صلابة وأَفضى عزما .. وها هو الان يسخِّر منبره وطاقاته لمقارعة الاحتلال الاميركي في العراق ، ويدعو إلى المقاومة والجهاد ضد قوات التحالف المحتلة ، وبين ظروف الاحتلال ودعوات المقاومة .. وموقف سماحة السيد علي السيستاني بشأن الانتخابات كان لصحيفة ( قمر بني هاشم ) .. هذا الحوار مع سماحة السيد أحمد الحسني البغدادي... تحدث معنا بصراحته المعهودة ، وجرأة في الطرح يتميز بها .
* كيف تنظرون إلى المقاومة ضد قوات الاحتلال ، وهل ما يحدث مقاومة، ومن هم، في رأي سماحتكم، من يقومون بهذه الاعمال؟.
** من حيث المبدأ، انا اؤيد المقاومة الاسلامية التي تستهدف المعسكرات الاميركية ، وتستهدف الجيش الاميركي في سبيل إخراجه من الوطن الأَعز. اما بعض العمليات التي تحدث هنا وهناك بأستهداف المدارس الابتدائية ، أو الاماكن التي يوجد فيها أناس عاديون فأجزم بالقطع أنها ليست من أفعال المقاومة الاسلامية، بل تقوم بها الادارة الاميركية وعملاء اميركا، خاصة الموساد الاسرائيلي، والدليل على ذلك نقتدي بتجربة الشعب الجزائري البطل عندما آمن بالديمقراطية (على صعيد العناوين الثانوية)، ونجح بالانتخابات البلدية ، وبعد ذلك قدم ترشيحا لتشكيل الجمعية الوطنية، فبادر ضباط الجيش الجزائري بوصفه جيشاً علمانياً، ومن خلال هذه التنحية للجبهة الاسلامية للانقاذ.. تحركة الجاسوسية الاستكبارية ، والرتل الخامس الموجود هناك لذبح الاطفال، وابادة الناس كل الناس ، من أجل تشويه صورة المقاومة بوصفها إرهابية، العمليات ضد الجيش الاميركي في العراق هي فعلُ مقاطعة وطنية اسلامية. اما الاعمال التي ترتكب ضد المؤسسات المدنية والمدارس للمعارضة بها. اما رجال الشرطة إذا كانوا جالسين في معسكراتهم ومقرات عملهم، يجوز استهدافهم ابداً، ولهذا القول كثير من الخبراء إِنَّ استهداف الشرطة أعمال من فعل الاميركان ، لا من المعارضة ، فالعمليات التي تحدث ضد الشرطة هي عمليات غير شرعية إِلاَّ في حالة واحدة هي : إذا تعاون رجال الشرطة مع الاميركان، ويهاجموا مقرات المجاهدين فيجوز قتلهم إِسوةً بالأميركان .
* هناك دعوات لتوحيد الصفوف من قبل المرجعية ومقلديهم ، وتكوين جبهة متحدة لمواجهة الاحتلال بدلاً من الواقع الحالي الذي نرى فيه تجزئة لوحدة الصف .. ماذا يرى سماحتكم في هذه الدعوات ؟..
** من المعروف أَننا اتفقنا على ألاَّ نتفق .. مستحيل ان تتحقق وحدة الصف مع المراجع بشكل مطلق ، لأَنَّ هنالك حقا، وهنالك باطلا ، وليست هناك حقيقة مطلقة إلا الله بوصفه المطلق، ماعدا الله سبحانه فكل حقيقة نسبية. إِنَّ خط المرجعية فيه اناس مجاهدون وابطال تأريخيون ، وفيه أناس مشبوهون وعملاء وخرافيون إلى أَبعد الحدود.. هذه المبادرة إذا اردنا تحقيقها نحققها من خلال تأسيس الدولة الاسلامية، عندما تؤسس الدولة التعددية الشورية سيكون الناس على دين ملوكهم .. تحقق هذه الجبهة ما دام هنالك احتلال ، وما دام هنالك قواعد عسكرية قذرة موجودة على ارض العراق .. تسعى لتحقيق القاعدة الإِمبريالية القذرة (فرق.. تسد) ، كما مارسها البريطانييون عبر قرون متطاولة من أجل اسقاط الدولة العثمانية الإِسلامية .. مستحيل ان تتحقق أي جبهة فيها العرب والفرس والأَفغان لأنَّ آراءهم وافكارهم وطبائعهم وتقاليدهم متناقضة. اما إذا تكونت دولة اسلامية فهم يخضعون تلقائياً لتلك الدولة، ومن خلال المحاورة والنقاش ينكشف الوطني منهم من العميل .. وينكشف الرجعي منهم من التقدمي .. وينكشف الشجاع منهم من الجبان. اما الان ونحن تحت مظلة الاحتلال الأَجنبي ونفكر في تحقيق جبهة فلا يمكن ان تتحقق ما دام هنالك أُناسٌ يستفيدون من المخابرات الاميركية وهي تعري الإنسان العادي بأَنْ تعطيه ثلاثمائة دولار مقابل الوشاية عمَّنْ يمتلك رشاشة (كلاشنكوف) ، أو مسدس ، أو قاذفة.. والوشاية عن كل من له تنظيم ، أو منخرط في مقاومة ، فيعطوه أكثر من ثلاثمائة دولار، في حين أَنَّ هذا الانسان العادي لا يحصل على دولار واحد في اليوم.. بسبب البطالة المتفشية في العراق ، ونصف شعب العراق عاطل عن العمل ، وما دامت البطالة سائدة فالانسان العادي يمكن ان يكون جاسوسا، أو منافقا دجالاً، ويمكن ايضاً أنْ يكون لصا أو مخربا .. لهذا من المستحيل الاتفاق وإِقامة الجبهة في ظل هذه الاوضاع ، وهذه الاطروحة من احلام العصافير .
* نلاحظ غياب حلقة الوصل بين المرجعية ومقلديهم، خاصة في الظروف التي يكون فيها الجميع في حاجة إلى اللقاء المباشر مع متصدي المرجعية التي ابتعدت للاسف الشديد عن مشاكل ابناء المجتمع وتطلعاتهم الطموحة ، ماذا ترى في هذه الحالة ؟.
** حين يكون هذا هو نهج الحوزة فهي ليست حوزة اسلامية، لإنَّ القائد والمرجع يجب ان يتصل مع الطبقة العاملة ، ومع كل المستضعفين ، ومع كل الشرائح المثقفة .. وهذا هو نهج اهل البيت (ع) ، وهو نهج الإمام القائد علي (ع) ، فقد كان قائدا شعبيا جماهيريا .. يجب على المرجع ان يتصل بالجماهير ويتشاور معهم ، ويتحسس آلامهم ، ويدافع عن حقوقهم المسلوبة، لأَنَّ من لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ، ولان الساكت عن الحق شيطان اخرس، «ولتكن منكم أُمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر..»، يجب على كل فرد حتى لو لم يكن شاخصاً إسلامياً.. فكيف بالمرجع؟ إذْ يتوجب على المرجع بالطريقة الأولوية القطعية أَنْ يتصل بالجماهير كل الجماهير، وكيف لمرجع يتصدى لقيادة الجماهير وهو لايلتقي بالجماهير ولا يتحسس بألامهم ــ مثلا ــ يجب أَنْ يتحسس ماذا يحدث في كوسوفو ، والشيشان، وفلسطين ، وفي العراق... مثل هذا المرجع المتصدي الذي لاتتمثل فيه هذه الصفات لا يجوز تقليده ، ومن أَكبر المحرمات الشرعية الرجوع اليه ، وأنا اختصر القولِ إِنَّ المرجع إذا كان يؤمن بالفكر الثوري والرسالي، ويسعى لتحقيق الدولة الاسلامية يجوز تقليده شريطة أَنْ يكون قائدا شعبيا جماهيريا ، وأَنْ يتحسس آلام الفقراء والجياع ألاَّ يكنزَ ذهبا ولا فضة لابنائه ، أو لجهازه الاداري، أي ما يسمى بـ ((الحاشية)) ، وان يوجد فريق قيادة في قضايا السياسة ، وفي قضايا الاجتماع، وفي قضايا الاقتصاد ، واذا كان لا يتصف بهذه المواصفات فلا يجوز تقليده ولا الانقياد اليه .
