اليعقوبي وحزبه المال.. السلطة.. قرارات ما فوق قارونية هكذا كتب الباحث سليم الحسني حول إسلاميو السلطة الملف الاول
اليعقوبي وحزبه
المال.. السلطة.. قرارات ما فوق قارونية
هكذا كتب الباحث سليم الحسني حول إسلاميو السلطة
الملف الاول
إسلاميو السلطة (37)
مساومات الدكتور نديم الجابري
نشر الدكتور نديم الجابري مقالاً على صفحته في الفيسبوك، ناقش فيه ما جاء في الحلقة (32) من سلسلة (إسلاميو السلطة).
المقال جاء دفاعاً عن موقفه وموقف حزب الفضيلة مما ذكرته في تلك الحلقة حيث كنت قد كتبت بأن حزب الفضيلة طرح اسم الدكتور الجابري كمرشح لرئاسة الوزراء من أجل الإبتزاز والحصول على أكبر قدر من المكاسب والمناصب الحكومية، لأنه يعرف ان حظوظ الجابري بترشيح الإئتلاف الوطني غير ممكنة.
وقد اعترض الدكتور الجابري في مقاله على ما ذكرته، مشيراً الى عدة نقاط سأدرج نصها ثم اناقشها، يقول:
(1 - أن ترشيحنا لمنصب رئاسة الوزراء لا صلة له بالابتزاز إطلاقا . إنما تم بعد حوار دار بيننا و بين جناب الشيخ اليعقوبي بعد ترشح كل من الجعفري و عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء . حيث سألني سماحة الشيخ كيف ترى الأمور اذا تولى أحدهم الرئاسة ؟ اجبته : في كلا الحالتين البلد مقبل نحو حمامات من الدم . ثم سألني لماذا ؟ اجبته : لأن أهل السنة لن يقبلوا بالاثنين بأحتساب أن الفتنة الطائفية اندلعت في عهد الجعفري و لأنهم يتحسسوا من الجهة التي ينتمي إليها السيد عادل عبد المهدي و ليس من شخصه . و لذلك ستزداد أعمال العنف و الإرهاب في حال تولي أي منهما . و في أعقاب ذلك ..، قال سماحة الشيخ نحن نثق بتنبؤاتكم السياسية و نأخذها محمل الجد و لكن لماذا تتفرجون على الموقف ؟ و لماذا لا تسعوا لمعالجته؟ . ثم أضاف هل انتم قادرون على إدارة البلد و إنقاذه ؟ قلنا له نعم و سننجح أن شاء الله خصوصا كوننا الشخصية الوحيدة التي تحظى بقبول أهل السنة و ذلك كوني من أهل الداخل و لا تربطني علاقة مع الجانب الإيراني . و في ضوء هذا الحوار طلب سماحة الشيخ منا الترشح لرئاسة الوزراء و نحن قبلنا التحدي رغم توقعنا للمخاطر و التسقيط السياسي كمحاولة لإنقاذ العراق و لكن انهيار الحزب تحت الضغط الإعلامي و التدخلات الخارجية و حملات التقسيط التي نفذها حلفاؤنا حالت دون نجاحنا . 2 - لذلك لم يكن ترشيحنا للرئاسة ذات صلة بالابتزاز بدليل عرضت علينا الكثير من المناصب للحزب و لنا شخصيا بما فيها منصب نائب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس مجلس النواب مقابل التخلي عن الترشيح فقط و ليس لتأييد أي من المرشحين إلا أننا رفضنا ذلك رفضا قاطعا لأنه لا يمكن إنقاذ البلد من خلال هذه المناصب . 3 - و في أعقاب تراجعنا عن الترشيح للرئاسة تفاوضت شخصيا مع وفد حزبي مع كلا المرشحين لأن الحزب و سماحة الشيخ كانوا يميلون للسيد الجعفري و انا كرئيس للحزب كنت اميل إلى السيد عادل عبد المهدي . لم نتقلب في تحديد المرشح الذي نريده إنما اتفقنا على تأييد السيد عادل بعد أن اقنعتهم بجدوى هذا التأييد و حصل الاتفاق معه على شرط الشراكة في إدارة البلد و ليس على أساس المغانم . عليه من الضروري تصحيح معلوماتكم . مع فائق الاحترام) انتهى كلام الدكتور الجابري.
أقول:
أولاً: إن مفهوم المحاصصة هو أساساً يستبطن معنى الإبتزاز، بل أن آليات المحاصصة في العملية السياسية العراقية هو الابتزاز بين الكتل، وهذا أمر لا أطيل الوقوف عنده لوضوحه عند العراقيين كافة.
ثانيا: أغفل الدكتور نديم الجابري ذكر اسم المرشح الرابع وهو الدكتور حسين الشهرستاني، وهذه مسألة مهمة في سياق الأحداث التي نتحدث عنها، لأن الجولات الأولى من المفاوضات انتهت الى استبعاد الجابري والشهرستاني من المنافسة، وحصرها بين السيدين إبراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي.
ثالثاً: لم يذكر الدكتور نديم الجابري ما حدث في آخر اجتماع تفاوضي قبل اجتماع الائتلاف الوطني للتصويت على المرشح، وهي النقطة الأهم في سياق الاحداث، فبعد انتهاء الاتفاق مع حزب الفضيلة على التصويت لصالح الدكتور الجعفري، تراجع حزب الفضيلة عن موقفه، ففي ساعة متأخرة من الليل كانت قد تجاوزت الثانية صباحاً، ولم يبق على التصويت سوى عدة ساعات، اتصل احد الشيوخ من قيادات حزب الفضيلة بسكرتير الجعفري الخاص السيد اياد بنيان، وقال له : أن السيد عبد العزيز الحكيم قد عرض علينا أن نحصل على منصب نائب رئيس الجمهورية ومنصب نائب رئيس البرلمان إضافة الى وزارتين، فاذا يوافق الجعفري على هذا المطلب، فسنصوت له.
