الفقيه أحمد الحسني البغدادي ونقد العقل الديني

الفقيه أحمد الحسني البغدادي
ونقد العقل الديني
أَعترف أَني هجرت القراءة منذ عقد من الزمن لأَسباب يمكن فهمها! ورحت أكتب مؤلفاتي في مجال إختصاصي بين تاريخ الحضارات وأشكال الإنجازات البشرية، بَيْدَ أني لم أنشر على صفحات الفيس بوك ووسائل الإتصال التي أتابعها بعض الأحايين.
من هنا، تم لقاؤنا على موعدٍ نحن الثلاثة أنا والدكتور علي طه بديوي العلواني والأستاذ ماهر الشمري (أبو جمال شافاه الله تعالى) لتحقيق تلقائية وحميمية وحرارة عفوية ذلك اللقاء التاريخي الممتع في حضرة آية الله العظمى السيد أحمد الحسني البغدادي حفيد سماحة الإمام المجاهد السيد البغدادي (ت١٣٩٢هـ - ١٩٧٣م) ولم تنته ساعات طوال ذلك اللقاء الأخوي فقط بالتقاط صور تذكارية _بل أهدى لنا موسوعته الإسلامية بمجلداتها العشرة الضخام: «تأصيل معرفي بين الثورية واللاثورية هكذا تكلم أحمد الحسني البغدادي» و«تفاسيره المعرفية والثقافية والفكرية الستة».
ومن هنا، وقع نظري على إحدى مؤلفاته المثير للجدل الموسوم: «نقد العقل الديني أديان الأرض... ودين السماء» أَثار لي الفضول لقراءته لمدة ثلاثة أيام متتاليات، الذي أَنحني أمام جلالة قدره وذكر اسمه لأني لمست فيه الصراحة والجرأة في مؤلفه الإستثنائي المتجدد، الذي يبعث على الوحدة والتوحد والخلاص من سموم التفرقة والعداوة والحقد والانتقام! أعترف جزماً كإنسان يعتز بمسير الحياة التي جعلها الله تعالى حق مثلما الموت حق. إلا أني وأنا أنتهي من قراءة هذا الكتاب القيم.
إن هذا الآية العظمى لم يرغب أن يكتب عن حياته الذاتية بل جعلها جولة معرفية وثقافية وفكرية وسياسية ترفع رايةالتغيير الرسالي الثوري، وتبث الخطاب التنويري الرقمي المتغلب على الخطاب المفاهيمي التعميمي المجرد عبر محطات سلوكية خطيرة تمثلها المؤسّسة «الدينية» النجفية الرسمية ... و ديكتاتورية السلطة ماقبل الاحتلال بل وسلطة الاحتلال الأميركي _البريطاني. مضافا ماتحدثت به قريحته المتألقة في المؤتمرات العربية والاسلامية والدولية التي شارك فيها هذا الفيلسوف المجدد والمدرك لوجودها والمحافظ لبعض أسرارها. وهذا ماذكره في مذكراته «في مواجهة الدين الآخر نقد..مواقف.. توقعات» الصادرة في طبعته الثانية عام٢٠١١ م التي قرأتها بتأني حقآ.
