حديث حول عودة الرئيس ترامب الى البيت الأبيض.. ماذا سيحدث في وطننا ومنطقتنا؟..‏ بتاريخ 19 تشرين الثاني 2024م احمد الحسني البغدادي في عيون معاصريه تقييم الدكتور ياسين شاكر العبد الله احمد الحسني البغدادي في عيون معاصريه تقييم الاستاذ عبد الخالق الشاهر احمد الحسني البغدادي في عيون معاصريه تقييم الاستاذ ابو صادق احمد الحسني البغدادي في عيون معاصريه تقييم الاستاذ حامد العرباوي بيان سماحة آية الله العظمى أحمد الحسني البغدادي دام ظله حول إجتياح الجيش «الإسرائيلي» للثرى الوطني اللبناني بيان حول استشهاد الحاج يحيى السنوار رضوان الله عليه عبد الحسين شعبان وتواضع العلماء.. الاستاذ عبد الباري طاهر بیان صادر عن سماحة الفقيه المرجع السيد أحمد الحسني البغدادي دام ظله حول إجتياح الجيش «الإسرائيلي» الارض اللبنانية بيان حول استشهاد سيد المقاومة حسن نصر الله رضوان الله عليه

الاسلاموية الشيعية وسؤال التوطين

الاسلاموية الشيعية وسؤال التوطين

الاسلاموية الشيعية وسؤال التوطين

 

يوجد أكثر من مَرجِع ارتبط اسمُه على نحو من الأنحاء بالنظام السياسي العراقيّ في عهد صدّام حسين، ولكن هذا الارتباط لم تؤكده الدراسات، بل إنّ بعضها قدّمتْه في إطار سياسة التشويه التي يُقصَد بها الإساءة الى الحوزة. وما قدّمه عباس كاظم من نتائج استصفاها من دراسة بعض الوثائق الأرشيفيّة التي كانتْ تحتَ تصّرف القيادة القُطرية لحزب البعث العراقيّ يُبيّنُ، على سبيل المثال، أنّ المَرجِعيْن أبا القاسم الخوئي (1899 – 1992م) ومحمّد ومحمّد صادق الصدر (1943 - 1999م) لم يَكُونا، كما أُشيعَ عنهما، على وفاق مع السلطة، وأنّ إجراءاتٍ أتُّخِذتْ ضدّهما لتقليص تأثيرهما في جمهور الشيعة(1). ويَذكُر عبّاس كاظم أنْ الوثائق أثبتْ استعصاء تطويع الخوئيّ، وكشفتْ عن قرارِ لجنةِ متابعةٍ يرأسها عزّة الدوري مضمونه تشديد مراقبة النشاط الحوزويّ وإضعاف سلطانه على الناس والبحث عن طريقة تَنْقُل الحوزة من زعامة ذات انتماء فارسيّ الى زعامة عربية(2). كما أثبتتْ أنّ الصدر لم يكن متواطئاً مع حزب البعث او منفّذاً اطروحاته(3).

واستوقَفَتْنا في هذا المجال رسالتان متبادَلتان بين الرئيس صدّام حسين والمرجِع محمّد باقر الصدر يعود تاريخُهما على الأرجح الى الأيام الأولى من شهر نيسان/ أبريل 1980م: يَعْرِضُ الأول دخول الثاني تحت باب الطاعة والولاء مقابل الاكرام والتبجيل، ويرد الثاني بالسخرية والتهكم والتحدي(4)، ولكن تصدي بعض الدارسين الى هاتين الوثيقتين بالانكار والتكذيب بناء على عدد من المعطيات والفرضيات جعلنا نستنكف من اتخاذهما مدخلاً الى «دراسة الحالة» التي نحن بصددها.