* هناك فكرة سائدة طرحها السيد الشهيد الخالد محمد الصدر تقول إِنَّ اميركا جاءت من أجل وأد قضية الإمام المهدي (ع)... ماذا يرى سماحتكم ؟.
** اولا... من حيث المبدأ، ومن وجهة النظر الامامية... على كل فرد شيعي ان يفكر بالظهور .. حتى لو كانت المساجد قائمة ، والصلوات اليومية قائمة ، واداء فريضة الحج قائمة يجب على الإنسان الشيعي المعاصر أَنْ ينتظر هذا الظهور .. حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما مُلِئَت ظلما وجورا.. ومن الخطأ التصور إِن الإمام المنتظر يظهر على مفاسد ومناكير بشكل مطلق، هذا من رابع المستحيلات، فهو (ع) يظهر والعلماء الاتقياء موجودون بحسب الظاهر .
والجدير بالذكر أَنَّ مصيبة الإِمام المنتظر (ع) أَخطر بكثير من مصيبة الرسول الاعظم ( ص ) لانه (ص) يأخذ بالظاهر الاسلامي ، فمن قال لا اله إلا الله محمد رسول الله حقن ماله ودمه وعرضه ، اما الإمام المنتظر فأنه يحاسب الناس حسابا واقعيا ، مثلا تأتي اليه العشائر ، ويرفعون شعار جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا .. فيقول الإمام: اقتلوا رئيس هذه العشيرة بوصفه منافقا ، عندها تجد الناس يشتمون الإمام المنتظر ، ويقولون كيف هذا ابن رسول الله يقتل ابناءنا وييتم اطفالنا ، وهنالك رواية تقول : إِنَّ الإمام عندما يوجد على ظهر الكوفة ويستقبله أربعمائة عالم دين يقولون له: يابن رسول الله ارجع من حيث اتيت، فأن القرآن يكفينا. فيغضب الإمام فيقول: حاجج العرب جدي بالحجارة وهؤلاء يحاججونني بالقرآن، فيضع السيف على أَعناقهم ، ويقتلهم عن بكرة ابيهم ، فيبدو ان هناك، وقت ظهوره الميمون، ظاهراً اسلاميا ومراجع وحوزات واحزاباً إسلامية، ولكنها على ما يبدو تؤمن بالإسلام الاميركي ، وكذا نجد الشعائر الدينية قائمة ، والعادات الحسينية قائمة، لكنها مسرحٌ للجاسوسية العالمية ، وبناء القواعد التجسسية في بلدنا المحتل، وسرقة ثرواتنا الطبيعية التي منحنا الله اياها، لا نفكر بها ولا نحافظ عليها ، فهذه النظرية والإِشاعة... إِنَّ اميركا جاءت من أجل وأد قضية الإمام المهدي ( ع ) بوصفها تتوجس خيفة من ظهور مصلح ينقذ البشرية من الظلمات إلى النور عما قريب... نحن نؤمن بهذا الظهور لا الاميركان ، وربما بعد الف سنة لا يخرج ، كما كان الشيخ الصدوق (ت 381هـ ) يحد سيفه كل سنة، ويبدِّلُ فرسه كل سنة.. إِنَّ الإمام سيظهر في هذه اللحظة .. هذا صحيح ، ومن المستحبات المؤكدة أَنْ نفكر بالظهور في كل لحظة في سبيل الدفاع عن مستضعفي العالم، وإِبادة مجرمي الحرب في سبيل تحقيق كلمة لا اله إلا الله محمد رسول الله، ان تنتصر في الأرض كل الأرض، بيد أَنَّ الإمام سيأتي بدين جديد على