الحوار الثاني مع الصحفي عبد الله السيلاوي بتاريخ 25 حزيران 2003م
الحوار الثاني
مع الصحفي عبد الله السيلاوي بتاريخ 25 حزيران 2003م
السيلاوي : نلتقي مع السيد المجاهد آية الله أحمد الحسني البغدادي بعد عودته من المهجر .. وكان هذا اللقاء الحواري نظرا للظروف الاستثنائيةالتي يمر بها العراق ( حاليا ) ، ودور سماحته في هذه الظروف وقبلها حينما كان النظام الصدامي يحكم العراق كان معارضا عنيدا ( فأهلا وسهلا) .
في جعبتنا اسئلة عديدة نريد ان نعرف من خلالها دوركم الرائد الذي قمتم به منذ فترة طويلة في عهد النظام البائد ، ولكننا الان في هذه الفترة العصيبة لدينا بعض أسئلةٍ نود طرحها على سماحتكم:
السيلاوي: دخلت القوات الأميركية العراق تحت ذريعتين: الاولى اسلحة الدمار الشامل، والثانية اسقاط النظام الصدامي، ولكنها بعد السيطرة اعلنت احتلالها العراق ، وعدم تشكيل حكومة وطنية مستقلة ، فما رأيكم في ذلك ؟..
السيد البغدادي : بسم الله الرحمن الرحيم... في البدء المسألة واضحة عند شعبنا واهلنا، وهي أَنَّ الادارة الاميركية لا تستهدف العراق وحدة، بل تستهدف المنطقة برمتها وفي مقدمتها سورية وايران بوصفهما تدعمان حزب الله في لبنان، لا زالت لهما مبادرات ثورية في مواجهة المؤسسة العسكرية الصهيونية وطردها من ارض لبنان .. في الوقت الذي نجد كل الحروب العربية التي استهدفت دولة «اسرائيل» بدءاً من عام 1948م، ومرورا بانتكاسةً الخامس من حزيران عام 1967م ، ووصولا إلى حرب تشرين عام 1973م التحريكية .. وإِنْ كانت معركة تشرين حققت نوعا ما بعض الانتصارات.. إلا انها كانت مقدمة لتنازلات لصالح الكيان الصهيوني كأتفاقيات كامبديفد ، وبلا نتيشن وغيرها ... ويعد انتصار حزب الله الذي هزم هذا الجيش الذي لا يقهر كما يزعمون، ومن هنا تحركت الادارة الاميركية ومن ورائها اللوبي الصهيوني ، بهذه السرعة المذهلة ، وبهذا السيناريو تحقق احتلال العراق.
السيلاوي: إذن هذه الأَحداث كانت مقدمة لما يحدث الان؟..
السيد البغدادي: نعم، كانت مقدمة لسن قانون تحرير العراق عام 1998م ، وقبل سن هذا القانون السيء الصيت، كانت حرب الخليج الثانية لغزو الكويت كبداية .
السيلاوي: هل كانت الولايات المتحدة الاميركية على علم وبصيرة بهذه الحرب ، ام انها جزء من السيناريو؟..
السيد البغدادي : ما في ذلك ريب لهم علم بذلك .. حتى الحرب العراقية الايرانية لهم علم بها ، وجعلوا صداماً شرطي الخليج بدلاً من شاه ايران المقبور .. وهي لعبة صهيونية ــ صليبية للقضاء على الثورة الاسلامية الفتية في ايران بقيادة السيد الخميني .. ومن هنا المسألة، يا اخي، لا تحتاج إلى تفسير ودليل هي: إِنَّ صداماً (باختصار) هو صنيعة المخابرات المركزية الاميركية ، بل حتى ما يسمى بقانون تحرير العراق ما هو الا سيناريو بين صدام والإِدارة الاميركية بهدف احتلال العراق ، ومن ثم اسقاط النظام التقدمي في سوريا ، واسقاط النظام الإِسلامي في ايران .. كمقدمة لهزيمة حزب الله بوصفه حزبا ارهابيا كما يزعمون، هذا بحسب الظاهر ؛ ولكن هم يضمرون أَطماعا توسعية إمبريالية تستهدف إحتلال الوطن العربي والعالم الاسلامي وتفتيته إلى دويلات عرقية ومذهبية وعنصرية هنا وهناك، في سبيل إِبقاء الكيان الصهيوني دولةً قوية تهدد أمن المنطقة، لكنِّي أقول إِن مسألة اسقاط صدام في حرب الخليج الثانية .. ما هي إلا مسرحية بدليل عدم سقوط نظام صدام ، بل طبقوا نظرية الاحتواء المزدوج وهي اضعاف نظام صدام في المنطقة من جهة، واسقاط المعارضة واحتوائها من جهة اخرى، تحقق لهم بالفعل ما يصبون اليه.
