كلمة الجمعة لسماحة الفقيه المرجع السيد احمد الحسني البغدادي دام ظله بتاريخ 7 جمادي الآخر 1447هـ
كلمة الجمعة
بسمه تعالى
إِنَّ الطواغيت الاقتصاديين والفراعنة الماِّليين وسماسرتهم ــ كما يؤكد القرآن الكريم ــ هم الذين يخونون في امواله وَيَجْبَهونَهُ في تقاديره حيث يستأثرون بالمواد الخام والمناجم والانتاج والاستيراد، ونوعية السلع والبضائع تجتمع وتتضخم كلها تحت هيمنتهم، حتى يكون القرار بأيديهم من خلال الاجحاف بالأسعار واستغلال الكادحين المحرومين البائسين واعطائهم ما يشاؤون بقدر ما يرغبون.
وعند ذلك يختل امر التوزيع، وُيفصَم القسم الالهي المشروع، ويفشو في الناس البذخ والارستقراطية والتفاخر والرياء والنفاق والظلم والحرمان، وهذا من عمل الظالمين والجاهلين، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ سورة النحل، 118. من الذين يطلبون الكثير ولا يَشْبَعُونَ، ومن الذين يكنزون ولا ينفقون، اي يدخرون فوق اشباع حاجاتهم بوجود السائلين والمحرومين، اي الذين يسألون عن حقوقهم في ثروة مجتمعهم، ولا يجدون ما يستهلكون، ومن الذين يملأون بطون المصانع بأسلحة الدمار الشامل، ولا يَشْبَعُونَ بطون الجائعين بالرغيف، حتى ينتهي الامر الخطير الى تلك الفروق الفادحة بين انسان وآخر، وبين معيشة وأخرى، المَشْجُوبين في الاسلام القرآني المحمدي الأَصيل بالضرورة الحتمية، فترى قصوراً فخمة.. والى جانبها اكواخاً خاوية، واموالاً مُكَدَّسةً.. والى جانبها حقوقا مسلوبة من جراء تكاثر المتكاثرين، واتراف المترفين، سيما اذا كانوا من الفئة المالكة، وفي مراكز متقدمة في السلطة والمسؤولية (والعلاقة الجدلية قائمة بين المترفين والسلطة الحاكمة.. فإما يقود الترف الى السلطة، او يقود السلطة الى الترف) وهي تنذر بانحرافها عن المواقف الاجتماعية الانسانوية المستقيمة المتوازنة، وقد تستأصل من الجذور فئة اتاحت بإرادتها وسلبيتها ظهور هذا التناقض اللاأخلاقي الفاضح الصارخ بين جماعة مترفة سلطوية تمتلك كل شيء، والكثرة الكاثرة مسحوقة محرومة معذبة لا تمتلك شيئاً من حطام هذه الدنيا الزائلة الفانية.
أليس هذا خلاف قيم الحق والعدل والاحسان والانصاف؟
أَليس هذا يجيء مصداقاً لما طرحه القرآن الكريم بتركيز دقيق عن نهاية المترفين في ساحات واسعة من وجود حياتنا؟.
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ سورة، المائدة، 66.
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ سورة الاعراف، 96.
﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ سورة الجن 16 - 17.
﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ سورة هود، 48.
﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ سورة هود، 73.
احمد الحسني البغدادي
النجف الاشرف
7 جمادي الآخر 1447هـ