فأجابه السيد اياد بنيان بعبارة قاطعة: إنني لا استطيع ان أخبر السيد الجعفري بذلك في هذا الوقت المتأخر، لأني أعلم بأنه لن يساوم في هذه المسألة، وعليكم أن تتعاملوا على ان هذا قرار الجعفري النهائي.
وفي الصباح اخبر بنيان الجعفري بما جرى، فأستحسن موقفه بأنه فعل الصواب في جوابه لحزب الفضيلة.
بل ان حزب الفضيلة وقبيل بدء عملية التصويت عرضوا على الجعفري مطلبهم بالحصول على ما عرضه عليهم الحكيم، لكنه رفض ذلك، وهذا موقف يُسجل له.
ما أرجوه من الدكتور نديم الجابري أن يستعين بالشهود وهم أحياء ولله الحمد، لتذكر تفاصيل تلك الأيام.
خامساً: أن مقدمات الحرب الطائفية التي تحدث عنها الجابري، لم تكن قد ظهرت بعد في تلك الفترة، إنما حدثت أول بداية لها بعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء عليهما السلام في الثاني والعشرين شباط 2006، وقد تم استيعاب الحادث بسرعة من قبل المرجعية العليا، وهدأت الأمور في أيام قليلة ، وكانت عبارة السيد السيستاني المشهورة (السنة أنفسنا) التي تحولت الى شعار وطني غطى المساحة العراقية. وعلى هذا فأن ما ذكره الدكتور الجابري حول رؤيته وطلب الشيخ اليعقوبي للترشح وإنقاذ البلاد من الفتنة الطائفية، يتعارض مع التسلسل الزمني للاحداث، فتفجير مرقد العسكريين عليهما السلام حدث بعد قرار الإئتلاف الوطني بحصر التنافس بين السيدين الجعفري وعبد المهدي، وبعد استبعاد الجابري من المنافسة.
سادساً: الانهيار الذي يتحدث عنه الدكتور الجابري في حزب الفضيلة وتعرضه للتسقيط، لم يكن في الحقيقة كذلك، إنما كان نتيجة انتشار نسخة من صحيفة القادسية التي كان يصدرها النظام السابق، العدد 2405 الصادر بتاريخ 12 كانون الثاني 1988 وفيها مقال مطول للدكتور نديم عيسى الجابري بعنوان (مبدأية الموقف العراقي وإقتداره) وفيه يمجد بالدكتاتور المقبور ويهاجم بشدة المعارضة الإسلامية والكردية والجمهورية الإسلامية في ايران، أي ضمن المنهج المألوف في صحافة النظام البعثي في تلك الفترة.
وقد انتشرت نسخ تلك الجريدة في الأيام الأولى من شباط 2006 في مدينة الصدر ومناطق أخرى من بغداد، مما وضع الشيخ اليعقوبي أمام حرج شديد، بان رئيس حزبه، كان من كتاب النظام والمؤلهين لصدام.
هذا ما أردته توضيحه للقارئ الكريم، في مقابل ما كتبه الدكتور نديم الجابري، وفي التوضيح إضافات تفصيلية عما ذكرته في الحلقة موضع النقاش.
والسلسلة مستمرة بعون الله.
إسلاميو السلطة (39)
شروط حزب الفضيلة في العملية السياسية
في نهاية شهر آب / أغسطس من عام 2005، كنت في زيارة الى إيران، وكنت اقضي معظم وقتي في منزل الدكتور مصطفى الركابي (أبو سحر). بانتظار ترتيب اجراءات سفري الى بغداد للالتحاق بالعمل في فريق الدكتور إبراهيم الجعفري.
ذات ليلة دخلت منزله فكان معه ضيف عرّفني عليه بأنه الأستاذ كريم اليعقوبي صهر الشيخ محمد اليعقوبي. بعد فترة من الحديث، عرف الضيف أنني في طريقي الى بغداد للعمل مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء، فبادرني بطلب غريب من دون مقدمات.
قال: لقد سمعنا ان الكويت أعطت الدكتور الجعفري (أربعة ملايين دولار) ونريد منك ان تتحدث معه حتى يعطينا منها مليون دولار.
بهذه الطريقة المباشرة، وبهذا الأسلوب المكشوف، أراد صهر الشيخ اليعقوبي وأحد أهم مقربيه، مليون دولار من الجعفري، مشيراً الى ان ذلك سيجعل حزب الفضيلة يدعم الجعفري ويقف معه.
كنت في صدمة الطلب الغريب، أحاول صياغة جملة في ذهني للرد عليه، لكن الدكتور الركابي بادره بنبرة حادة:
ـ كيف يكون ذلك؟ هذه شؤون حكومية وقوانين والتزامات دولة، هل الجعفري رئيس عشيرة حتى يمد يده في جيبه ويعطي الأموال هكذا؟. هذا طلب مخالف لسياقات القانون والدولة والعرف.
لم يأخذ صهر اليعقوبي الكلام على نحو الإدانة، رغم وضوح العبارات ومعناها التي سمعها من الركابي، فعاد يقول:
ـ لكنه حصل على أربعة ملايين دولار، فماذا يفعل بها كلها؟، ليعطنا مليون واحد فقط.
قلت له: إنك تطلب طلباً غريباً، إن صرف الأموال في الدول لا يجري هكذا، إنما وفق صيغ قانونية وإجراءات محددة، وهناك مجلس وزراء ووزارات متخصصة، فالاموال ليست في منزل رئيس الوزراء يتصرف بها حسب رأيه.
انتقل الضيف بالحديث الى شأن آخر بعد ان وجد ان محاولته الأولى فشلت أو بحسب قناعته أن محدثيه لا يستوعبون مقاصده. لكن انتقالته كانت أكثر غرابة من السابقة.
لقد كان يعرف أن الدكتور مصطفى الركابي له علاقات مع مسؤولين وشركات ورجال اعمال إيرانيين، ويبدو ان زيارته لمنزله كانت لهذا الغرض للاستفادة من علاقاته وخبرته، فطرح عليه مشكلة وزارة النفط العراقية، حيث قال السيد (كريم اليعقوبي):
ـ إن وزارة النفط حصلنا عليها بعد مفاوضات مطولة، واخترنا لها الدكتور إبراهيم بحر العلوم، لكن الوزير بحر العلوم لا يتعاون معنا في الحصول على عقود وصفقات، ولذلك قررنا استبداله بشخص آخر يُسهّل اعمالنا، وقد قررنا ذلك وبدأنا بافتعال مشاكل معه حتى نقيله من منصبه.