السيلاوي : وهل المعارضة عندما أشتركت مع القوات الاميركية الغازية .. هل لها قدرة وكفاءة على الاستغناء عن الاميركان في اسقاط النظام؟..
السيد البغدادي : هذه المعارضة (في رأيي) ما هي إلا اداة من ادوات المخابرات الأميركية والبريطانية، وقليل منهم يمتلكون قناعات وطنية، في تصورهم إِن صداماً لم يكن دكتاتوراً وحسب، بل كان فاشياً .. والفاشي لا يسقط إلا عن طريق عمليات عسكرية ضخمة ، ومن ثم يزعم هؤلاء أَنهم بعد سقوط الطاغية يثورون ضد الغزاة المحتلين ، ولكننا قلنا اكثر من مرة ، وفي أَكثر من اجتماع مع البعض منهم يجب اسقاط النظام عن طريق المعارضة الوطنية والاسلامية ويجوز لها ان تستعين بأي جهة أو دولة تساعدهم على اسقاط النظام ، ولكن لا يسوغ من وجهة نظر اسلامية ان تأتي على ظهر دبابات اميركية لاحتلال الوطن ، مع ما تملكه في الداخل من خطوط وقواعد عريضة يمكن لها الاستعانة بها بعد دعمها بالمال والجند والسلاح والقادة الميدانيين.
السيلاوي: إذن انتم لا توافقون على اجتياح القوات الاميركية الأراضي العراقية ؟..
السيد البغدادي : نعم ما في ذلك ريب ، بل أصدرت بياناً رساليا ثوريا بعد ًالغزو الغاشم بنصف ساعة ، وناشدت شعبي واهلي التصدي لهؤلاء الغزاة الطامعين اولاً .. وبعد ذلك يوجهون بنادقهم المقاتلة نحو اسقاط نظام الدكتاتورية الصدامية، ثم تقام الدولة التعددية الشورية الوطنية المستقلة ، هذا هو الطريق المستقيم للوصول إلى شاطيء السلامة .
السيلاوي : نفهم من خلال حديثكم أَنَّ نظام صدام حسين لم يسقط (الآن) في رأيكم ؟..
السيد البغدادي : من وجهة نظر إِسلامية عندنا قبيح واقبح، فصدام حسين قبيح، وقد انتهى نظامه المستبد .. وعندنا اقبح منه وهي الادارة الاميركية المتصهينةُ ، ووكلاؤها من المعارضة العراقية.
السيلاوي : ما هو دور القيادة الدينية في مثل هذه الظروف الاستثنائية في توجيه القواعد الشعبية لمعالجة هذه الازمة ، والوضع السياسي الراهن ؟..
السيد البغدادي : قيادة المؤسسة الدينية تنقسم إلى قسمين : قسم لم ولن تتدخل في الشؤون السياسية، وطبيعي أنَّ هذه طامة كبرى ، لأَن السياسة هي الدين ، والدين هو السياسة ، ومن وجهة نظر شيعية إِمامية: اصول الدين خمسة منها «الإمامة» والإِمامة معناها : خلافة الإمام علي امير المؤمنين واولاده المعصومون ومن بعدهم الفقهاء(1) العاملون لقيادة الأُمة كل الأُمة.. إذن من ينكر الامامة كافر، لأَنَّ الإِمامة هي إِقامة الدولة الاسلامية وتسيير دفة الإِدارة والحكم .. والقسم الآخر : يريد ان يتدخل في امور السياسة من خلال الوصول إلى تحقيق الحكومة الاسلامية .. لذا نجدهم الان يطالبون بخروج المحتلين الغزاة من خلال استراتيجية دعم المقاومة المشروعة ومساندتها هذا اولاً ، وثانياً أَصدرتُ فتوى شرعية في مقاومة المحتل على مراحل ثلاثٍ وقبل تحقيق هذه المراحل نجذِّر الحس الوطني والرسالي الثوري بين أَهلنا وشعبنا باعتبار أَنَّ البعض منهم يعتقدون أَنَّ اميركا اجتاحت العراق لإِنقاذهم من الدكتاتور المستبد وكأنها جمعية خيرية ـــ مع الأَسف المرير ـــ ونسوا أو تناسوا أَنَّ الولايات المتحدة الأَميركية متصهينة، وتؤمن بالعولمة الرأسمالية المتوحشة ، طبعاً لا اقصد الشعب الاميركي ، وانما أُقصد الإِدارات الأَميركية بوصفها