الحوار العاشر مع مجلة الكوثر بتاريخ 25 كانون الاول 2003
الحوار العاشر
مع مجلة الكوثر بتاريخ 25 كانون الاول 2003م
أجرى الحوار أحمد رضا المؤمن
السيد أحمد الحسني البغدادي للكوثر
على الفقيه ان يكون شجاعا مقداما ، واصلاحيا ثوريا ، ومثقفا سياسيا.
انا ضد مفهوم ( الديموقراطية )، لانها في المفهوم الغربي حكم الشعب للشعب.
الحوزة العلمية في النجف الأشرف .. إحدى أكبر وأقدم الجامعات والمعاقل الإسلامية حيث يقصدها كل المسلمين من أرجاء المعمورة كافة لينهلوا من بحر علمها الزاخر وقد خرَّجَتْ الآفاً من العلماء ، والمفكرين، والمجاهدين، والأدباء، والشعراء على إمتداد التأريخ منهم على سبيل المثال: الشيخ مرتضى الأنصاري ، والشيخ محمد حسين الكاظمي ، والشيخ أحمد آل كاشف الغطاء، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، والسيد محمد الحسني البغدادي ، والسيد روح الله الموسوي الخميني ، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر ، والسيد الشهيد محمد صادق الصدر... أبرز العلماء المجاهدين اليوم، مَمِنْ تخرجوا من حوزة النجف الشريفة في عصرنا الحاضر، ولايزال يعيش بين ظهرانينا ، نستضيء بنوره، وننهل من معينه ، إنه سماحة آية الله المجاهد السيد أحمد الحسني البغدادي (دام ظله)، وهو الحفيد الأكبر للسيد المجاهد البغدادي ( قده). وكان قد إختفى في صبيحة يوم 23 آذار 1998م ــ 1418هجـ بعد هجوم الأمن الخاص على منزله ومكتبه لإلقاء القبض عليه بسبب إيوائه مقاتلي الأهوار، بالتنسيق مع أفواج الرفض والمقاومة (الجناح العسكري) لحركة الإسلاميين الأحرار ، وعند سماعه نبأ الهجوم إختفى في العراق أربعة أشهر وعشرة أيام ثم غادر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران ،
وعندما تشرفت مجلة (الكوثر) باللقاء مع سماحته ، وجدناه بحق بقية للسلف الصالح كرماً ، ومحتداً ، وإخلاصاً ، ووطنية إسلامية ، وجهاداً رسالياً ، وحياة حافلة بالمجد والترفع والإباء والنزاهة .
وخلال اللقاء دار الحوار المرتجل (الساخن) التالي :
س: هل تقولون بولاية الفقيه ؟..
ج: كتبْتُ عن ولاية الفقيه شيئاً كثيراً، خاصة وبخاصة في كتابي : ((حق الإمام)) ، وكذلك في كتابي : ((فقهاء وحركيون بين الثورة والسكون))، وباختصار أقول : ولاية الفقيه هي إطروحة سياسية لقيادة العالم .
س: الجهاد في سبيل الله من أحد فروع الدين الإسلامي الحنيف، فما هي شروط الجهاد ؟
ج: الجهاد الإسلامي ينقسم إلى قسمين ، جهاد إبتدائي (هجومي)، وجهاد (دفاعي)، فأما الجهاد الإبتدائي فهو مشروط بإذن الإمام المعصوم (عليه السلام)، هذا هو الرأي الفقهي المشهور السائد في فكر المدرسة الإمامية الشيعية ، إلا أنَّ السيد الأستاذ الأكبر (البغدادي) والسيد الأستاذ (الخوئي) انفراداً برأي يذهب إلى عدم أشتراط إذن المعصوم، بل يجوز عندهما أنَّهُ إذا تهيأت الشروط الموضوعية والذاتية وتهيأ الجند والسلاح والمال يجب المبادرة إلى الجهاد لإحتلال العالم. وأما الجهاد الدفاعي فلا يشترط فيه الرجوع إلى الفقيه أو أخذ الإذن مـنــه مطلقاً .