قاطعه الدكتور الركابي بالقول: إن ترشيحكم للدكتور بحر العلوم لتولي وزارة النفط، لا يعني أن وزارة النفط صارت ملكاً لحزب الفضيلة، وان الوزير صار يعمل عند حزب الفضيلة. فالرجل متخصص في مجال عمله ويلتزم بالأصول والمقررات الإدارية، وهناك مجلس وزراء وصادرات وعائدات ووزارة مالية وشوؤن أخرى.. القضية ليست دكان بقالة يبيع ويقبض ثمن مبيعاته.
والدكتور الركابي معروف بصراحته المباشرة، وشجاعته في الطرح والتعبير عن رأيه ببيان واضح مفهوم لسامعه.
طلب السيد كريم اليعقوبي مشورته حول ما يمكن عمله في هذه الحالة للإستفادة من حصة حزب الفضيلة في التشكيلة الوزارية أي امتلاكها وزارة النفط.
فتحدث له (أبو سحر) عن الطرق القانونية والضوابط والإجراءات المعمول بها حسب خبرته في هذه الإجراءات وتفاصيلها، وعن السياق القانوني والرسمي المألوف بين الشركات والجهات الحكومية فيما يتعلق بإيران، وهي سياقات متعارف عليها في كل الدول باختلاف في التفاصيل. واختتم كلامه بأن أي مشروع تجاري يجب ان يكون ملتزماً وخاضعاً للقانون، ولا حاجة لسلوك الطرق غير القانونية، فهي ستنكشف بالتأكيد ذات يوم وتتعرضون للمساءلة القانونية، بينما الطريق الأصولي يضمن الفائدة المرجوة، وعلى هذا تعمل الشركات في العالم، وان قوة الشركات التجارية في سمعتها ودقتها.
وفيما يشرح الدكتور مصطفى الركابي هذه التفاصيل، كنت ألمح إشراقات الفرحة تتوهج على ملامح السيد (كريم اليعقوبي)، وقد أدركت لحظتها أنه كان يبحث عن الثغرات التي يمكن ان يمرق من خلالها نحو هدفه، وليس الاستفادة من خبرة محدثه والتعرف على سير العمل اصولياً وقانونياً.
انتهى الكلام، فاخرج اليعقوبي هاتفه الجوال من جيبه، واجرى اتصالاً مع بغداد، قال فيه: أوقفوا تأزمكم مع الدكتور بحر العلوم.. لا تطرحوا قضية إخراجه من وزارة النفط الآن.. سأنهي زيارتي واعود بسرعة فقد استجدت عندي أمور مهمة، وسأتوجه الى سماحة الشيخ اليعقوبي مباشرة.
أنهى المكالمة التي كان يكرر فيها التوصية بتجميد المشكلة المفتعلة مع الدكتور بحر العلوم، وبأن عليهم إخبار الشيخ محمد اليعقوبي بأنه سيتوجه للقائه فور عودته. وكان وهج الأمل والتخطيط المخفي قد أغرقه باشراقات المستقبل الواعد، كانت عيناه تبرقان بفرحة الفوز بأمر ثمين. وقد كان ثميناً بالفعل عندما عاد الى العراق.
** ** **
حين يدخل حزب الفضيلة في مفاوضات تشكيل الحكومة أو في تحالفات سياسية، فانه يضع شرط الحصول على مكافأة مالية نقدية بملايين الدولارات، بحسب طبيعة الموضوع محل النقاش. وفي بعض الحالات يعتبرون ان المبلغ المطلوب هو بمثابة أجور الدخول في المفاوضات. قد تبدو الصورة مضحكة او غير معقولة، لكنها حقيقة واقعة حدثت وتحدث وستحدث.
ويستخدم حزب الفضيلة وثيقة (الشروط العشرة) وهي ورقة يجب ان يوقع عليها المسؤول أو الوزير الذي يمنحونه المنصب الحكومي، ومن ضمن هذه الشروط أن يتعهد بتوفير مبالغ مالية محددة بملايين الدولارات حسب طبيعية المنصب، تكون ملكاً صرفاً للحزب، وان يمنحه العقود والصفقات، وما الى ذلك من شروط يتحول فيها المنصب الحكومي الى شركة تابعة لكتلة الفضيلة.
ليست هذه المعلومات خافية عن الكتل السياسية الأخرى، إنها تعرف ذلك فقد جرت المفاوضات والاتفاقات على هذا الأساس.. يعرف ذلك المجلس الأعلى والتيار الصدري ودولة القانون وكتلة المستقلين والقوى السنية والقوى الكردية، تعرف كل هذه الجهات طريقة حزب الفضيلة، لكن لا أحد من القادة أو الأعضاء يكشف ذلك للشعب العراقي، لأن كشف مثل هذه الأمور يعني خيانة عظمى لتحالف المفسدين الذين يحكمون العراق.
** ** **
تكاد منصات المؤتمرات الصحفية تتحطم من شدة الشعارات الوطنية والمبادئ التى تطرح عليها.. شعارات ثقيلة الوزن قاطعة الحدة في الدفاع عن حقوق المواطن والوطن!
لقد شعرت كتلة الفضيلة بالإحباط الكبير لأن مشروعها في قانون الأحوال الشخصية الجعفري، واجه معارضة من مراجع الدين ومن بعض الكيانات السياسية!. كان الإحباط كبيراً بسبب عدم احترام معارضي القانون، للتشيع وفقه أهل البيت عليهم السلام!.
** ** **
يطلب بعض القراء الكرام، ان امتنع عن الكتابة لأن مقالاتي تساهم في اضعاف الكتل الشيعية.