إمبريالية، وهذه الجيوش الجرارة لن تخرج من العراق ابداً ، ولابد ان يكون لها قواعد عسكرية ، وعملاء يتظاهرون بالوطنية تنفذ القرارات السياسية عبر أَنظمة فوقية تصادر الحياة السياسية بأنظمة الطواريء ، واجهزة القمع الإِرهابية ، أو تهديد داهم بتفكيك المجتمع ونسيجه المتكامل إلى كيانات عشائرية وعرقية وإِثنية ومذهبية تحت شعارات الإِصلاح ، والدفاع عن حقوق الإنسان ، وهؤلاء العملاء المحترفون الذين يتظاهرون بالوطنية والقومية والإِسلامية لهم حسابهم الخاص عند الله الواحد القهار ، وعند الشعب، كل الشعب، بل البعض من هؤلاء كان يتمنى أَنْ يبقى النظام الصدامي حتى لا تقطع مخصصاتهم من الدول الإِقليمية ، ولكن عندما انتهت أُوراقهم الصفراء بدأوا يتساقطون وراء (سي . آي . أي) الأميركية كما يتساقط الذباب على القمامة ، ويطالبونها بإِسقاط النظام بأي صورة من الصور .
السيلاوي : الملاحظ ان أي مرجع ديني لم يقدم حتى الآن، مشروعا سياسيا للعراق ..فما هو تعليقكم على ذلك ؟..
السيد البغدادي : لا مرجعيةَ حركيةً ثوريةً عندنا حتى تطرح المشروع السياسي المستقل لهذا البلد الأَعز.. لنا رأي في أُطروحة المرجعية الشيعية، وقد كتبت عنها شيئاً كثيراً، وكذلك كتب عنها غيري كثيرون، ووضعت لها اسساً علميةً وحلولاً عقلانية هدما وبناء وتقويماً وتشييداً، ولذا انا اوجه ندائي إلى شعبي وأهلي الاَّ يعتمدوا بشكل مطلق على توجيهات المرجعية الدينية في القضايا المصيرية ولعلَّها لا تمتلك خبرة حول المستجدات على الساحة الاقليمية والعالمية ، بل يجب على الشعب العراقي ان يطالب المرجعية المتصدية بتأليف قيادة من فريق من الكفاءات العلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للتشاور والتنسيق .
السيلاوي : كان لكم دور رائد في إِثارة المشاعر ضد النظام الصدامي في القنوات الإِعلامية المتعددة، منها تأليف الكتب واللقاءات الخاصة لفضح هذا النظام بين الأَمة الاسلامية .. فهل لكم، ياسماحة السيد المجاهد، أَنْ تطلعونا على قراءآتكم الفكرية وأدواركم الجهادية التي توارت عن كثير من العراقيين بسبب تعتيم النظام عليها؟..
السيد البغدادي : في الحقيقة.. كنت في ريعان شبابي أقرأ فكر الحركات الاسلامية في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، وبخاصة فكر «الاخوان المسلمين»، وحزب التحرير ، وعلى هذا الأَساس انخرطت في تنظيمات «حركة الشباب المسلم» ولمَّا اتجاوز العقد الثاني من عمري، وهي أُول منظمة شيعية إِسلامية أُسست في العراق، تؤمن بتحقيق المجتمع الإِسلامي والدولة الإِسلامية، قرأت كذلك الفكر الماركسي(2) وبخاصة : البيان الشيوعي لماركس وأنجلس ، وأَعمال لينين زعيم ثورة أُكتوبر الاشتراكية ، وعن تاريخ قادتهم مثل : لينين ، وماو * ، حتى أَنني عندما اناقش بعض اليساريين ــ الذين ينظرون إلى عالم الدين على أنه رجعي متخلف ــ حول الاستضعاف ، والاستكبار، والاستحمار ، وخطورة الطواغيت الاقتصاديين والإِقطاعيين، والجواسيس المحليين والعالميين ، وأُدافع عن مكتسبات العمال والفلاحين ... استشهد أثناء حديثي بمقولات هؤلاء القادة والمفكرين ، فأرى البعض من اليساريين لا يستسيغ هذه الاستشهادات مني، أو هذه المصطاحات من أَفكارهم بوصفي عالم دين ، لهذا كتبْتُ كتباً حركية اسلامية لأَنَّ الأَجواء الحوزوية النجفية أَطَرتْ الطالب الحوزوي في دراسة الفقه والأَصول فقط، وحالت بينه وبينَ الثقافات الجديدة التي تجتاح العالم الاسلامي إلى أَنْ ذهب الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلى أبعدَ من ذلك في خطاب المحنة ناقدا الفقة والأَصول وقال بسعة العقل والفكر، ولم يقف عند حد تحريك ضمير الطالب الحوزوي وإحساسهِ بما تعاني منه الامة من مشاكل .. بل أَكَّدَ كذلك أَنَّ دراسة علم الاصول من خلال المعنى الحرفي والمعنى الاسمي ، وطرد الحدود، ونقض الحدود، والمشتق وغيره لا نجد فيه ثمرة علمية مفيدة، وليس له أي علاقة باستنباط الأَحكام الشرعية، واذا سألت احدهم: أَيجوز شرعا وعقلاً أنْ تبقى الدراسة الحوزوية بهذه الطريقة اللاموضوعية واللاعقلانية؟ يجيب على سؤالك: لكي نوسع فكر الطالب الحوزوي .. إذا كان الامر كذلك، فيجب أَنْ يدرس علم الكلام ، وفيه مسائل عويصة ومعقدة تفتح الذهن والعقل إلى آفاق بعيدة ، وفي الدفاع عن المبدأ والايمان والعقيدة، كالتوحيد والإِمامة .. إذن دراسة بعض مباحث الأَلفاظ ما هي إلا ترف عقلي ليست فيها ثمرات علمية (كما قلت)، بل فيها مخالفات شرعية تجعل الطالب الديني الحوزوي يعيش في التيه المظلم بلا دليل، تراوده الشكوك في العقيدة والشريعة، ويبقى سنوات عديدة لا يحصل على مبتغاه الاجتهادي في الوقت الذي نجد الطالب الاكاديمي يدخل الجامعة، لفترة زمنية محدودة فيحصل على مبتغاه العلمي ويخدم وطنه، كالطبيب والمهندس ، وهذا بخلاف الطالب الحوزوي الذي ينخرط في الحوزة الدينية ويبقى ستين عاما (ولستُ مبالغا) وهو لايزال طالب علم متفقه لافقيها بارعاً، بل تجده جاهلا مركبا يزعم انه فقيه وبالتالي يكون منافقا أو مرتزقا أو مشبوها يؤدي دورا خطيرا في تسقيط بعض الفقهاء الرساليين الثوريين ، والتشهير بهم من قبيل : هذا ليس مجتهدا ، أو هذا ليس عاقلاً ، بل حكومياً عميلاً للسلطة يؤدي دورا لتشويه خط اهل البيت ( ع ) ، بيد ان هذه التحركات المشبوهة مكشوفة عند اهل البصيرة التاريخية ، ولنكن صرحاء: إِذا كان (هذا الحوزوي) همه تشييد الدين ، وخدمة شريعة سيد المرسلين محمد ( ص ) لهاجر إلى وطنه ، ومن ثم يؤدي وظيفته الشرعية الملقاة على عاتقه على حسب مايرام.
وهنا مسألة في غاية الخطورة وهي : مسألة تقليد المرجع الأَعلم وتشخيص (الأَعلم) في غاية العسر والحرج .. نعم قد يكون هناك من بين احد المتصدين من هو «أعلم» على نحو الثبوت ، ولكن على نحو الاثبات لا يمكن تشخيصه لان أَدعياء الاجتهاد والأَعلمية لاينحصرون في العراق وحسب ، بل هم موجودون في إِيران ولبنان، ولا يمكن بأي حال من الاحوال تحقيق حساب الاحتمالات وعملية الاستقراء مع هذا المرجع أو ذاك، ثم إِطلاقات الأَدلة وعموماتها تؤكد الرجوع إلى الرواة دون تعيين الأَفضل أو الأَعلم، ثم نحن في حاجة ضرورية ملحة للبحث عن الفقيه الحركي الرسالي الذي يؤمن بتحقيق المجتمع الإِسلامي والدولة الإِسلامية العالمية ، اما إذا كان فقيها لا يتصف بهذه المواصفات فلا يجوز تقليده والانقياد له حتى لو كان أعلم العلماء ــ على ما ارى ــ وقد كتبنا بحثا فقهيا (مشتركا) تحت عنوان : «فقهاء وحركيون بين الثورة والسكون» وكشفنا الحقيقة الضائعة حول مسألة تقليد الأَعلم بوصفها كلمة حق يراد بها باطل .
