الحوار السابع مع تلفزيون رويترز بتاريخ 13 تشرين الثاني 2003م
الحوار السابع
مع تلفزيون رويترز بتاريخ 13 تشرين الثاني 2003م
اجرى الحوار د.عصام كروب
* مدير رويترز : ما هو موقف علماء النجف من الاحتلال ؟.
السيد البغدادي : موقف علماء النجف من الاحتلال الاميركي بشكل أو بآخر جيد من وجهة نظري ، وقد أفتى البعض منهم بحرمة وجوده على أرض الوطن .
* مدير رويترز : هناك عمليات في كافة انحاء العراق .. وآخرها في الناصرية .. كيف تعلق على هذه العمليات ؟..
السيد البغدادي : كل العمليات التي تحدث ضد المعسكرات الأميركية هي مقاومة مشروعة ، في حين تلعب الصدفة دورها عن غير قصد، فتؤدي إلى نسف بعض مدارس الاطفال، أو مراكز الشرطة، وهذا ليس هدف المقاومة.. المقاومة هدفها الاساس ضد الوجود الاميركي .
الشعب العراقي شعب حضاري رسالي ثوري على طول التاريخ، لاسيمّا موقفه المشهور في مقاومة الغزاة البريطانيين .. هذا هو تاريخه البطولي .. فكيف بغزوة أميركية مجرمة تتسلط على شعب مسالم حُطمت كل بناه التحتية بأسم (تحرير) العراق والقضاء على الدكتاتورية ؟!..
إذن .. فلابد ان تحدث المقاومة الاسلامية والوطنية في سبيل تحرير هذا البلد المسلم .
*مدير رويترز : ما هو رأي علماء الدين في النجف وكربلاء حول المحتل ، وهل تنفرد أنتَ وحدك بهذا الموقف أمْ معك علماء الدين كافة؟..
السيد البغدادي : هذه المسألة بينتها على حشد جماهيري في مدينة الصدر الثائرة ضد الاحتلال الاميركي .. قلت .. إِن الشعب العراقي لم يكن متفقهاً في أيام الدولة الاسلامية العثمانية ، لذا افتى علماء الشيعة بالجهاد الدفاعي لصد الغزوة البريطانية ضد العراق عام 1914م .. أما الآن فالشعب العراقي متفقه لا يرجع إلى الفقيه في مسألة الجهاد الدفاعي .. فهذا الجهاد لا يحتاج رجوعاً إلى فقيه أو مرجع اطلاقاً.
ولتقريب هذه المسألة أضرب لك مثلاً من وجهة نظر عقلية .. إذا كنت جالساً في منزلك ، وهجم عليك لصٌ يحاول سرقتك بالقوة .. فكيف تتصرف معه ؟.. هل تستسلم له ؟!.. أم تتصل (هاتفياً) برئيس عشيرتك قائلاً له : هل تأذن لي بالدفاع عن مالي ؟!!.. طبيعي سيردك متسائلاً مستنكراً بلا تردد ، وبلا وجل .. هل أنت مجنون ؟!.. أم أنت جبان ؟!.. اقتله دون مراجعتي، فدمه مهدور شرعاً وقانوناً دفاعاً عن مالك وعن نفسك .
إذن .. المسألة واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو دليل.
مدير رويترز: ماهي علاقتك بـمقتدى الصدر أو بالآخرين في مؤسسة الصدر ؟..
السيد البغدادي : انا اؤيد الظاهرة الصدرية إذا كانت ضد الامبريالية الاميركية ، واذا أصبحت تساند المشروع الاميركي ، أو تدخل اللعبة السياسية تحت مظلة الاحتلال الاجنبي .. فانا أول من ينتقدها ، ويستنكر توجهاتها .
* مدير رويترز : صرَّح السيستاني البارحة إلى الوكالات العالمية يطالب المعنيين بالإسراع في تحقيق الانتخابات في العراق .. كيف تنظرون إلى ذلك التصريح؟..
السيد البغدادي : أنا قلت مراراً وتكراراً من خلال بياناتي ، ومن خلال خطاباتي أوكد لأهلي وشعبي مادام هنالك احتلال لا يجوز تأليف حكومة انتقالية ، أو صياغة دستور .. هذا على الصعيد الاسلامي ، بل هذا الرأي على صعيد اتفاقية جنيف والقانون الدولي (كذلك)... لا يجوز إطلاقاً .. حتى رئيس جمهورية فرنسا جاك شيراك قال لبوش والادارة الاميركية التي يديرها .. كيف ننخرط مع القوات المتعددة الجنسيات والعراق لايزال بلداً محتلاً!!..