العرب شديد (كما في الحديث الشريف)، معنى هذا أَنَّ الدين الجديد ليس قرآنا جديداً، فقد أَصبح المنكر معروفاً عندنا، والمعروف منكراً ، وهنا اضرب لك مثلا، والشيء بالشيء يذكر: ان علماء النجف بالأَمس ثاروا ضد هجمة صليبية استكبارية بقيادة بريطانيا في سبيل اسقاط الدولة الاسلامية العثمانية وهذه الدولة اضطهدت الشيعة، وقامت بحملات تأديبية في سبيل اخذ الضرائب منهم ، لكنَّ العلماء وقفوا مع شعب العراق ضد هذه الهجمة ، وضد هذا الاحتلال الاستيطاني من أجل من؟!.. من أجل صيانة التوحيد والرسالة والقرآن ، من أجل ألا يكون الكافر آمراً على المسلم ، الان يوجد احتلال في العراق والمؤسسة الدينية في النجف ليس لها موقف واضح، بل يطالبون بصياغة الدستور ، وأَنْ يكون بأرادة وطنية ، لا باملاءات اجنبية، لكنَّهم لا يفتون بحرمة احتلال بلد مسلم ووجوب طرد المحتل عن أرض الوطن الاعز، وفي رأيي أَن مقاومة الاحتلال لا تحتاج إلى فتوى من مرجع متصد ، ولكن الناس غير متفقهين، ولذلك يريدون فتوى من ذلك المرجع، ونسوا أو تناسوا أَنَّ الجهاد الدفاعي لا يشترط فيه الإِذن .
* كيف تنظر إلى دعوة السيد السستاني ، وكذلك دعوة الإِخوة الكورد إلى الفيدرالية في محافظات القطر ؟.
** انا قلت مرارا وتكرارا ما دام هناك احتلال لا يجوز كتابة الدستور وصياغته ، ولايجوز تشكيل حكومة انتقالية ، وهذا الرأي ليس اسلاميا وحسب، بل إِنَّ اتفاقية جنيف ـ في القانون الدولي ـ تنص على أَنَّه ما دام هنالك احتلال ، فلا كتابة دستور، ولا اقامة حكومة انتقالية في البلاد.
اما مسألة الفيدرالية، فالفيدرالية بالنسبة للإخوة الكورد ستؤدي إلى الانفصال عن الحكومة المركزية ، وهذا من اكبر المحرمات الشرعية .
اما الحقوق المشروعة للشعب الكوردي ، فهذه مسألة مشروعة، والشعب الكوردي يستحق ، فقد عرفناه شعبا مجاهدا مظلوما، عاش المأساة ، كما نحن العرب عشنا مأساة الطاغوت ، وحماقاته المعروفة ، ومأساة الادارة الاميركية ضد شعبنا واهلنا. ودليلنا بحرمة الفيدرالية هو اقامة الفيدرالية في الاتحاد السوفيتي القديم على القوميات ، لذا فان انهيار هذه الدولة الامبراطورية كان سببها اقامة الفيدرالية هذا من وجهة نظري الشخصية .
اما من حيث الأمر الواقع، فإنَّ دول المنطقة لاتسمحُ بأقامة دولة فيدرالية في شمال العراق، لانه سيؤدي إلى اقامة كردستان الكبرى، وسيظل الشعب الكوردي يعاني من الويلات بسبب هذه الاطروحة اللاعقلانية .
من المهم أَنْ ندعو اخواننا الكورد إلى عدم الدخول في صراعات مع اخوانهم التركمان، وكذلك العرب مع في كركوك فهذا لا يجوز من وجهة نظر اسلامية ، واعتقد ان حقوقهم ستكون مضمونة وتُعْطى لهم من خلال تحقيق دولة اسلامية .