سؤالي لمن يعنيه الأمر: هل هؤلاء الذين تسلموا المسؤوليات الكبرى في الدولة، فعاثوا فيها فساداً وسرقة، يمثلون الشيعة؟.. وهل في تعاليم الإسلام واحكامه ما يشير الى وجوب السكوت على الفساد والمفسدين؟.
سأكون في غاية الشكر والامتنان لو قدم لي أي شخص من أي طائفة او دين، دليلاً شرعياً أو عقلياً أو أخلاقياً يدعو الى التوقف عن هذه المقالات، بدعوى أن ما اكتبه يشكل مفسدة بحق المواطن والوطن، وبحق المذهب والدين، وبحق القيم والأخلاق.
يتبع
ملاحظة: الأخوة الكرام، تصلني طلبات كثيرة بتوسيع نطاق النشر، وهذا الامر يتعلق بكم، فارجو ان تتفضلوا بمشاركة هذه المقالات، ولكم مني كل تقدير.
إسلاميو السلطة (40)
مراجع الصدفة
في الحديث الذي جرى بيني وبين السيد (كريم اليعقوبي) في أواخر آب/ أغسطس 2005، والذي أتيت عليه في الحلقة السابقة. سألته عن الشيخ محمد اليعقوبي، وهل حصل على شهادة اجتهاد من السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره. أجابني بالقول: لا توجد شهادة اجتهاد، ولكن السيد الشهيد قال للشيخ اليعقوبي انه لو يستمر في حضور ابحاثه ودروسه فانه يتوقع له ان يصل الى الاجتهاد. وعليه فنحن نعتبر ان هذا الكلام هو شهادة اجتهاد للشيخ.
ثم اخرج من حقيبته عدة كتب اهداها لي، وقال هذه مؤلفات سماحة الشيخ اليعقوبي أرجو ان تتطلع عليها.
كانت الكتب مطبوعة بحروف كبيرة وبأسطر متباعدة على غير المألوف في النسق السائد في طباعة الكتب.
وبعد فترة من الزمن تابعت منشورات الشيخ اليعقوبي فقرأت له موضوعاً يتحدث عن المرجعية والسياسة وفيه يقول ما نصه: (وكان السيد الشهيد يعلن انتماءه إلى الخط الأول كأستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سره) والسيد محسن الحكيم والميرزا النائيني الذي آزر أستاذه الآخوند الخراساني في حركة الدستور المعروفة بالمشروطة أوائل القرن الماضي).
إن مما يبعث على الاستغراب حقاً، ان لا يعرف الشيخ محمد اليعقوبي، أساتذة الميرزا النائيني، فلم يكن الاخوند الخراساني من اساتذته ولم يتتلمذ عليه، إنما تتلمذ على الشيخ محمد حسن الشيرازي في سامراء، كما أنه في حركة المشروطة لم يكن تابعاً للخراساني، بل هو أبرز قادتها ومنظرها الأول في كتابه الشهير (تنبيه الأُمّة وتنزيه الملّة).
وعندما أوردُ هذه النقطة فلأنها مهمة وذات صلة بالبحث العلمي، فالشيخ محمد حسين النائيني هو من أعاظم الأصوليين، وهو أستاذ السيد الخوئي والسيد محسن الحكيم وكبار فقهاء الشيعة في القرن الماضي، ولا يمكن للبحث الأصولي ان يسير من دون المرور على آرائه والتي صارت تعرف بـ (المدرسة النائينية).
لا أتحدث هنا عن مضامين الفكر السياسي والإسلامي الذي يتحدث عنه الشيخ اليعقوبي، ولكن الطريقة التي تحدث فيها السيد (كريم اليعقوبي) عن مرجعية الشيخ، وعن تصديه لهذا العنوان الضخم والحساس في الكيان الشيعي، يفرض على المتابع أن يتأمل ويعيد النظر في عراق ما بعد السقوط. فتأتي الدهشة والاستغراب لتغطي المتابع من كل الجهات، ثم تزول مع السنوات حين يجد الأمور في العراق تسير على هذا النحو اللامعقول، وتحت ظاهرة سياسيي الصدفة.
** ** **
فلقد شهدت مرحلة ما بعد سقوط النظام عام 2003، بروز ظاهرة مراجع الدين، في قفزة لم يشهدها من قبل تاريخ الحوزات العلمية وخصوصاً حوزة النجف الأشرف وهي عاصمتها ومركز ثقلها وعمقها التاريخي بلا منازع.
يروي الشيخ محمد حرز الدين في موسوعته (معارف الرجال) صفحات من سيرة علماء الدين وسلوكهم ومواقفهم، ويتحدث عن فقهاء كبار لهم المنزلة المشهودة في الساحة الفكرية وفي الحوزة العلمية، لكنهم رغم حصولهم على رتبة الاجتهاد من كبار الفقهاء، لا يتصدون للمرجعية، بل انهم كانوا يجلسون في مجالس المراجع الكبار من أجل ان يعززوا مكانتهم الاجتماعية، ويساهموا في تجميع الأمة تحت قيادة دينية واحدة.
وتحكي لنا سيرة المرجع الكبير والشخصية الفذة الامام محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله أنه عندما حضر مؤتمر القدس أوائل ثلاثينات القرن الماضي، أبهر كبار العلماء ورجال المسلمين والعرب بخطابه، فقدموه لإمامة الصلاة، وحينما سألوه عن منصبه الديني في النجف، أجابهم بأنه طالب من طلبة حوزة النجف الأشرف.
وشبيه بهذه الموقف، عندما زار الشيخ عبد الكريم الزنجاني رحمه الله القاهرة، وألقى محاضرة في الأزهر، كان من بين الحضور الدكتور طه حسين، فلما انهى محاضرته، قال فيه: (كنت استمع الى خطبة الامام الزنجاني فظننت أن ابن سينا حيّ يخطب). وعندما سأل الحاضرون موقعه في الحوزة العلمية في النجف، اجابهم بأنه أحد طلبتها، وان اساتذته هناك في النجف الأشرف.