* مدير رويترز : إذا استمرت الحالة هكذا ، أو استمر الاحتلال .. ما رأي علماء الدين في هذه المسألة .. هل تصدرون فتوى جهاد في مقاتلة المحتلين ؟.
السيد البغدادي : انا قد أجبتك عن سؤالك الثاني وملخصه نحن نقاتل الاحتلال ، ونحاول طرده عن بلادنا العزيزة بأي شكل من الأَشكال .
* مدير رويترز : سيدي بصفتك عالم دين .. ولديك قاعدة جماهيرية واسعة متى تعطي فتوى الجهاد في مقاتلة المحتل ؟..
السيد البغدادي : إنَّكَ وقعت في تناقض في سؤالك... قلت لك في اجابتي عن سؤالك السابق : جهاد الكافرين لا يحتاج إلى فتوى فقيه في الجهاد الدفاعي ، بل نقاتل لطرد الغزاة المحتلين دون قيد أو شرط .
* مدير رويترز : رأيك الأَخير حول القواعد الاميركية الموجودة وغيرها .. إذا غادرت هذه القواعدُ العراقَ ، ما هو شكل النظام الذي يحكم الشعب العراقي ؟..
السيد البغدادي : نطالب بدولة تعددية شورية ، وعدم استثناء أي طاقة وطنية .. شعبنا لا ينخدع بالتضليل الأَميركي ، أو الخداع الاميركي .. بأن يشكل (حكومة انتقالية مؤقتة) وتحقيق انتخابات ،كل ذلك تحت مظلة احتلال مباشر في وطن ذي سيادة مستقلة .. انشاء الله تعالى سنطرد الاميركان من خلال المقاومة المشروعة.. وبعد ذلك عندنا خمس خطوات ، وهي كالاتي:
1ـ اجراء انتخابات المجالس البلدية ،وهي تنتخبُ بارادة الشعب، وتعبرِّ عن توجهاته ، وشرائحه المختلفة.
2ـ اجراء انتخابات لمجالس المحافظات تعبر عن طموحات مواطنيها وتطلعاتهم، وتمارس صلاحياتها طبقا لأَحكام القانون، وتتولى تنفيذ الخطة العامة للدولة في حدودها الادارية..
3ـ اجراء انتخابات لجمعية تأسيسية عراقية مهمتها قبل كل شيء صياغة مسودة دستور جديد يطابق المصلحة الاسلامية العليا للشعب العراقي ، ويعبرعن هويته الوطنية الحضارية التاريخية الأَصيلة، بداهة ان يتم ذلك من قبل ممثلي الشعب المنتخبين بوصفه هو تجسيداً سليماً واقعياً لمفهوم التعددية الشورية ، وقيم الحرية وثقافتها، وسيادة القانون في بناء الدولة ، واتخاذ التوصيات والقرارات المصيرية ، وخصوصا أَنَّ صناديق الاقتراع هي الآلية الوحيدة لمعرفة هذه الموازين، لاعبر تسويات ومساومات وصفقات سياسية لصالح اطراف معينة من جهة ، وعلى حساب اطراف اخرى من خارج الدائرة الإِسلامية من جهة ثانية .
4ـ بعد انتهاء صياغة مسودة الدستور يُعْرَضَ على الشعب في استفتاء عام، الاغلبية الساحقة، وتغدو شرعية وقانونية ، واذا لم تحصل على ذلك يجب العودة إلى الجمعية التأسيسية مرة اخرى لاجراء التعديلات الموجبة لذلك .
5 ـ اجراء انتخابات برلمانية قائمة على ضوء الدستور الدائم .. وبوجود البرلمان المنتخب يبدأ وادي الرافدين الاشم عهده المصيري التاريخي الجديد باقامة حكومة جماهيرية تمثل الاطياف السياسية ، والطائفية، والدينية ، والعرقية المتنوعة ــــ تدير دفة الحكم على ضوء الدستور الدائم .
* مدير رويترز : سيدنا.. نرجو من سماحتكم ان تتحملوا اسئلتنا: هل تخشون رجوع صدام مرة أخرى إذا انسحبت قوات الاحتلال من العراق.. وكيف تسيطرون على البلد .. والبعثيون كثيرون في العراق ؟!..