لقد كانت أطروحته حول نقد العقل الديني تمثل سّفراً مؤطراً بأبعاد معرفية معمقة، ليضع بكل جرأة وصراحة الأسس الحداثوية الإسلامية لنهضة فكرية وسياسية متجددة مقبولة ومقاتلة لدحض لكل عناوين التخلف والخرافة، لأنها مستندة على إرث فكري خلقته التجربة والبرهان، ولكني من خلال قراءتي لمؤلف هذا الفيلسوف العملاق في الوقت الذي يشعر سماحته بإحباط، ونَفَذَ صبرهُ طيلة ستين عاماً من الزمن، حتى كتب بجرأَةٍ وشجاعة على الصعيد المعرفي والثقافي والفكري والسياسي في تأصيله وتفاسيره الإسلامية خصوصاً في إنكاره لمسألة التقليد + الأعلمية، وهذا العمل يرمز إلى التحدي الراديكالي الذي واجه به زملاؤه في الوسط الفقهي النجفي الذين ظلوا يؤمنون بشماعة أن الغاية الكبرى لتثبيت التقليد والأعلمية في سبيل الإلتفاف الشعبي الشيعي حول «قيادة المرجعية الشيعية العليا». ولهذا نجد لايزال الدفاع عن وجوب هذه الاطروحة التعيشية الاعتبارية التخريفية العصبوية تأتي بلغة العقلانية والعقلائية الإدائية. ولكن ثمة عقلانية وعقلائية أخرى على النقيض تماماً من عقلنة فقهاء المؤسسة الرسمية، قلما يكشف عنها على الملأ الشعبي والشعبوي الإمامي. هذا فيما إذا كشفت أَصلاً هذه الموضوعية القائمة على أُس العقل والشرع حركت ثلة من فقهاء الحداثة الاسلامية على حرمت التقليد من حيث المبدأ. من هنا دعوني عرض موضوع هذه المسألة المثيرة للجدل التي أطرحها بمزيد من التفصيل من خلال ما إستدل به الفقيه المجدد أحمد الحسني البغدادي في شجب التقليد، حيث ذهب يقول: «هذا، وفي أواخر أيامي قد صرحت أكثر من مرة أنَّ مبدأ تقليد الإنسان المكلف للفقهاء الاسلاميين لا أصل له في التشريع الاسلامي، وانما هو مصطلح مستحدث، وليس مبنى شرعياً وهذه هي الحقيقة لا يمكن انكارها، كل ذلك باعتراف متأخري الوسط «الفقهي الإمامي»، وكما أني سمعت ذلك في مجلس درس السيد الأستاذ الأكبر، الذي أوجب التقليد من موقعه كمرجع للأُمة، ثم تبدل رأيه في أوآخر أيامه الكريمة بسقوط أصل عنوان التقليد، حيث ذهب، قائلاً:
«إذا عرفت هذا أتضح لك منه الغاء عنوان التقليد من أصله فالإِجابة الى الكلام عليه من حيث مفهومه، بل من حيث كونه موضوعاً او طريقاً، بل لم يرد فيما يدل على الرجوع الى العلماء والأخذ منهم اسم التقليد إلا نادراً مع أنها لا تحصى».
وبودّي أن أشير أن السيد الأستاذ الأكبر، يستبعد منظومة التقليد كأيديولوجيا لذلك لا يريد البحث في عنصر مضمونه، ناهيك بعدم وجود ما يدل عليه.
وقد تعرض الكثير من المفكرين الإسلاميين الى مثل هذا الرأي كالشهيد الخالد الذكر الدكتور علي شريعتي في كثير من محاضراته المعرفية والثقافية التي القاها في حسينية إرشاد بطهران في القرن الماضي، والصديق الصدوق الأخ عادل رؤوف الذي يقول في منتهى الصراحة والجرأة:
«أنه ولد في «حضن السلطان». اما في الوقت الحاضر فإنه أصبح «مطلباً للسلطان» فكيف يمكن ان تكون العلاقة بين المقّلد والمقلَّد أهي علاقة العالِم بالجاهل، أم المتدين بـ«رجل الدين»، أم العارف بغير العارف، ام الأتكالي بالعقلي؟».
أجل، ولا ننسى ان «فقهاء» المدرسة الإخبارية «الشيعية»، وأئمة «المذاهب الإسلامية السنية» حرموا تقليدهم والرجوع اليهم. والسلطان الغصبي هو الذي ابتدع التقليد - وهذا قد تطرقنا له بشكل مفصل - ورجوع الأمة الى الأموات والتابعين لهم من «الفقهاء» وعاظ السلاطين، الذين يبرّرون سلطة السلطان الغصبي، وشرعية حاكميته على المسلمين المستضعفين، وكما شاهدنا في زماننا مهادنة المرجعية السيستانية الغامضة النجفية والمرجعية الحائرية التحزبية القمية، عندما أُحتل العراق أميركياً وبريطانياً عام 2003م.