س : لو سألكم أحد الشباب المؤمن إلى أي الأحزاب أنتمي؟ فماذا يكون جوابكم؟
ج: يجوز الإنتماء إلى الأحزاب الإسلامية، بل في رأيي إذا كانت القيادة السياسية صالحة، يعني معروفة بتقواها ، ولها خطاب سياسي واضح ، ولها نظام داخلي ، وليس لها علاقة بالمشروع الأميركي مطلقاً ،أي لم تحضر مؤتمرات المؤامرة التي عقدت في نيويورك ، أو في صلاح الدين مايسمى بمجلس التنسيق والمتابعة ، أو في الناصرية ، أو في بغداد .. إذا لم تلتق مع المشروع الأميركي.. يجوز الإنتماء إليها إذا عُرِفَتْ القيادة بأنها نظيفة ، وأَنَّ لها رؤى سياسية وحنكة سياسية، وتريد تحقيق المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية بطرق وبأساليب وآليات مختلفة ، وإذا لم يحتقق ذلك بالطرق السلمية ، فيجب ممارسة الكفاح المسلح ، أو عن طريق الإنقلابات العسكرية لإستلام الدولة .. أما إذا لم يؤمنوا بهذا البرنامج السالف الذكر فلا يجوز الإنتماء إليها إطلاقاً .
س: ما هو رأي سماحتكم في كتابة الدستور العراقي الآن ؟..
ج: أنا قلت في أكثر من مناسبة بأنه مادام هناك ( إحتلال ) فلا يجوز كتابة الدستور وصياغته ، والإقتراع عليه من قبل الشعب .
س: وماهو رأي سماحتكم في «مجلس الحكم» الإنتقالي ؟..
ج: لقد أفتينا في الرابع عشر من جمادي الأول أن المجلس (وقــّع) من خلف الأبواب المغلقة وثيقة إستعباد الشعب العراقي المستضعف بتوصيات من المحتلين الأميركان ، ولو أن هؤلاء المتصدين آمنوا بطرد المحتل من حيث المبدأ ، وتمسكوا بإطلاقات الأدلة القرآنية والحديثية وعموماتها ، لما رضوا بتوقيع مثل هذه (الوثيقة) ، التي من أبرزها حق الفيتــو ..!! ولما بادروا إلى تأليف هذا (المجلس) ، وذلك بوصفه مخالفاً للشريعة الإسلامية ، والقوانين الدولية ، وشعارات التعددية والشورية ، التي تطالب بتحقيقها كل القوى الوطنية والإسلامية .. وكذا في الرابع عشر من جمادي الآخر إجتمع معي ثلــّة من الإسلاميين والوطنيين، والمستقلين منهم وغير المستقلين ، وأجروا مشاورات إستغرقت زهاء ساعتين حيث تناولنا آخر التطورات في الساحة الإقليمية والعالمية، وختمت حديثي بنقد مجلس الحكم الإنتقالي. وبادر مكتبنا الإعلامي إلى نشر هذا الحديث ، وفيه كشفْتُ خطورة هذا المجلس بشكل تفصيلي ، للمهتمين بهذا الشأن الرجوع إليه .
س: بعيداً عن مفهوم الأعلم والأعلمية... من هو الأكفأ والأجدر من الفقهاء حسب منظوركم لقيادة العراق في الوقت الحاضر ؟..
ج: إِنْ يكن يتصف بمواصفات الشكل الآتي ، يجب أن يكون الفقيه شجاعاً مقداماً ، مثقفاً رسالياً ، له رؤية سياسية معمقة، يعيش مع الجماهير الساحقة، ويتحسس آلامها ويحل مشاكلها، كما يجب أن يكون الفقيه زاهداً متقشفاً .. وأما الفقيه (المزعوم) الذي لايتسم بهذه المواصفات ، فلا يسوغ الإنقياد له حتى ولو كان أعقل العقلاء ، وأقدس القديسين، وأعلم العلماء... أي الفقهاء.
س: عرف عن سماحتكم إهتمامكم بالساحة العراقية ومتابعتكم لها، فهل تنظرون إلى المستقبل بتفاؤل أم بقلق؟..