السيد البغدادي : رؤساء الادارات الاميركية السابقة .. خدعونا، وخدعوا شعبنا وأهلنا!! لاسيمَّا بوش (الاب) ، عندما انتفض الشعب العراقي في الخامس عشر من شعبان عام 1991 ، واسقط (14) محافظة، بيد ان الطاغية أُعْطَى له الضوء الأَخضر لإِحباط الانتفاضة، وكان موقفاً مخزياً وخيانياً من بؤش (الاب) ، لأَنَّه هو الذي حث الشعب على إِسقاط النظام اثناء حرب الخليج الثانية ، وحينما تأكد بوش وإِدارته أَنَّ المنتفضين من الإِسلاميين ، وهنا بيت القصيد .. أُجْهِضَتْ المقاومة .. كما أَنَّ البعثيين لم ولن يمتلكوا قاعدة شعبية عريضة ، وانما حكموا الشعب العراقي بالنار والحديد ، والشعب العراقي تواق للحرية ، والعدالة الاجتماعية ، وتكافؤ الفرص بين الشرائح الاجتماعية .
* مدير رويترز : ما هي علاقتكم بـ «المثلث السني»... انتم كشيعة ؟!..
السيد البغدادي: كلمة ( المثلث السني ) ما هي إلا كلمة ماكرة تطلقها الجاسوسية العالمية ، وتؤكدها الإِدارة الاميركية .. أبداً ليس هناك مثلث سني يقاوم وحسب ، بل هناك مقاومة شيعية كذلك في الحلة ، وفي البصرة ، وفي النجف، ولكن هناك تعتيم، ودعاية العملاء والجواسيس البعض منهم من دعاة (الوطنية) موجودون في (مجلس الحكم)... اللاحكم .
لا .. والف لا .. الشعب كله يقاتل... كلٌ بطريقته الخاصة ، ولكن هناك اعلام صهيوني ماسوني يؤكد أَنْ السنة هم الذين يقاتلون، لا... الشيعة يقاتلون في مناطق السنة .. والسنة يقاتلون في مناطق الشيعة .. في هذا الاسبوع كانت مقاومة في مركز محافظة الحلة، وأُحْرِقَتْ بعض الدبابات الأَميركية، تلك القنوات هذا التعتيم على المناطق الشيعية من قبل القنوات الفضائية المشبوهة، التي تصور للعالم كأن الشيعة مع المحتلين ؟!..
* مدير رويترز : سيدنا... كيف تستهدف المقاومةُ المدارسَ؟!..
السيد البغدادي: أَطْرَحُ عليك مسألة جهادية فقهية قبل أَنْ أجيبكَ... عندما نفتح بلداً كافراً حربياً ، واذا نفاجأ في غزونا دروعاً بشرية من الاطفال ، ومن النساء ، ومن الشيوخ ، فقد أذن الإسلام لنا بتصفيتهم في سبيل احتلال ذلك البلد ، وعلى هذا الرأي اجماع فقهاء الإسلام بلا خلاف ولا نقاش، هذا أولاً .. وثانياً: نحن نقاوم المؤسسة العسكرية الاميركية ، والبريطانية ، والاسبانية، والايطالية في العراق ، ويمكن ان نستهدف طفلاً ، أو أمرأة .. صدفة غير مقصودة ، نحن في حالة مقاومة مشروعة ، ونحن لا نكترث بالدعايات المشبوهة بأننا نستهدف المدارس ، والاسواق الشعبية .. هذه مؤامرة مدبرة لتشويه سمعة المقاومة الوطنية الإِسلامية ، وهذه المؤامرة افتعلوها في الجزائر حينَ نجح الإِسلاميون في الانتخابات البلدية ، والتشريعية ، ووصلوا إلى دفة الحكم ، فقادة الجيش الجزائري العلماني أحبطوا هذه الانتخابات النزيهة التي أوصلت الاسلاميين بشكل ساحق إلى سلم القيادة، وهنا بادرت المخابرات الاجنبية ، والسلطة العميلة ، بقتل الاطفال ، والنساء ، والشيوخ.. بحجة أَنْ الاسلاميين هم الذين يقومون بهذه العمليات الإِجرامية كرد فعل بسبب تنحيتهم عن قيادة البلد !!.. في حين ان المقاومة الجزائرية مقاومة اسلامية إنسانية حضارية ، ولم تستهدف الابرياء من الشعب الجزائري، واليوم يحاول الرتل الخامس تشويه سمعة المقاومة الوطنية والاسلامية