ولما كان المرجع احمد الحسني البغدادي هو من كشف بنفسه عن صلات تربطه بالسلطة [على حد تعبيراته. راجع للتصحيح ما دار من حوار في اصل ما ورد في كتابه: السلطة والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق، و/راجع موقعه الرسمي زاوية مؤلفات: www.alsaed-albaghdadi.com] فضلنا الانطلاق مما جرى بينهما حاملين ما عرضه في هذا الشأن مجمل الوثيقة التاريخية التي توفر ارضية مناسبة لرصد مساعي السلطة بقصد استيعاب الحوزة و«تعريبها» أو «عرقنتها». يظفر المتأمل في التفاصيل، التي اساقها البغدادي في كتابه: (السلطة والمؤسسة الدينية الشيعية في العراق)(5)، باتجاه الدولة نحو «تعريب» الحوزة، و «عرقنتها»، او على الاقل عدم حصر مصدر القرار فيها في مرجع واحد. ينقل البغدادي ان احدهم زاره في شتاء 1992م واخبره بما يأتي: «جئتك مبعوثاً شخصياً من قبل الرئيس القائد صدام حسين يطرح عليكم التصدي للمرجعية الدينية العربية حتى لا تنتقل الى ايران بعد وفاة الشيخ الخوئي»(6).

من ينظر في السبب، الذي دفع السلطة الى هذا الاختيار يقف على حضور الهاجس القومي عندها، وتخوفها من ان تكون الحوزة بزعامتها غير العربية خطرأً يتربص بها «نحن نريد مراكز قوى في المرجعية، وهي لصالح العراق وسيادته، حتى لا تنحصر بواحد، ويكون بالتالي خطراً على امننا القومي العربي، عندما تثنى له الوسادة»(7). ولم ينكر البغدادي في رده حيازته شرف الانتماء العربي وان عبر عنه في سياق عدم ابداء الرغبة في قبول هذا التكليف في ظل وجود منافسين، هما المرجعان: حسين بحر العلوم ومحمد الصدر: «اما انا فواضح بوصفي من اسرة عربية ذات نزعة وطنية اسلامية عربية مستقلة...»(8). وبدا الحوار بين الطرفين قائماً على الترغيب والترهيب: «يا ابا محمد، كيف ترد رغبة السيد القائد... هذا الرفض ليس لصالحكم»(9).

وتكررت اللقاءات بين السلطة والبغدادي. فمن بين ما سجله ايضا مقطع من حوار دار في صيف 1994م، بين صدام حسين واحد اعوانه [د. باسم آل السيّد سلمان عميد كُلّية القائد صدّام للبنات] جاء فيه: «هل من جديد في النجف؟ فقلت له، يا سيادة الرئيس، الجديد الذي نعتز به هو، هناك علماء عرب اقحاح تتفجر العروبة في افكارهم، وبخاصة سماحة السيد احمد الحسني البغدادي»(10). ويضيف: «فبادرني السيد الرئيس مبتسماً: «بلغ تحياتي لسماحة الشيخ»(11). انها تحية سياسية بامتياز تجر خلفها ما تجر من مطالب فقد اخطر رسول صدام حسين البغدادي بما يأتي: «انت تعلم كل العلم ان العراق يعيش وضعاً استثنائياً وان المسار الخاص والعام ينظر لمقامكم كعنصر عربي التوجه اسلامي الحركة»(12). ولا ريب ما ترتب على التفريط الهوهوي من تبعات منها ضرورة ان يتحمل الحوزوي العربي امر المرجعية اسناداً للسلطة والوطن.

