صاحبُ السماحة.. طالب السنجري

صاحبُ السماحة
طالب السنجري
في بيئة كالنجف، وفي مجتمع فوضوي قلق وله خصائصه، وفي حوزة علمية لها أجواء تنفرد بها .
وفي الصحن الحيدري أئمة متعدّدون لصلاة المغرب والعشاء، وليس إماماً واحداً، وكان منهم الإمام البغدادي .
ولقد كنتُ من حمائم الحرم العلوي، اللّائذين بجوار علي بن أبي طالب، فكان لابدّ من الإقتراب لمتواضع، وربّاني، وعلى طبيعته .
فأصلي في بعض الأحيان خلف الإمام البغدادي، وبعدها أقبّل يده، وأنصرف لمدرستي .
لقد كان فقيهاً مليئاً بشهادة الأكابر، ولكنّه كان شعبياً متواضعاً ولهذا يجتمع حوله العامّة من الناس، لأنّه يحسن أن يكلّمهم بلغتهم .
وهكذا قادت عائلة "الحسني البغدادي" العقليات بالتزام دينها .
وخلف من بعده رحمه الله في إمامة الجماعة حفيده الفقيه السيّد "أحمد الحسني البغدادي" وشغل مكان جدّه بالفقاهة هو وكذلك أخوه الفقيه السيّد "علي الحسني البغدادي" وبهذا بقي الإمام البغدادي بهما، وبتراثه العلمي، وبتأريخه حيّاً .
ولم يتخلّف الإثنان عن التوجّه الثوري، أو عن الخطّ بكلّ تفاصيله العلمية الإجتهادية، أو الشعبية عمّا كان عليه جدّهما رحمه الله .
ولأنّه مرجعاً "عربياً" فلم يتقن تشكيل بطانة تصنع جذع النخل مرجعاً، أو تجمع له المال بطرقها الخاصّة .
ولهذا عاش مرجعاً ولكن يصعب عليه أن يوفّر لقمة العيش لعياله، وهم بجنب عوائل اُخرى كانت أباطرة .
ولقد ورثت هذه العائلة الشاهقة تلك الحالة ليومنا هذا ويسجّل لها فهي في قائمة الشرف، والعزوف عن الدنيا، كيف لا؟ ونحن بجوار من طلّق الدنيا ثلاثاً لا رجعة له فيها سلام الله عليه .
وتمتدُّ علاقتي بهذه العائلة منذ سبعينيات القرن المنصرم، وعشتُ الهموم بتفاصيلها مع أخي الكبير السيّد أحمد الحسني البغدادي فهو أحد الأمثلة في العفاف بجنب روحه الثورية، وفي النقد والتحليل بجنب حراجته في الدّين، وفي مجالسة الكبار وحوارياته معهم بجنب ميله للغلابة من الناس، وتلمّس حاجياتهم .
تعرّض للتهميش، وللإستقصاء، والتجويع، وللمطاردة فلم يتراجع خطوة الى الوراء، واُستهدف ضمن الأصوات الحرّة التّي اُستهدفت معنوياً، ومادياً فبقي متحدّياً .
ولقد عاصرت تلك الحالات، ونحن شريكان على هذا الطريق، ممّا أفاض ذلك على روحي الإطمئنان، والى أفكاري الوثوق .
أجل قد نختلف في رؤية ما، ولكن تبقى قلوبنا تنبض بالمحبّة .
زرته في بيته بعد فراق دام طويلاً، وإن كان تواصلنا مستمّراً عبر التليفون، ووسائل التواصل .
فأخذني بالأحضان، وأشعرني بالحنو، وبقيم الإخوة .
وبدأنا وكأنّنا (مخاتير محلّة) فكلانا يختزن منظومة تواريخ، نقلّب المواجع، ونستدعي الأحداث بحرقة، ونستذكر المواقف بألم .
لقد كانت زيارتي لصاحب السماحة سياحة، وسماحة، ولقد حضرت الشجاعة، والصمود، والعفاف، والفقر المادي، والغنى المعرفي، والفقاهة، ورسالة الحرف، وحريّة مانكتب عند هذا اللّقاء .