اما مسألة الإِجابة عن الدور الجهادي الذي قمت به، الذي توارى على كثير من العراقيين (كما قلت) بسبب تعتيم النظام ، فقد بادر رئيس المركز العراقي للاعلام والدراسات إلى كتاب يكشف الادوار الجهادية التاريخية التي قمت بها يمكنكم الرجوع إليه واسمه: «السلطة والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق... حوار صريح مع سماحة آية الله أحمد الحسني البغدادي».
السيلاوي : ما هو رأيكم في نظام الحكم الذي يقود الشعب العراقي نحو شاطيء الأَمان بعد هذا الخراب والدمار .. هل هو نظام جمهوري اسلامي ، ام فيدرالي ، ام ملكي ؟..
السيد البغدادي : انا قلت رأيي منذ البداية من خلال أَحاديثي، ومن خلال بياناتي التي اصدرتها بأسمي تارة ، وبأسم مكتبي في دمشق وفي النجف الأَشرف: إِنِّي أُريد تحقيق الدولة الاسلامية في العراق ، بيد اني اقول للشعب العراقي من خلال الانتخابات الجماهيرية ماذا تريدون؟ وماذا تختارون ؟.. نحن معكم.. أَتريدون جمهورية اسلامية ، ام ملكية دستورية ، ام دولة علمانية ؟.. وعلى ما ارى أَنَّ الشعب العراقي يختار الدولة الإِسلامية بوصفه متديناً بالفطرة، وبوصفه عاش معاناة الاستبداد ، وزيف الشعارات البراقة ، ومأساة التجربة الفاشلة للدولة الليبرالية الملكية الدستورية ، وللدولة الاشتراكية العربية .. كل ذلك بعد خروج المحتل الاجنبي من الوطن الأَعز .
السيلاوي : إذن لا يمكن تحقيق هذه الطموحات إلا بعد خروج المحتل ، ولا يجوز له التدخل في هذه القضايا المصيرية ؟..
السيد البغدادي : نعم، لا يمكن تحقيق ذلك إلا بعد طرد الغزاة المحتلين عن تراب أَرض الوطن الأَعز، وبعد ذلك نحقق السلطة الشرعية ذات السيادة المستقلة غير المنقوصة على الشعب العراقي .. وبالتالي يتم هذا المشروع من خلال خطوات رئيسية ابرزها: اجراء انتخابات لجمعية تأسيسية عراقية مهمتها قبل كل شيء عملية اعداد كتابة وصياغة دستور جديد بما يطابق المصلحة الإِسلامية العليا للشعب العراقي ، ويعبر عن هويته الوطنية الحضارية التاريخية الأَصيلة، ولابد أَن يتم ذلك من قبل ممثلي الشعب المنتخبين بوصفه هو التجسيد السليم الواقعي لمفهوم التعددية والشورية، وقيم الحرية وثقافتها، وسيادة القانون في بناء الدولة، واتخاذ التوصيات والقرارات المصيرية .. وخصوصا أَنَّ صناديق الاقتراع هي الآلية الوحيدة لمعرفة هذه الموازين، لا عبر تسويات ومساومات وصفقات سياسية لصالح أَطراف معينة من جهة، وعلى حساب أَطراف اخرى من خارج الدائرة الاسلامية من جهة ثانية.. وبعد الانتهاء من صياغة مسودة الدستور يجري عرضها على الشعب لاستفتاء عام، واذا اصبحت مقبولة من خلال الاغلبية الساحقة يؤخذ بها، وتغدو شرعية وقانونية ، واذا لم تحصل على ذلك يجب العودة إلى الجمعية التأسيسية الوطنية مرة اخرى لاجراء التعديلات البرلمانية القائمة على ضوء الدستور الدائم، وبوجود البرلمان المنتخب يبدأ العراق عهده المصيري التاريخي الجديد بإقامةِ حكومة جماهيرية تمثل الأَطياف كلها تدير دفة الحكم على ضوء الدستور الدائم .
السيلاوي : كلمة قصيرة توجهها إلى شيوخ العشائر العراقية في هذه الظروف الاستثنائية ؟.