ج: إني أنظر إلى المستقبل بتفاؤل، والسبب في ذلك أَنَّ الشعب العراقي متدين بالفطرة ، وله تأريخ جهادي وحضاري بدءاً من 30/حزيران/1920م ومروراً بالإنتفاضة الصفرية عام 1977م ، ووصولاً إلى الإنتفاضة الشعبانية الوطنية الإسلامية التي أسقطت أربعة عشر محافظة ، وتصدّت لأخطر طاغية في التأريخ يمتلك الجند والمال والسلاح ، وشعبي في العراق له قدرات واسعة على تحقيق الإنتصارات العظيمة ، ولاأتصور أن يبقى شعب العراق تحت نير الإحتلال الأميركي البريطاني لمدة سنة... سوف يخرج الأمريكان بأقل من سنة لأنه شعب الإنتفاضات والوثبات ، ومثوى رفات الأنبياء ، والأوصياء ، والعلماء المجاهدين ، لأنه شعب المقابر الجماعية بسبب جهاده ضد الطاغية .
س: يقول كثير من الناس إِنَّ بقاء القوات الأميركية حالياً قي مصلحة الشعب العراقي إلى حين أن يستتب الأمن والأمان ، ويتم تشكيل حكومة عراقية منتخبة ينتخبها الشعب العراقي ، وفي ذلك الوقت نعمل على طرد الأميركان ، أما إذا خرجوا الآن فقد تحصل مجازر بين أبناء الشعب، وخصوصاً بين الأحزاب الذين يريد كل منها السلطة ؟..
ج: هذه الدعايات أُطْلقَتْ وأُشيِعَتْ في عهد طاغية بغداد إِنَّ صدَّاماً عندما يسقط فستكون هناك حرب أهلية. وجذّرت هذه الإشاعة بعد إنتكاسة الإنتفاضة الشعبانية الوطنية الإسلامية ، وعملت المخابرات المركزية الأميركية ال(CIA) ومن وراءها الدول الإقليمية على إبقاء صدّام ضعيفاً، وإختراق المعارضة العراقية الإسلامية منها والوطنية وإسقاطها بين شعب العراق والمنطقة ، وإذا سقط صدام ستكون هناك حرب أهلية في الوقت الذي نجد بعد سقوط الصنم في بغداد في التاسع من نيسان على يد الغزو الأميركي في الوقت الذي رأينا بأم أعيننا من خلال الوجود الأميركي الجاثم على صدر العراق لم نجد إرهاصات الحرب الأهلية بين الشعب العراقي الواحد، بل الإدارة الأميركية تحاول من خلال الرتل الخامس إثارة الطائفية ، ولكن على ما أعتقد أن هذا الشيء لايتحقق والدليل على ذلك ان الإنفلات الأمني والسياسي والإقتصادي لازال موجوداً في العراق ولا نجد أي حرب أهلية بين أهلنا وشعبنا، وإنما الإدارة الأميركية تريد البقاء من خلال الإشاعات الماكرة بأن خروج الأميركان سيؤدي إلى حروب أهلية وان بقاءهم هو الأصلح لهذا الشعب، في حين أنهم هُم الذين أوجدوا الإنفلات الأمني بعد سقوط صدام، وإحتفظوا بوزارة النفط والآبار النفطية، فتحوا المجال للصوص الذين أخرجهم صدام من السجون قبل الغزو بفترة زمنية قصيرة، ولا نجد حتى الآن حرباً أهلية ، بل الشعب العراقي هو الذي يحارب مثل هذه الإشاعات .
س: بعيداً عن السياسة والسياسيين ماهي آخر إصداراتكم في المنفى؟
ج: آخر إصداراتي .. في إيران أصدرت كتاب «الطاغوت يحكم» (الحلقة الثانية) ضد الصليبية العالمية ، وفي سوريا حين أصدر الكونغرس الأميركي «قانون تحرير العراق» السيء الصيت ألقيت محاضرة على الإتحاد الإسلامي لشباب وطلبة العراق لحزب الدعوة الإسلامية مع تعليقات واسعة ضد هذا المشروع ، وبادرت إلى إِصدار هذه المحاضرة تحت عنوان : «عودة الوعي» (الحلقة الثالثة) من الطاغوت يحكم ، ثم أصدرت عدة بيانات ، وعقدت ندوات ولقاءات ضد طاغية بغداد ، فبادرت حركة الإسلاميين الأحرار إلى طبع هذه البيانات، وأَخرجَتْها تحت عنوان ((الخطاب الآخر)) ، وبعد ذلك أجرى معي الأخ المهندس حامد القريشي مندوباً من قبل المركز العراقي للإعلام حواراً موسعاً الدراسات وصدر تحت عنوان «السلطة والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق».. بعد ذلك شاركت بأسم «فقهاء وحركيون بين الثورة والسكون» .