يزدحم تاريخ الشيعة بالنماذج الكبيرة من الشخص
يات العملاقة التي كانت تحرص كل الحرص على تعزيز موقع المرجعية العليا، باعتبارها الرمز القيادي للأمة، والملجأ الأهم الذي يتصدى لشؤونها في الأوقات والظروف الصعبة.
ويروي تاريخ الشيعة أن المرجع الكبير الشيخ الجواهري، كان على فراش الموت وقد أحاط به كبار العلماء، وقد لاحظ تخلف تلميذه الأبرز العالم الفذ مرتضى الانصاري، فطلب حضوره، ولم يأت الانصاري إلا بعد جهد وإصرار. لقد كان يعلم بأن استاذه سيعلن مرجعيته من بعده، ولم يكن يرغب أن يتولى المرجعية بهذه الطريقة، إنما أرادها من خلال المنزلة العلمية الرفيعة التي يمتلكها وهو يومذاك كان أحد اعلام الفكر الأصولي والبحث الفقهي، وكتبه من أهم مصادر البحث والدراسة في الحوزات العلمية ومنها كتابه (المكاسب المحرمة).
فذات يوم كان يحدثني العلامة السيد العسكري رحمه الله، عن أحداث زيارة المرجع الكبير السيد محسن الحكيم رحمه الله الى بغداد عام 1969، واقامته في منزل احد الوجهاء في الكاظمية، وخلال تلك الزيارة افتعل نظام البعث تهمة اشتراك نجله الشهيد السيد مهدي الحكيم في مؤامرة انقلابية بالتنسيق مع شاه ايران. قال السيد العسكري انه بعد ان تم إعلان الخبر في وسائل الإعلام، كان ساعتها جالساً في محل إقامة المرجع الحكيم، وبعد فترة وجيزة، دخل احد الأشخاص وقال للحاضرين أنه حصل على معلومات بأن أجهزة الأمن تنوي اعتقال السيد العسكري. فنصح الحاضرون العسكري بعدم الخروج، حفاظاً على سلامته من الاعتقال. لكن السيد العسكري، استأذن المرجع الحكيم بالعودة الى منزله في الكرادة، قائلاً: طالما يوجد احتمال بان قوات الأمن قد تقتحم هذا المنزل وتعتقلني فيجب أن أتركه بأسرع وقت، لأن اعتقالي من مجلس المرجع الأعلى للشيعة، يشكل طعنة لموقع المرجعية، أما اعتقالي من الشارع أو من بيتي فلا يؤثر على مقام المرجع.
** ** **
لقد صارت المرجعية في العراق بعد سقوط النظام عام 2003، مشابهة لحال الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات، فمن يعرف أساليب التسلل فانه يحجز لنفسه مقعداً مهماً، ثم يتحول بعد فترة قصيرة الى أمر واقع. ألم يحصل احد الأشخاص على وزارة السياحة وظهر في مقابلة تلفزيونية اثناء زيارته دمشق في ولاية المالكي الأولى وهو يتحدث عن (ضخامة) الرئيس بشار الأسد؟ فصارت نكتة الشارع العراقي، لكنها في الحقيقة أحدى الجراحات العميقة في الجسم العراقي المستباح.
يتبع.
إسلاميو السلطة (41)
فصل الخطاب مع حزب الفضيلة والشيخ اليعقوبي
يتجه الكلام بما يحمله من ردود الأفعال المنشورة، نحو مسارات تبتعد عن المحاور الأساسية التي طرحتها في الحلقات (من 37 الى 40)، فلقد ضاعت المآخذ المسجلة على حزب الفضيلة في زحام الشتائم والتشنج، وربما كان القسم الأكبر منها مقصوداً للإبتعاد عن الحقيقة وإشغال المتابعين بغبار التأجيج الانفعالي.
ألخص المؤاخذات على حزب الفضيلة، بمحاور محددة هي:
الأول: إن حزب الفضيلة ساوم الدكتور الجعفري بالتصويت لصالحه في حال منحهم منصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس البرلمان ووزارة سيادية، وقد تم ذلك باتصال هاتفي اجراه أحد قياديي الفضيلة بعد الساعة الثانية صباحاً من يوم التصويت على مرشح الإئتلاف الوطني. وجاء الرد بالرفض القاطع على لسان السكرتير الخاص للسيد إبراهيم الجعفري، السيد اياد بنيان. فهل يستطيع حزب الفضيلة إنكار ذلك؟.
ولكي أخفف الأمر على حزب الفضيلة، فاقول: هل بإمكانه ان يحصل على تكذيب علني من السيد اياد بنيان وهو شخصية معروفة وقد شغل رئاسة نادي الشرطة الرياضي؟.
بل سأخفف الأمر أكثر من ذلك على حزب الفضيلة، لأقول: أن بإمكان المشككين أو الباحثين عن الحقيقة الاستفسار من السيد اياد بنيان عن هذه الواقعة، ونشرها علنا على أي وسيلة إعلامية.
الثاني: إن القيادي في حزب الفضيلة والمقرب من الشيخ محمد اليعقوبي، وهو السيد (كريم اليعقوبي) طلب مني في منزل الدكتور مصطفى الركابي في قم أواخر شهر آب 2005 أن اتحدث مع الدكتور الجعفري ليمنح حزب الفضيلة مليون دولار من مساعدة مالية قدرها أربعة ملايين دولار، كانت الحكومة الكويتية منحتها للجعفري ضمن مشروع دعم المدارس العراقية. وكان الدكتور مصطفى الركابي حاضراً وقد استغرب منه هذا الكلام ورد عليه مستهجناً هذا الطلب. فهل يستطيع حزب الفضيلة أو السيد (كريم اليعقوبي) أن ينفي حصول ذلك نفياً رسميا علنياً؟.
وسأخفف الأمر على السيد كريم اليعقوبي فأقول: هل يستطيع أن يحصل على تكذيب من الدكتور مصطفى الركابي حول هذه الحادثة فينشرها على أي وسيلة إعلامية؟
بل سأخفف الأمر اكثر، فبإمكان المشككين أو الباحثين عن الحقيقة الرجوع الى الدكتور مصطفى الركابي (أبو سحر) وهو شخصية معروفة يسهل الوصول اليها في مدينة قم، ومعرفة رأيه حول ما كتبت ونشر جوابه في أي وسيلة إعلامية.