ما يمكن الخروج من مثل هذه اللقاءات هو أن السلطة العراقية كانت تدرك ادراكا جيداً الأذى الذي يمكن ان يلحقها في ظل الحصار المطبق والتهديد بالاحتلال لو انها زكت لمقام المرجعية عالماً من الحوزة له ارتباطات بمصادر الضغط الخارجي عليها (وخاصة ايران). وهذا يلمس بوضوح في جواب قديم رد به صدام حسين على من استفسره وقد توفي المرجع الاعلى محسن الحكيم (1970م) عن سبب اعتراضه على تزكية أحد رجليْن للمنصب الشاغر: الخميني الذي كان حينها مقيماً في العراق، أو محمد الحسني البغدادي (الجدّ). أما الخميني فعلى الرغم مما وفرته له الدولة من حماية، فانه يعمل على «إقامة الدولة الدينية في ايران، وهي خطر علينا وعلى الأمن القومي العربي بشكل عام»(13)، واما البغدادي (الجدّ) فـ«متعصب في تأييد ومساندة طقوس الشعائر الحسينية. وتجمعات هذه المراسيم ليست لصالحنا»(14)، وقدرت السلطة السياسية أن أفضل من يشغل هذا المركز الخطير الامام الخوئي. والافضلية في منطق السلطة ذات معيار خاص. إن الخوئيّ صالحٌ لهذا المنصب؛ لأنّ فيه مميزات تخدم السلطة في إطار «لعبة» التوازنات الاقليمية، فصلاحه إذاً ليس آتياً من فضائل فيه، وإنما من «عيوب لا يمكن أن يتحرّك من خلالها ضد الحزب والثورة، منها أنه تركي لا فارسي... يمكن تحجيمه في أي وقت إذا تحرك ضدّنا. والشاه لا يتحمس له ولا يدخل معنا في صراعات جانبية على حساب مصالحه في المنطقة»(15).

ويحسن التذكير في هذا المقام بأنّ هذه الحسابات، التي ارتأتها السلطة لتأمين استقرارها، كانت في السبعينيات من القرن العشرين، يوم كانت الدولة العراقية باسطة سلطها في قوة. وهي بذلك لا تحتاج الا لمرجعية ضعيفة الجانب. لكن الحال، الذي ينقل أحمد الحسني البغدادي وقائعه هو غيرُ الحال آنذاك. فالدولة ضعيفة والسلطة مهددة بالانهيار. وهي، وعلى عكس السابق، في حاجة ماسّة الى مرجعية قويّة تُعينها على مصائبها. ولا تكون المرجعية قوية الا اذا ما كانت عروبية الهوى. ومن هنا كان الاختبار قد وقع على البغدادي (الابن) [الحفيد] هذه المرّة في ظلّ ما استجدّ من الأمور.

ولعل البغدادي كان سيقبل هذه التزكية ليملأ هذا المنصب الخطير، وهو الذي ما فتئ يلحّ في ما يكتب على الهزال الذي أصاب الحوزة النجفيّة، وعلى فساد بطانتها وانصرافها الى غير ما يُتوقّع منها، وخاصّة أن بعوث السلطة اليه لم يترك صفة حسنة إلا جاء بها، فإذا الشيخ أمام إغراء جارف. كان يمكن أن يقبل العرض السخيّ. ولعلّ شيئاً فيه مال به الى المنصب فيُعيد المرجعية الى المسار الذي يراه صحيحاً. لكنّنا وجدناه يستدبر الإغراء لسببين: 

انخراطُه في العمل السياسي الحزبيّ المعارض والقائم على أسس عقائديّة ذات منشأ شيعيّ من جهة، ويقينه أن حزب البعث الحاكم لا يريد من تقديمه على غيره من العلماء إلّا صوتاً حوزويّاً قويّاً ينتصر به على أعداء الداخل والخارج، وهم الذين بدؤوا يجمعون أمرهم للانقضاض عليه من جهة ثانية.

يستطيع القارئ في ضوء ما توافر من معطيات أن يلتقط ممّا كتب البغداديّ ما يشبه إحساسَه بالمرارة. فهو من ناحية يرى نفسه أفضل من غيره لتحمّل مسؤوليّة المرجعيّة بعد رحيل الخوئيّ وتخليص الحوزة من الروابط التي تشدّها الى غير وطنها وذلك بإكسابها اللّون العروبيّ الاسلاميّ الذي عُرِفَ به. وها هي الفرصةُ التي لعلّه أحلم بها النفس طويلاً تجيئه منقادةً. ولكنه من ناحية أخرى يمنع النفس مِنْ أن تنقاد الى ما تشتهيه. وربّما تصوّرنا، في سياق هذا الصراع الداخليّ، أن البغداديّ ودّ لو كانت الدعوة التي تلقّاها صادقَةً.