س: متى اُجِزْتمْ بالإجتهاد ، ومن أَجازَكُمْ ذلك؟
ج: عام 1971م ــ 1391هـ منحني الإجازة الامامُ المجاهدُ السيد البغدادي، وهذه الإجازة يُشَمُّ منها رائحة الإجتهاد الملكي (أي مجتهد ملكة ) وعام 1991م صدر لي كتابٌ بإسم «بحوث في الأجتهاد»، قرأَه الشهيد الشيخ الغروي (قده) فأعجب به وبعث إليَّ رسالة يقول فيها: «سماحة آية الله المجاهد الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي ــ دام تأييده ــ أبعث إليكم بتحياتي الطيبة راجياً من العلي القدير أن يمدّكم بعونه تعالى.. إنه ولي التوفيق. وبعد فقد لاحظت بتقدير وإعجاب كتابكم القيم «بحوث في الإجتهاد» فوجدته في أحسن البيان الساحر والإستدلال الرصين ، والإحاطة الشاملة بأطراف البحث ودقائقه ، وذلك مما زاد أملي بمقدرتكم وتفوقكم العلمي، وأسأل المولى عز وجل أن يمدكم بتوفيقاته ، وأن يجعلكم في المستقبل القريب أحد مراجع هذه الأمّة في الفتيا والتقليد ويسدد خطاكم في طريق العطاء ، وخدمة الشريعة الغراء ، والله ولي التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
س: من هم أشهر أساتذتكم؟..
ج: أبرزهم الشيخ محمد تقي آل الشيخ راضي ، والسيد محمد الحسني البغدادي ، وبعد وفاته حضرت بحث السيد الخوئي .
س: تطرقتم أكثر من مرة إلى مسألة التعددية السياسية ، فهل تقصدون بها (الديمقراطية) .. وما مفهومكم عن هذا المصطلح الأخير من وجهة فقهية؟..
ج: وهناك مفهومان لمسألة الديمقراطية، فمن المنظور الأميركي والأوروبي أن المرجعية المطلقة لقرار الشعب بوصفه هو مصدر القانون، وهو مصدر السلطات ، وهو مصدر الحكم .. بمعنى إذا قرر الشعب بكل شرائحه ومذاهبه وأعراقه تحليل بعض المحظورات ، وجب تنفيذ ذلك بلا إعتراض،
ومن المنظور الإسلامي : هي التداولية والشورية التي تدعو إلى المشاركة الفعلية في القرار وفي الرأي .. ضمن المرجعية الشرعية .. أي في إطار الأدلة الإجتهادية والأصول الفقاهية ، هذا، وقد هاَجمَتْ أدبياتُ الفقه السياسي الإسلامي منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي إلى وقت قريب (إلا فيما ندر) الديمقراطيةَ بإعتبارها فكرةً غريبةَ الجذور والمنشأ، وكان الإعتراض الرئيسي عليها .. بأنها حكم الشعب للشعب ، بينما شريعة الإسلام الحكم لله الوحد القهار، الذي يعبر عنه بلغة العصر الحديث (( الحكومة الثوقراطية )) في عرض الحكومة الديمقراطية من حكومة الدكتاتورية على نحو ما كان لرجال المؤسسة الكنسية الرجعية في القرون الوسطى .
س: ماهي الخطوات المطلوبة لتنقية أجواء الحوزة من العناصر المشبوهة والإنهزامية المدسوسة ؟!..
ج: اختصر الاجابة على هذا السؤال بكلمة واحدة، هي : ((إعرفِ الحق تعرفَ أهله)).. كيف تعرف الحق؟! تعرف الحق حينَ تبحث عمَّنْ يمثل دور موسى (عليه السلام)، فيتلقى الإلهام ،ويمثل دور إبراهيم (عليه السلام) فيحطم الأصنام ويحول النار إلى برد وسلام، ويمثل دور محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) في نشر كلمة التوحيد والرسالة، وينفذ إلى كافة شؤون الحياة ، ويتدخل في جميع قضايا النوع الإنساني والحمد لله رب العالمين .