الثالث: وفي نفس اللقاء أي في منزل الدكتور الركابي تحدث السيد (كريم اليعقوبي) عن رفض وزير النفط الدكتور إبراهيم بحر العلوم، طلباتهم بمنح حزب الفضيلة عقود نفطية، وعليه فانهم قرروا افتعال أزمة معه، لإستبداله بوزير آخر. وهنا ايضاً تدخل الدكتور مصطفى الركابي (أبو سحر) وابدى امتعاضه من هذا الطريقة، مؤكداً أن الوزارة ليست ملكاً صرفاً لحزب الفضيلة، وأن هناك سياقات وضوابط قانونية يجب احترامها والالتزام بها، وأشار ايضاً الى هذا التصرف يضر بسمعة حزب الفضيلة كحزب شيعي، لأنه سيأتي اليوم الذي تتكشف فيه الحقائق. فهل يستطيع السيد (كريم اليعقوبي) ان يُكذّب هذا الكلام بشكل رسمي وعلني؟.
ولأخفف المهمة على حزب الفضيلة، فأقول:هل بإمكان حزب الفضيلة او السيد اليعقوبي، ان يطلب من الدكتور بحر العلوم والدكتور الركابي تكذيب ما ذكرته في مقالي عن هذه الحقائق؟.
الرابع: طرح حزب الفضيلة أمينه العام الدكتور نديم الجابري مرشحاً لرئاسة الوزراء، وهذا ما أكده الجابري في مقاله على صفحته في الفيسبوك بأنه استجاب لتكليف الشيخ اليعقوبي في التصدي لهذه المسؤولية، أي الترشح عن حزب الفضيلة لتولي رئاسة الحكومة. وقد نشرت في مقالي الحلقة (37) أن الدكتور نديم الجابري كان من الأقلام المأجورة التي تمجد وتؤله طاغية العصر صدام، وكان يكتب المقالات ضد الجمهورية الإسلامية وضد المعارضة الإسلامية الشيعية، ومنها مقاله المنشور في جريدة القادسية العدد 2405 الصادر بتاريخ 12 كانون الثاني 1988 بعنوان (مبدأية الموقف العراقي وإقتداره).
أقول هنا، كيف يوافق الشيخ محمد اليعقوبي على تعيين الجابري أميناً عاماً لحزبه، مع علمه بأن هذا الرجل هو أحد الأقلام المؤلهة لقاتل استاذه الشهيد الصدر الثاني، ومن قبله الشهيد الصدر الأول، إضافة الى قتل أبناء الانتفاضة الشعبانية وقتل الشعب العراقي وحكمه بظلم جنوني لا سابق له في التاريخ؟. وكيف يطلب الشيخ اليعقوبي من هذا الشخص الذائب حباً وإعجاباً بطاغية العصر ان يتولى أخطر منصب في الدولة وهو رئاسة الوزراء؟.. هل يستطيع حزب الفضيلة أو الشيخ اليعقوبي أن يقدم تفسيراً لهذا الموقف؟. وأين هو موقع الوفاء لإستاذه الشهيد عندما يُرشح مدّاح قاتله لرئاسة الوزراء؟.
الخامس: بعد انتخابات عام 2010، وبروز معارضة شديدة لتولي السيد المالكي ولاية ثانية، طلب حزب الفضيلة مبلغاً مالياً ضخماً من كتلة دولة القانون كمقدمة أولى لتأييد تولي المالكي تشكيل الحكومة. فهل يستطيع حزب الفضيلة تكذيب هذه الحادثة ببيان رسمي علني؟.
السادس: إن الشيخ محمد اليعقوبي لم يحصل على شهادة اجتهاد من فقهاء ومراجع حوزة النجف الأشرف، ولم يشهد له بالاجتهاد أحد المراجع الأربعة الكبار في النجف الأشرف عاصمة الحوزة العلمية الشيعية، فهل يمكن لحزب الفضيلة او للشيخ اليعقوبي أن ينشر شهادة اجتهاده من حوزة النجف الاشرف التي درس فيها وينتمي اليها، كما هو المتعارف في تاريخ الحوزات العلمية وسياقاتها العلمية؟.
السابع: خصص الشيخ اليعقوبي محاضرة هاجم فيها المرجع الأعلى السيد علي السيستاني هجوماً لا يليق بمقامه الرفيع، مع ان السيد السيستاني هو الرمز الأكبر للأمة والذي استطاع ان يحفظ العراق من الإحتراق في اكثر من فتنة طائفية، وقد تحول الى شخصية عالمية فرضت هيبتها وقوتها وحكمتها على جميع الأوساط. ولنا ان نتصور كيف سيكون شكل العراق من دون وجود السيد السيستاني؟، إننا بالتأكيد أمام خيال مرعب لا يتمناه أي مواطن مخلص. فهل يستطيع الشيخ اليعقوبي او مكتبه، أن ينكر هجوم اليعقوبي على السيد السيستاني؟.
أطرح هذه الأسئلة أمام حزب الفضيلة، وبعبارة أدق امام الشيخ اليعقوبي باعتبار أن الحزب وكما يعرف الجميع هو ذراعه السياسي وواجهته في السلطة.
أطرح هذه الأسئلة وأنا أرجح أن الرد لن يأتي لسبب واحد، لأن قيادات الحزب تعرف جيداً أنني امتلك أدلتي التي لم أكشفها كاملة بعد.
على أن من الضروري التأكيد أن الشيخ محمد اليعقوبي وذراعه حزب الفضيلة، أمام تحدٍ علني في مواجهة الحقيقة، وفي مواجهة الشعب العراقي الذي يعرف الكثير من أبنائه صفقات النفط وسرقته عبر محافظة البصرة في السنوات الماضية.
وأؤكد للقارئ الكريم، أن الكيان الوحيد من بين الكيانات الشيعية الذي دخل السلطة بثنائية المرجع والحزب، هو حزب الفضيلة والشيخ اليعقوبي، ولهذا حديثه وتفصيله في حلقة مستقلة.