السيد البغدادي : وصيتي إلى ابنائي من قبائل وعشائر وادي الرافدين الاشم الواجب الشرعي يحتم عليكم ألاَّ تتورطوا في العصبية العشائرية المحرمة، وأَلاَّ تتقاتلوا فيما بينكم ، وان تتمسكوا بالعمل الصالح والتقوى والتواصل مع الله بالحضور الوجداني ، والتجلي المثالي، والحب الاختياري للواحد الأَحد، هذا هو ندائي في ظل الإِحتلال الأَجنبي ، وهذا نداء لا ضير فيه يقبله العقل بما هو عقل، ومحور هذه الوحدة هو يجب عليكم ان تنقذوا ثرواتكم الطبيعية من مخالب العولمة الاميركية المتصهينة المتوحشة، ويجب عليكم أَنْ تستيقظوا من سبات الانتظار الموعود، بلا عمل، وبلا تضحيات، ومن اخطبوط الرتل الخامس المترامي الأَطراف، وحرروا أَنفسكم وأَعراضكم من المحتل الاجنبي، وأَعدوا له ما استطعتم من قوة، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ووحدِّوا صفوفكم تحت راية التوحيد والرسالة والقرآن .
السيلاوي : ماذا يعني لك الشهيدان الصدر الأَول والثاني .. وهل كان واجبا شرعيا ان يخرج الشهيدان من الإِطار المرجعي التقليدي السائد؟..
السيد البغدادي : رأيي في الشهيدين الصدرين (رضوان الله عليهما) من خلال تساؤلات وجهت إليَّ عندما كنت لاجئاً سياسياً في سوريا على شريط كاسيت قبل سقوط النظام البائد بثلاث سنوات، أَجبْتُ بصراحة متناهية على كل الاسئلة التي وجهت إليَّ عن شخصية الشهيد الخالد السيد محمد الصدر .. وقبلها أَلقيْتُ محاضرة على حملة من حملات الحجاج الكرام في مكة المكرمة العام 2000م وكشفت مظلومية الشهيد الصدر الثاني بسبب السؤال الذي وُجِهَ إليَّ بالحرف الواحد: هل كان الشهيد محمد الصدر مرشح السلطة ام لا؟ وقد قدموا هذه المحاضرة المسجلة إلى احد رموز المعارضة وكان في حينها يؤدي فريضة الحج وعندما سمعها تألم من الصراحة التي وجدها عندي .. بسبب ذكر بعض الاسماء التي حاربت السيد الشهيد وظاهرته الاصلاحية، بيد انه بادر إلى عقد ندوة مفتوحة على بعض حجاج بيت الله الحرام ، وتكلم (ناقدا) شخصية الشهيد الصدر الثاني ، وقال لهم إِنَّه هو مرشح السلطة بــ(التأكيد)، واستدل بمفردة هي: إِنَّ السيد الصدر ــــ ولم يقل الشهيد ــــ لقد كان في ضمن وفد رسمي عراقي توجه إلى الجمهورية الإِسلامية قبل نشوب حرب الخليج الثانية بفترة زمنية قصيرة برئاسة عبد الله فاضل السامرائي وزير الاوقاف والشؤون الدينية قدم الشكر الجزيل للحكومة الايرانية لمساعدة الشعب العراقي... ماذا تقولون عنه.. هل هو نزيه غير حكومي؟ نتيجة هذا الطعن غير الشرعي في الشهيد الصدر الثاني قامتْ ضجة بين العراقيين ضد هذا الرمز المزعوم ، وقد طلب مني الحجاج الكرام من رموز المعارضة العراقية إِلقاء محاضرة لتفنيد هذا الاتهام الباطل، فأَعطيتهمْ موعداً ، إلا ان ابا حسنين([18]) قال لي بالحرف الواحد : «سيدنا... انت صريح إلى ابعد الحدود... وليس الآن وقْتُ هذه المحاضرة الناقدة» فاستجبت له شاكرا، وقد حاضر هذا الرمز في مكان اخر بعد أَنْ وجد أَنَّ الضجة لم تكن لصالحه، فعقد ندوة جديدة واعتذر ما صدر منه من تجريح لشخصية الشهيد الصدر الثاني، وصرح قائلاً: إِنَّ السيد محمد الصدر كان صديقا ، وقد حضرنا معاً درس السيد الشهيد محمد باقر الصدر، فأرجو الاعتذار عمَّا صدر مني بالأمس .
السيلاوي : نشكر سماحة آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي ــ مع انقطاع التيار الكهربائي طيلة فترة هذا الحوار ــ فنعتذر ان كان هذا اللقاء احدث لسماحتكم مضايقات، وشكرا على إِتاحة الفرصة لمقابلتكم والسلام عليكم.