وانني اعرف ان النقد يثير حفيظة البعض من المتعصبين والمستحمرين، بيد أني آمل من المنصفين في هذه المؤسسة «الدينية» الرسمية ان يسمعوا الرأي ويفتحوا الحوار على مصرعيه في شأن آفاقه وشموله المعمقة... وعلى أُس هذا راح الشيخ محمد مهدي شمس الدين ينسف التقليد شكلاً ومضموناً، حيث قال:
«مصطلح التقليد ومصطلح المرجعية، هذان المصطلحان وما يرادفهما وما يناسبهما غير موجودين في أي نص شرعي، وانما هم مستحدثان، وليس لهما أساس من حيث كونهما تعبيران يدلان على مؤسسة التقليد والمرجعية هي مرجعية التقليد ليس لهما في الأخبار والآثار، فضلاً عن الكتاب الكريم، ولا عين ولا أثر كل ما هو موجود بالنسبة لمادة قلَّد موجود في خبر ضعيف لا قيمة له من الناحية الاستنباطية إطلاقاً، وهو المرسل الشهير عن أبي الحسن عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، ومتداول على ألسنة الناس «من كان من الفقهاء صائناً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً الى أَمر مولاه، فللعوام ان يقلدوه». مادة قلد موجودة فقط بهذا النص، ولكن لا نعتمد عليه اطلاقاً على هذا التقليد، ومُقَلَدٌ أو مُقَلِدٌ لا أساس له، والمرجع لا أساس له. الموجود في الفكر الإسلامي والنص الإسلامي مصطلح الفقيه».
ويستمر شمس الدين حديثه القيم، قائلاً:
«هذا الفقيه بعد ذلك لعله يتأثر ببعض الأوساط الفكرية نشأ مفهوم التقليد الموجود في الشرع ليس تقليداً، الموجود هو الإتباع، او هو التعلق، او التفقه، حتى الإتباع نحن نتحفظ على هذا الكلام. الجاهل أو العامي هو ليس متبعاً للفقيه، هو متبع للشريعة.
نحن في الفكر الإسلامي ليس لدينا إتباع للأشخاص، الفقيه لا يتمتع بأي قداسة على الاطلاق، وليس مؤهلاً لأن يكون متبوعاً على الاطلاق، ولذلك ان مفهوم التقليد مفهوم دخيل، أنا اعتبره مفهوماً دخيلاً، والعامي ليس مُقَلِداً في مفهومنا، العامي عامل بالشريعة».
اذن، لا بد حتماً ان تعرف ان هذا الخطر المحدق يصنع اصناماً بشرية من نموذج خاص عندما يتجذر في أعماق وعي الامة وضميرها، ويتوارث كوعي ويتحول الى بداهةٍ «شرعية» لديها، قد تصاب بصدمة اللا مفكر فيها عندما تنكشف ان مسرحية التقليد اكذوبة كهنوتية وممنهجة على المسار الاعتباري، او التعيشي، او كنسق معرفي إخضاعي للمجتمع، وكنسق من انساق ثقافة الإبستمولوجيا «المعرفية» السلبية، التي تنطوي تحت مظلة خداع المجتمع وتضليله وإخضاعه من حيث لا يشعر الى منظومة مقدسات وواجبات ومحرمات نحو الاطلاق مضافة بإيحاءات سايكولوجية بوصفها منظومة ما فوق الانسان.
إِن الذين يسجدون للاصنام والالهة الجديدة التي يسجد لها الجاهلون لأنهم جهلاء، فقدت احتمالاتهم النبيلة» نقد العقل الديني، ص:٨١، أحيل القارئ للاطلاع على النصوص الواردة الى كتاب نقد السيد المؤلف.