إنني أدرك أنها مهمة صعبة وشاقة، وهذا ما يتضح من خلال ردة الفعل التي تأتي صاخبة تعتمد التشويش وإضاعة محاور الفكرة في تعليقات تشتت تركيز القارئ على أصل الموضوع في متاهات جانبية، إنها ردة فعل منظمة تجيدها عادة الأحزاب السياسية، ويمكن لمن يتوقف عند طبيعة التعليقات أن يكتشف ذلك بوضوح.
أقول قولي بهذه المباشرة لأن المحنة التي مرت على العراق تستدعي كشف الأوراق والملفات، ليعرف العراقي الفقير المسكين المسروق، كيف يتلاعب به (إسلاميو السلطة)، مجموعة من رجال السياسة جاءوا باسم الدين والمذهب، فسرقوا العنوان واساءوا الى المضمون. ويكفي أن المرجع الأعلى السيد السيستاني قد أغلق بابه بوجوههم في تعبير واضح عن موقفه، مع أن بابه ومنزله المتواضع هو مأوى العراقيين بمختلف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم.
إسلاميو السلطة (42)
المتسترون على الفضيلة واليعقوبي، هذه بعض اسمائهم
بعد سقوط نظام صدام، كان الجو العام في الأوساط الشيعية، يستند على ثلاثة مرتكزات أساسية:
ـ تدين ومشاعر إسلامية.
ـ ارتباط وثيق بالمرجعية العليا.
ـ تقديس واتباع لخط الشهيدين الصدر الأول والثاني.
وقد جاءت فسحة الحرية لتطلق مشاعر الحزن والقهر المكتومة على مدى عقود من الزمن، فصار الارتباط بهذه المرتكزات أكثر من قبل، فالإسلام في محيطه الشيعي كان محارباً من قبل النظام، والحركة الاسلامية هاجرت من العراق وقد خلفت وراءها إرثاً كبيراً من التضحيات والشواهد على الجهاد والعطاء والبطولة، ونقصد هنا حزب الدعوة بصورته الأصلية أي قبل ان يتعرض للسرقة بعد عام 2003.
والمرجعية كانت محاصرة في النجف الأشرف، وهي الموقع الذي لا يقترب منه الشك في حرصه على مصالح الأمة، عبر قرون عديدة من الزمن. وقد تحول الارتباط الشيعي بالمرجعية الى أحد الثوابت الكبرى التي مكنته من مواجهة التحديات ومحاولات التذويب والتشتيت.
أما خط الشهيدين الصدر الأول والثاني، فهو العلامة الأبرز للوعي والتحدي والثورة ضد الظلم، وهو العنوان المُفجع لظلامة حقبة طويلة من تاريخ العراق والعالم الشيعي.
وفي ضوء التحول السياسي الكبير الذي شهده العراق لحظة سقوط الصنم في ساحة الفردوس، اكتشف مجموعة من الأشخاص أن التغيير في العراق هو فرصة ثمينة تمر خاطفة أمامهم، وعليهم اقتناصها قبل ان تمتلئ المواقع وتنغلق الطرقات. فتقدم بعضهم يزج نفسه في التيار الصدري الذي بدا واضحاً أنه التيار الأكبر في الساحة، وأتجه آخرون نحو المجلس الأعلى بامكاناته المالية الهائلة والمدعوم مباشرة من إيران، وتسلل قسم ثالث الى حزب الدعوة مستفيداً من تفكك الضوابط التنظيمية. فيما فضّل رابع الزي الديني يرتديه على عجل، فيختصر على نفسه مسافات الانتظار.
** ** **
في أيام التغيير الأولى، بعد سقوط نظام صدام حرص الشيخ محمد اليعقوبي على البقاء قريباً من السيد مقتدى الصدر، فقد كان القرب منه يعني الواجهة المنفتحة على الملايين من اتباع الشهيد الصدر الثاني. وحينا أطمأن اليعقوبي الى حصوله على الاتباع، انشق عن التيار الصدري معلناً اجتهاده بنفسه، ومستنداً على تأسيس حزب سياسي هو حزب الفضيلة. وكان ذلك استغلال منه لسمعة الشهيد الصدر الثاني وشعبية التيار الصدري، بينما يفرض الوفاء ألا ينفصل عن هذا التيار الذي يحمل اسم الصدر الثاني قدس سره، لأن الوفاء والبرّ هو برّ الممات لا بر الحياة فقط.
لقد قرأ الشيخ اليعقوبي التجربة التي عاصرها، فالامام الشهيد محمد باقر الصدر، بعد ان نال من المكانة العلمية ما شهد بها الجميع، لم يستطع أن يكون مرجعاً إلا من خلال أنصاره وأبناء مدرسته في حزب الدعوة.
وقرأ اليعقوبي أيضاً تجربة الامام الصدر مع المرجعية والحزب، وهي القصة المشهورة حين نصحه المرجع الراحل السيد محسن الحكيم قدس سره عام 1961، بعدم الارتباط تنظيمياً داخل حزب الدعوة لكيلا يتحجم في اطاره، فدوره يجب ان يكون لكل الأمة بحكم مستقبله في المرجعية.
لكن رعايته لحزب الدعوة الى جانب جهوده العلمية العملاقة، واخلاصه النادر لمبادئه، جعل الدعاة يتمسكون بتقليده ويدعون الى ذلك.
قرأ اليعقوبي ذلك، ووجد أنه يستطيع ان يلتقط نقاط القوة من عدة جهات، فمن خلال المشاعر العامة التي ينظر بها الناس الى المراجع، يستطيع ان يكون أحد القيادات الدينية مستقبلاً، ومن قربه من السيد مقتدى الصدر يتمكن من الحصول على تزكية عالية القيمة، وعن طريق حزب الفضيلة سيتمكن من توسيع دائرة نفوذه ودخوله الى مجال السياسة.