ولا ندري على وجه اليقين لِمَ استحْضَرْنا ونحن نقلّب مضامين الحوار الذي دار بين البغداديّ وصدّام حسين (خلال الوسطاء) ذاك الذي كان بين الإمام الكركي (1465 – 1533م) والشاه طهماسب (1514 – 1576م). لقد كان كلّ طرف في حاجة الى الطرف الآخر، فرجُل الدولة لا يستقرّ مطمئنّاً على كرسيّ الحكم في مجتمعات متديّنة إلا بشهادة اعتراف له بالأهلية من رجل الدين. ورجل الدين الذي يحدّثه مذهبُه بأنّ الفقيه وَحده من يقوم مقام الإمام المعصوم يرى في اقترابه من الحاكم أنّه قطع شوطاً من الرحلة الى ما يطلب. والتنازل المتبادل عن قسم من الصلاحيات الذي قام به الكركيّ وطهماسب كان ضروريّاً سياسيّاً وفكريّاً لإقامة أركان الدولة الفتيّة من ناحية وتطوير الفقيه الاجتهاديّ الإماميّ من ناحية ثانية.

لكنّنا وقفنا على فَرْق جوهري بيت التجربة الصفويّة – الكركيّة من جهة، والتجربة العراقيّة المعاصرة (صدّام - البغداديّ) من جهة ثانية. فالصفويّون أعلنوا المذهب الاماميّ الاثنيْ عشري يبارك مسعاها أوّلاً، وينتهز الفرصة فيفتكّ من الحاكم مُقايضةً وظائف سلطانية تُشعره بأنّه غيرُ بعيد عن موقع الإمام ثانياً أمّا الدولة العراقيّة المعاصرة فكانت مدنيّة علمانيّة على نحو من الأنحاء. وكانت تصطنع لنفسها العقيدة البعثيّة العروبيّة. وكان النسيج المذهبيّ في البلاد متعدّد الألوان. وكثيراً ما كان التضيق على النشاط الدينيّ عامّة والحوزويّ منه خاصّة سمة العلاقة بين الدولة والأطراف المعنيّة بذاك النشاط. وعلى أساس من ذلك لم يكنْ سعيُها الى تزكية مرجع على حساب آخر داخلاً في إطار انتصارها العقَديّ لاتجاه مذهبيّ معيّن، أنّها من حيث المبدأ ضدّ اقحام الدين في الحياة العامّة.


الإسلاموية الشيعية 

السياق والأسس والخصائص

علي الصالح مولى

إشراف نادر الحمّامي

ط: الاولى، 2010م

مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث، الرباط، المملكة المغربية

ص: 167 وما بعدها


الهوامش

(1) Abbas Kadhim, The Hawza Under Siege: A Study in the ba,th PartyArchive, Institute for Iraqi Studies, Boston, 2003.

(2) Ibid, pp. 16-35.

(3) Ibid, pp. 36-51.

(4) انظر نص الرسالتين والطعن في حقيقتمها، عبد سليمان، علي، «حقيقة رسالة آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر الى صدام»: 

(http://burathanews.com/news/155751.html)

(5) الحسني البغدادي، احمد، السلطة والمؤسّسة الدينيّة الشيعيّة في العراق، المركز العراقيّ للإعلام والدراسات، دمشق، 2002م.

(6) المرجع نفسه، ص: 23.

(7) المرجع نفسه، ص: 24.

(8) المرجع نفسه، ص: 24.

(9) المرجع نفسه، ص: 24.

(10) المرجع نفسه، ص: 28.

(11) المرجع نفسه، ص: 28.

(12) المرجع نفسه، ص: 29.

(13) المرجع نفسه، ص: 11.

(14) المرجع نفسه، ص: 10.

(15) المرجع نفسه، ص: 10.

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha