الحوار الثالث مع مجلة «فيض الكوثر» بتأريخ 1 تموز 2003
الحوار الثالث
مع مجلة «فيض الكوثر» بتأريخ 1 تموز 2003
أجرى الحوار الصحافي جهاد ابو صيبع
تقدم الاخ جهاد ابو صيبع رئيس تحرير جريدة «النجف الاشرف» مشكورا يعرض اللقاء الذي دار بينه وبين سماحة السيد البغدادي ، وطلب ان ينشر هذا اللقاء في مجلتنا ، ونحن بدورنا نشكر جهود الاخ ابو صيبع ونقوم بنشر تفاصيل ما دار من حديث.
هو يقترب من الستين من عمره الشريف، دخلْتُ إلى مكتبته العامرة فأذا بي في مدرسة رسالية ثورية ملتزمة، فهو الحفيد الأَكبر لآية الله العظمى الإمام المجاهد السيد محمد الحسني البغدادي (قدس سره ) المتوفى 1392 هـ ــ 1973 م فقيه أُصولي رجالي، متكلم، كاتب ناقد، لا يخطيء سهمه ، يرمي في كل بحث ، ويبدع في كل حديث ، ويحلِّقُ في حواره تحليقا مبدعا يستفزك ويثيرك غزارةَ علم، وقوةَ بيان، ومتانةَ حجة، لم يزل يواصل التدريس والمذاكرة العلمية على طريقته الخاصة ، نال درجة الاجتهاد لمَّا يتجاوز العقد الثالث من عمره، مصدقةً من جده الإِمام المجاهد السيد البغدادي (قده) ، وآية الله العظمى الشهيد الشيخ علي الغروي ، وفيه كرم نفس ، وحسن استقبال، وزهد في الرياء والملق والمصالح الخاصة ، وترفع عن الدنايا في كسب المال وحب جاه، يمتلك عقلية جبارة تستكشف من خلال استقامة نفسه ، وتجاربه السديدة ، ومواجهته الأحداث الجسام بممارسات حكيمة ، وهو شخصية اسلامية جريئة محبة لأَصدقائه الرساليين، شديدة على خصومه اللادينيين، فهو صعب الانقياد، لا تستطيع حركة اسلامية أَنْ تستقيم معه ، ولا حوزة دينية ان تخالطه .. إلا ان تؤمن برأيه وتدين بعقيدته ، بل يصمد لأَحداث الزمن، لا يكترث ولا يضطرب ولو كان في وجهه اكثرية الناس … انه سماحة آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي، نوه عن كتبه وشخصيته مؤلفون وصحفيون عرب واجانب ابرزهم المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، والدكتور عبد الحميد الراضي ، والشهيد السعيد الشيخ علي الغروي ، والاستاذ الكاتب عادل رؤوف كتب الأَخير يقول : «من ناحية ثانية فهو متصد عاش تحديات الداخل العراقي ومشاكله وهمومه والامه وتطلعاته ، ولم يفارقه إلا مكرها مغادرا عنه عبر الأَهوار مشيا على الأَقدام إلى الجمهورية الاسلامية في إِيران التي استقبله أَعلى موقع قيادي ممثلا بمرشدها آية الله السيد الخامنئي ، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين ، كما استقبله حشد كبير من العراقيين المقيمين هناك قواعد وقيادات ، بالإضافة إلى مراجع وحوزات قم المقدسة باعتباره يحمل إِرث عائلة ال الحسني البغدادي ، ودورها الرسالي والجهادي الممتد في جذور تاريخ العراق».
ومن هنا ينطلق سماحته ـ دام ظله ـ في بناء مشروعه الحضاري من منطلقات عدة يكاد يكون اهمها توافق طرحه الفكري، الفقهي ـــ الحركي، مع نظرة رسالية تقدمية ثورية ولعَّل نظرته وآراؤه في بناء مجتمع مدني اسلامي يؤمن بالتعددية والشورية ، وعدم استثناء أي طاقة وطنية اخرى هي المغايرة التي يمتاز بها سماحته ، بحيث يعد سماحته الفقيه الحركي وقرينه الشهيد الخالد السيد محمد الصدر (قده) انه سعى إلى بناء توليفة حركية ثورية اسلامية تأخذ بكل الخصوصيات العراقية في بناء لبناته.
يمكن للقاريء أَنْ سوف يعرف الكثير حين يغوص بين أَوراق افكاره وأُطروحاته بدءاً من «الخطاب الاخر»، ومرورا بـ«ألسلطة والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق»، ووصولا إلى «عودة الوعي»، والكتاب الاخير يناقش ما يسمى بقرار «قانون تحرير العراق» الذي اتخذه الكونكرس الأَميركي، وملايين الدولارات التي رصدت من أجل اسقاط نظام الطاغية صدام .
وبعد عودة سماحته ــ دام ظله ــ إلى احضان بلده كان لـ «الكوثر» هذا اللقاء معه .
* ما هي الأَسباب التي دعت سماحتكم إلى مغادرة البلاد؟ هل هي ضغوط عفلقية ام انتماءات حركية ؟
** السبب الرئيس لمغادرة الوطن الحبيب أنني قد اسست حركة اسلامية ثورية حديثة بواقعها الجديد وتسميتها الجديدة ، تأسست مباشرة بعد اجهاض الانتفاضة الشعبانية عام 1991 م وأَعلنَتْ عن نفسها في ليلة الخامس عشر من شعبان عام 1994م ، وكان السبب في هذا التشكيل هو غياب القوى والاحزاب المعارضة في الساحة العراقية لمناهضة نظام الطاغية المهزوم صدام في حرب الخليج عام 1991 م ، وهجم رجال الأَمن على منزلي ومكتبي لإِلقاء القبض علي بسبب ايوائي مقاتلي الأَهوار والتنسيق مع مجاميع افواج الرفض والمقاومة (الجناح العسكري) لحركة «الاسلاميين الاحرار»، وعند سماعي نبأ الهجوم التقينا انا وصاحبي ابو عادل (فارس الحاج حسين ابو صيبع) في بغداد ، فكرت في الأمر ملياً، فتوصلت إلى أنَّ خروجي اصبح واجبا علي وإِنْ كنت دائماً أَرفض بأصرار وعناد مغادرة الوطن الحبيب العراق، ارض المعركة الفاصلة مع العفالقة، على الرغم من الترهيب الذي يزداد يوماً بعد يوم فقررت أَنْ أَنتهز الفرصة للمغادرة متوجها إلى الجمهورية الاسلامية في إِيران.
*ماهي رؤيتكم عما يمر به العراق الآن من تداعيات خطيرة ؟
** هناك حقيقة واقعة لا تحتاج إلى تفسير، وهي أَنَّ ما يمر بنا لا يستهدف وادي الرافدين وحده، وما هو إلاَّ بداية لتدمير العالم الإِسلامي ، وفي مقدمته الوطن العربي، وعلى مراحل، وتقسيمها إلى كيانات مذهبية وعرقية وعنصرية متناحرة تضمن بقاء (الكيان الصهيوني) الذي يخوض حرب ابادة ضد الشعب الفلسطيني الأَعزل الرازح تحت نير الإِحتلال، كما تفرض أَمركة العالم ، والحيلولة دون عودة الامة إلى الإسلام كشريعة ونظام ودولة بعد فشل الآيديولوجيا المعاصرة .
* وما المطلوب منا في هذه المرحلة حسب رأي سماحتكم ؟
** المطلوب هو انقاذ الشعوب المستضعفة من الاستكبار والكفر العالمي، وبخاصة تمكين شعبنا وأَهلنا من التحرر والخلاص ، وان يقرر مصيره بنفسه، وتشكيل دولتنا الإِسلامية بجهود كافة القوى والواجهات السياسية الوطنية في الساحة العراقية، ورفض الوصايا الاجنبية التي هدفها التسويق وفرض اشخاص وفئات لم تكن في الحسبان، ولم يكن لها في يوم الايام أي صلة بكفاح الشعب العراقي ضد الدكتاتور (صدام)، هي اليوم تتحين الفرص لمصادرة هذا الكفاح .. مقابل ان تكون هي المشاركة في بناء مستقبل العراق .
**إذن ما هي الوسيلة البناءة التي ترونها لتشكيل الحكومة الإِنتقالية في العراق ؟
** أولاً وقبل أي إجراء يجب طرد المحتلين الأَميركان والبريطانيين .. ويجب ان تكون الحكومة الإنتقالية العتيدة بعيدة كل البعد عن الاملاءات والضغوط الاميركية ومن خلال انتخابات تعددية شورية ، وعدم استثناء أي طاقة وطنية عراقية مخلصة .
* شكرا لسماحة السيد البغدادي على هذا اللقاء …
** شكرا لمجلة «فيض الكوثر» التي كنت اتابعها وأَنا في سوريا، وانا من اشد المعجبين بها، وأرى منها اخلاصاً لمنهج محمد ( ص ) واهل بيت محمد ( ع ) .