لكن العقبة التي لم يكن بمقدوره تجاوزها، هي شهادة الاجتهاد وعدم اعتراف المراجع الكبار به، وهنا كانت المغامرة، فهي ضربة من ضربات العمر لا تقبل غير المجازفة، إما السقوط وإما النصر. فقرر أن يخوض مجال المرجعية مستفيداً من مساندة التيار الصدري أولاً ثم من حزب الفضيلة وما يحصل عليه من أموال، قبل أن يبدأ بمناوشات بسيطة يُلقي حجارتها صوب بيت المرجع الأعلى السيد السيستاني. وكان من حسن حظه أن موجة من الحماس المرجعي قد اصابت عدداً آخر من الرجال، فتشتت الانظار على عدة وجوه، وقد خدمه ذلك كثيراً.
وقرأ الشيخ اليعقوبي الخارطة العراقية، فصب جهوده على محافظة البصرة، ثغر العراق وكنزه الثمين، وقد تمكن بذلك من إيصال حزب الفضيلة الى منصب محافظ البصرة، فصار النفط يضخ أمواله الطائلة عليهم.. كان كنزاً مفتوحاً يخرج من أعماق الأرض، فيملأ خزائن حزب الفضيلة بأكداس الرزم المالية، تمر امام عيون الفقراء الجائعين في مدينة البصرة واقضيتها ونواحيها وقراها المنسية.
بحزب الفضيلة ودخوله الى العملية السياسية، حصل الشيخ اليعقوبي على حماية الكتل السياسية، فنظام المحاصصة والصفقات السياسية، تفرض على الشركاء أن يمنحوه لقب المرجع ويتعاملون معه على هذا الأساس وإن كانوا في مجالسهم يستخدمونها نكتة وسخرية. فما يريدونه هو التحالفات وليس الحقائق.
ولكي يفوز بالمكاسب العاجلة في أجواء العملية السياسية الرخوة، فان حزب الفضيلة اختط لنفسه مسار المساومات فكانت مقاعده واصواته معروضة للبيع في كل صفقة سياسية وفي كل تفاوض وفي كل أزمة. وكان الشيخ اليعقوبي وحزب الفضيلة قد تيقنوا بأن الأطراف السياسية لا يمكن ان تكشف الصفقات السرية، فما تحصل عليه يُسكتها سكوتاً مطبقاً، كما أن لا أحد من الكتل والقادة يفضح نفسه، أو يفضح جهة سياسية ينتظر مساوتها في أي يوم.
** ** **
لقد أدرك إسلاميو السلطة ـ وكل السياسيين الآخرين أيضا ـ أن المواطن العراقي لو عرف الحقيقة فأنه سيرفضهم جميعاً، سيواجههم بالسؤال ويطالبهم بالجواب العاجل عن قضايا الفساد. وعند ذاك تتكشف الحقائق، ويُخرجهم الناخب العراقي من صناديق الإقتراع الى سلة المهملات.
أدركوا ذلك، وعرفوا طبيعة المجتمع العراقي، فتستر بعضهم على بعض في الفساد والجرائم والصفقات، حتى لا تختل صورة القائد في ذهن أتباعه.
المهم أن حزب الفضيلة كان أول الكيانات السياسية التي اعتمدت طريق المساومة والابتزاز، وكانت المهمة سهلة مع الكيانات الأخرى التي استساغت الأسلوب ووجدته سهلاً مربحاً ومضمون النتائج.
** ** **
بعد تجارب اكثر من عشر سنوات، اكتشف الشعب العراقي، مآلات الخراب والفشل، ومستويات السرقة والفساد، واكتشف أن هذه الكيانات التي رفعت شعار الدين، سرقتهم باسم الدين، وكان شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) التعبير الواعي الذي يمتلكه الشعب العراقي، وقدرته العالية على التمييز بين المتدين الحقيقي والإسلامي الأصيل، وبين الذي يتخذ الدين والإسلام شعاراً ودثاراً يخفي تحت أكوام الأموال الطائلة.
وكان المرجع الأعلى السيد السيستاني قد اكتشف ذلك في فترة مبكرة، حينما وجدهم أنهم كانوا ينهالون على منزله لتزكية انفسهم، فأغلق بابه ومنعهم من الدخول، في إشارة لا تقبل الشك بأنه رفضهم لما ألحقوه بالشعب والعراق.. أغلق الباب لأنه أراد أن يعلن أن إسلاميو السلطة لا علاقة لهم بالإسلام ولا التشيع، وهي لفتة حكيمة منه أراد منها تطهير الإسلام والمرجعية من عملية تشويه رأى بوادرها بالنظرة الثاقبة التي عُرف بها.
** ** **
بعد هذه التجربة، أدرك المواطن العراقي أن ظلامة الشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني، وخطهما كان عنوان مرور لا أكثر، فلقد هجروا مدرستهما ونهجهما، وتمسكوا بما فازوا به من مكاسب وما غرقوا فيه من امتيازات.
إن ما كتبته يعرفه جيداً السادة: خضير الخزاعي وعادل عبد المهدي، وهمام حمودي، والدكتور حسين الشهرستاني، والشيخان المسعودي والكناني، وبهاء الأعرجي، وعلي الأديب، ونوري المالكي، وفالح الفياض وإبراهيم الجعفري، وحسن السنيد، وباقر جبر الزبيدي، وأسماء عديدة وشخصيات أخرى، لكنهم يكتمون شهاداتهم.
يكتمون ذلك، لأنهم يعرفون أن حزب الفضيلة لو انفضح أمره، فستنفضح أمور كياناتهم وأحزابهم، وان الشيخ اليعقوبي لو انكشف فستنكشف بقية القيادات. ولذلك فالحل الأمثل أن يلوذوا بالشعارات والخطابات والمواعظ.. لقد جربوا هذا الأسلوب ووجدوه ناجحاًّ، إنه درب السلطة الذي ترى على جانبيه رماد المبادئ والقيم ملقاة هنا وهناك.
يتبع.
للبحث صلة من نكملة الملف الاول على الرابط التالي:
الرابط: http://alsaed-albaghdadi.com/index.php?news=4028
للاطلاع على الملف الثاني على الرابط التالي:
http://alsaed-albaghdadi.com/index.php/etlalat/4064.html