هذا من جهة، ومن جهة أُخرى لقد ذهبوا دعاة وجوب مبدأ التقليد إلى أبعد من ذلك أنه لايسوغ للفقيه المتصدي للمرجعية شريطة أن يكون أعلم المتصدين! إلا أن سماحته أدام الله ظله قد فند هذا المبنى المتأخر الشائع بين الوسط الفقهي الإمامي، وكتب بإختزال شديد حيث ذهب قائلاً: «مسألة تقليد المرجع «الاعلم» وتشخيص (الاعلم) في غاية العسر والحرج.. نعم قد يكون هناك من بين احد المتصدين مَنْ هو الاعلم على نحو الثبوت، ولكن على نحو الاثبات لا يمكن تشخيصه لان ادعياء الاجتهاد والاعلمية ليسوا منحصرين في العراق وحسب، بل موجودين في ايران والعراق وغيرهما، ولا يمكن بأي حال من الاحوال تحقيق حساب الاحتمالات وعملية الاستقراء مع هذا المرجع أو ذاك، ثم اطلاقات الادلة وعموماتها تؤكد الرجوع إلى الرواة بلا تعيين الافضل أو الاعلم، ثم نحن بحاجة ضرورية ملحة للبحث عن الفقيه الحركي الرسالي الذي يؤمن بتحقيق المجتمع الاسلامي والدولة الاسلامية العالمية، اما إذا كان فقيها لا يتصف بهذه المواصفات فلا يجوز تقليده والانقياد اليه حتى لو كان أعلم العلماء ــ على ما ارى ــ وقد كتبنا بحثا (مشتركا) في فقه السياسة تحت عنوان: «فقهاء وحركيون بين الثورة والسكون» وكشفنا الحقيقة الضائعة حول مسألة تقليد الاعلم بوصفها كلمة حق يراد بها باطل» المصدر نفسه، ص:٨٠.
إن الكثير من الذين تناولوا قضايانا المجتمعية والمعرفية والفكرية بالنموذج الأرسطي ولم يتمكنوا إقناع الكم الهائل بما يطرحرنه في مدرستي الفقهاء والمتكلمين لم يستجيبوا ماطرح من حلول الفلسفة الأرسطية مطلقاً، وذهبت كل فرقة مذهباً مختلفاً. فالأشاعرة تبنت شيئاً مختلفاً، ولكن الإستاذ الفقيه المبدع البغدادي يقول: «إعادة قراءة التراث تستدعي اعادة الاعتبار للعقل الاسلامي وجعله عقلاً حداثوياً.. لا عقلاً تخريفياً حمالاً للقراءات الشاذة، ولولا الأشعري وحربه على المعتزلي، والغزالي وحربه على الفلسفة والعقل، ولو أستمر المعتزلة على نهج العقلانية والعقلائية، والجدل حول القدرية والجبرية.
ونسأل لماذا لا يُعاد الاعتبار للمعتزلة؟ ألم يكن المعتزلة رواد العقلنة الموضوعية، وقد سبقوا عدة قرون متطاولة مفكري عصر التنوير الأوروبي الذي ينسب اليهم تقدم الغرب الى أبعد الحدود. لما أنغلق عقل الانسان المسلم، ولما ابتلى المسلمون بــ«نظرية المؤامرة» والقاء كل انكساراتهم وهزائمهم وتخلفهم المرعب، وفشلهم على إنهاء هيمنة الاستكبار والكفر العالمي والماسونية والصهيونية العالمية. لكان وضع المسلمين يختلف إختلافاً كلياً الآن. فعقل الانسان المسلم سلفي ماضوي إتكالي يؤمن بالعقل المنفعل الذي لا يتأثر بالعقل الفاعل، مما أدى الى محاربة الفقهاء والمفكرين الجدد الذين يدافعون عن الحداثوية ويحاولون انتاج منظومة معرفية جديدة تتبنى ثقافة العلوم الانسانية والعلمية، وتثمن المجهود، وربط المجهود بالنتيجة كأساس للمراجعة والمساءلة.. أمر مهم في منتهى الضرورة. بيد أن تلك المثل مهمشة في منظومة ثقافته. نشير هنا الى أن هذا الإنسان المتخلف لا زال يؤمن بـ«الفقهاء» السلفيين المحافظين وهو يعيش في ظل وفعل العولمة الزاحفة في شتى مفاصل الحياة والتي من شأنها أن تؤدي بواسطة تقليص المسافات بين الاقوام والجماعات، والتنميط المتسارع لكل الحاجيات الانسانية من مسكن وملبسٍ ومأكل، فضلاً عن الطفرة الرقمية والتقنية، والمواصلات والاتصالات والاعلام المقروء والمسموع والمرئي في الزمن الرقمي، والذكاء الصناعي، والاستنساخ البشري، والثورة التكنولوجية الرابعة، وانتقال ثقافات الشعوب بلا إستثناء. وخطاب الاسلام الحداثوي التقدمي بحاجة ضرورية ملحة الى التقريب بين العقليات والسلوكيات... والى التجديد والتطور العلمي التقني، وبمراجعة دائمة للمنطلقات الفكرية يُساهم في التجدد الحضاري ولا يغلق العقل مطلقاً، ولذا نرى لم تفلح المواقف الحديثة للسلفيين التقليدين الى مستوى المقاربة الجدلية، وبقيت نظرتها الى حركة التاريخ نظرة استاتيكية، وغاب من افقها المنظور الديناميكي.
ومهما يكن من هذه الاطروحات كلها، ولكن ينبغي أن نعترف ونقول الحقيقة بصرف النظر عن تقدمية هذا الموقف أو رجعيته في الاطار تمثل الأس الاساس منظومة الماضي.. والماضي أن يُشاكلها. واذا إبتعد الماضي عن صورة الحاضر غدت محرفة وضالة. ومن يحاول قدر دائرة الامكان جعل الخطاب الديني السلفي الى استئناف صياغة منظومة الحاضر وفقاً لصورة الماضي، وإن كان هذا مستحيل في هيمنة هذا الخطاب الوعظي الانشائي والطقسنة الشعائرية، ويعتمد على آليات ذهنية يشبه بعض انبياء ما سلف، ويصب اللعنات على الناس كل الناس، ويتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، لأن الخطاب السلفي الديني واجه أيديولوجيات حداثوية إسلامية لا يستطيع الايمان بها أو القدرة على القول مثلها. ذهب يرفض ويشنع عليها ويحاسبها بشتى الاساليب والاسلحة اللعينة، ولكنه أبداً أصبح مهزوماً، كما هزمت الايديولوجيات والاسفار والاناجيل والتفاسير من خلال الوعاظ والخطباء والقراء غير ذلك جهلاً أو تخلفاً أو دفاعاً. لا يمكن الدفاع عنها! هل يوجد على الساحة التاريخية قديماً وحديثاً أكذب أو أجهل أو أخدع من الاسفار والصحاحات والنوادر.. لهذه الإشكالية قال حافظ الشيرازي كلمته العظمى تلك، وهو يصور الساقية في الحانة تقدم لــ«رجل دين» سلفي دجال كأساً: «هذه حقيقتي، فهل هذه حقيقتك»!..
ومهما يكن، أن اليسار الاسلامي مسلحاً بوعي أعمق، وباليات ذهنية وخطابية أرهف. أن السلفية الماضوية تريد منا أن نرتد اليها ليست الماضوية التي كانت في القرون الأولى مزدهرة نوعاً ما بالحيوية «التنظيرية» تؤمن بالرأي والرأي الآخر. أما الماضوية التي استجابت لطقسنة التقاليد والاعراف والعادات البالية، والتي استجابت كذلك للتقليد بديلاً عن أُطروحة العقل والعقلاء بما هم عقلاء، وأُطروحة ممارسة عمليات الاستنباط والاجتهاد على صعيد الحداثة الاسلامية لا على صعيد أُطروحة الروايات النصوصية القشرية القائمة على الهيبة التقديسية والشهرة العملية بوصفها قطعية الصدور كما يزعمون.
وهذه الأُطروحة الحداثوية الاسلامية كثيراً ما نفاها «الفقهاء» السلفيون المحافظون المعاصرون بشتى العناوين الثانوية، والحيل الشرعية في سبيل إِبقاء القديم على قدمه، واحياء التقاليد والقيم الماضوية الرجعية، ومحاربة الحداثة الاسلامية التقدمية، أي ما يطلق عليها تويني (ت 1975م) بالاتجاه الاستاتيكي التي تتسم به المجتمعات والجماعات المتخلفة، بل هذه العقلية الاستاتيكية المسيطرة على معظم مفكري و«فقهاء» المؤسسة «الدينية» الشيعية والسنية الرسمية على حد سواء!..» المصدر نفسه، ص: ٩٢.
الدكتور محمد جاسم على شعبان
استاذ جامعة بغداد
٢١ فبراير ٢٠٢٣م