في العراق .. كتشويه سمعة المقاومة الاسلامية في الجزائر، بأنها بسياراتها المفخخة تستهدف الناس الابرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل .. هكذا يصرح المسؤولون في (مجلس الحكم) ومن ورائهم الإِعلام الأَميركي المضلل ، والله سبحانه وتعالى بوصفه المطلق سينتقم منهم كما انتقم من قوم عاد وثمود وفرعون.. المقاومة الاسلامية المشروعة لا تقتل الابرياء ، بل الاميركان ، وعملاء الاميركان هم الذين يقتلون الابرياء من خلال السيارات المفخخة ، والاغتيالات الجسدية الغامضة .. المقاومة الاسلامية لا تستهدف المتعاونين مع الغزاة المحتلين .. إلا إذا أشهروا السلاح ، أو تجسسوا على تحركاتها التي تستهدف الأَميركان .. إذن المقاومة في العراق شرعية حضارية ضد المحتلين الاميركان .. واليوم سمعت تصريحاً من أحد أركان الادارة الاميركية مفاده نحن لا نخرج من العراق إلا بعد أن يستتب الامن المفقود ، والقاء القبض على صدام حسين، وعلى المتسللين العرب الذين يقومون بالتفجيرات ضد المواطنين العراقيين، وضد قوات التحالف!!..
* مدير رويترز : سيدنا.. إذا حدثت المعركة، وخُيِّرْتَ بين موضوعين.. هل تكون مع جيش صدام .. أم مع الجيش الاميركي ؟.
السيد البغدادي: بالامس القريب سألني المستر كروستوف مدير قناة التلفاز الالماني العالمي هذا السؤال، وأجبت على شريط كاسيت اجابة صريحة... فأرجو الرجوع اليه .
* ما هي الإِجابة يا سماحة السيد ؟..
** بأختصار صدام قبيح ودكتاتور فاشي على شعبه ، وعلى دول الجوار .. أما اميركا فأقبح منه بوصفها عدوة الشعوب ، ومثيرة الحروب .. هي ليست جمعية خيرية إجتاحت العراق لانقاذ شعبه من الظلم والظالمين .. وانما اجتاحته بعد ان شعرت بسقوط صنيعتها صدام بعد ان نفذت كل أغراضه في العراق ، وفي المنطقة ، وربما يأتي البديل الوطني الإِسلامي في العراق بما لا يخدم مصالحها في المنطقة .
وبأختصار المقابر الجماعية كانت بأوامر أميركية .. الاعتقالات الكيفية كانت بأوامر أميركية .. المقاطعة الاقتصادية كانت بأوامر أميركية .. الاعتداء على دول الجوار كانت بأوامر أميركية : لا أقصد الشعب الاميركي، وانما الادارات الاميركية المتصهينة .
* مدير رويترز : نعود ــ سيدنا ــ إلى المقاومة .. لماذا تقوم بقتل الشرطة العراقية ؟.
السيد البغدادي : انا أقول من الناحية الشرعية يجوز قتلهم من جهة، ولا يجوز قتلهم من جهة أخرى .. لان المواطنين العراقيين دخلوا سلك الشرطة بسلامة قلب ، ونية سليمة حينما وجدوا سقوط البنية التحتية للدولة العراقية الذي أوجده الاميركان .
ولكن إذا تعاونوا مع الجيش الاميركي (مثلاً)... إذا اقتحموا بيتاً من بيوت العراقيين في سبيل اعتقالهم ، أو قتلهم، أو الاستحواذ على أسلحتهم هنا يجب الدفاع عن النفس .. أما إذا كان رجال الشرطة يجلسون في مقراتهم، ودخلوا هذا السلك، في قرارة انفسهم، من أجل الحفاظ على أمن البلد من اللصوص، وقطاع الطرق، وينسقون مع رجال المقاومة في سبيل تحرير بلدهم من هيمنة الغزاة المحتلين ، فلا يجوز قتلهم ، والبعض منهم أخذوا إِذناً مني للدخول في هذا السلك من خلال الالتزام بهذه الشروط .
* سماحة آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي... جزاكم الله خيراً وشكراً لكم .