في الثقافة الدينية.. إضاءات وتأملات تفسيرية جديدة بيان حول حلول شهر رمضان المبارك بيان حول حلول شهر رمضان المبارك كلمة مودة فقيه ناقد لن يهدأ رسالة تقييم حول الاصدار الجديد في الثقافة الدينية زيارة الدكتور امير العطية والوفد المرافق له لسماحة الفقيه المرجع القائد دام ظله في الثقافة الدينية مقتطفات من حديث المفكر العربي الدكتور عبد الحسين شعبان لمنصة مجتمع حول كتابه: دين العقل وفقه الواقع: مناظرات مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي. رسالة سماحة الفقيه المرجع القائد أحمد الحسني البغدادي دام ظله الموجهة الى الأمة العربية والإسلإمية

الحوار الحادي والخمسون مع قناة «الدنيا» الفضائية بتاريخ 26 تشرين اول 2008م

الحوار الحادي والخمسون مع قناة «الدنيا» الفضائية بتاريخ 26 تشرين اول 2008م

الحوار الحادي والخمسون
مع قناة «الدنيا» الفضائية بتاريخ 26 تشرين اول 2008م


اجرت قناة الدنيا الفضائية حواراً خاصاً مع سماحة آية الله العظمى المرجع احمد الحسني البغدادي في برنامج: «حوار الدنيا» بتاريخ 26 تشرين اول (اكتوبر) 2008 م.
  قال سماحة آية الله العظمى المرجع القائد أحمد الحسني البغدادي   لـ ((قناة الدنيا)):  
* لا اعترف بشرعية الدور الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة في العراق، او مجلس الأمن الدولي، واعتبرها مؤسسات "موجهة من قبل الماسونية العالمية وربيبتها الصهيونية، إِنَّ التعويل على دور الأمم المتحدة او غيرها من المنظمات الدولية، مثله مثل التعويل على البرلمان العراقي، هو، من وجهة نظر فقهية، مخالفة شرعية وخيانة وطنية.
* وبيِّنَ سماحته: نحن في العراق، كمقاومة ثورية رسالية حضارية، لا نريد أن نقتل إنسانا بريئا، أو نظلم كافرا معاهدا، وإنما نحن، كمقاومة، نقول للعدو المحتل المجرم، أُخرجْ من أين آتيت، لا مكان لك في دار الإسلام مهما تزعمْ أنك جئت من أجل (تحريرنا) من الدكتاتورية والاستبداد، ونشر الحرية والإصلاح والديمقراطية.. نقول له أُخرجْ، إِنَّ القرآن والعقل والوجدان والتاريخ يؤكد علينا مقاتلتك وطردك.
 * وتناول النصوص التشريعية التي تدلُّ دالة على نفي سبيل الكافرين على المسلمين، والأدلة التي تدلُّ على النهي عن موالاة الكافرين، والأدلة التي تدلُّ على امتنانه تعالى بكف أيدي الكافرين على المسلمين، وكلُّها تؤكد على عدم شرعية سيادة الكافرين على المسلمين. 
* واعتبر ابرام الاتفاقية الامنية عملاً غير شرعي لأَنَّها صُدِّقَتْ من جانب مجلس نواب لا قيمة لوجهة نظره إطلاقا، لأن هؤلاء انتخبوا تحت الحراب الأميركية، والحماية اللوجستية الإسرائيلية. 
* وندد بالأكذوبة القائلة إِنَّ الأميركيين إذا غادروا البلاد فسوف تحدث الفتنة بين الأمة، وقال "هذه مزاعم تضليلية، يطلقها التابعون للولايات المتحدة الأميركية، أكل الدهر عليها وشرب.
* وأضاف "من يوم تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء حاول الأميركيون من خلال هذه الجريمة النكراء تأجيج الحرب الأهلية، ولكن وعي أبناء الأمة أسقطَ هذا المشروع الفتنوي التقسيمي، والعراقيون لم يسمحوا، ولن يسمحوا، للصهاينة أنْ يحققوا طموحاتهم في تحويل العراق الى دويلات وكونتونات ضعيفة، هزيلة، ومتصارعة، متقاتلة فيما بينها حتى تبقى إسرائيل في المنطقة هي الأقوى عسكريا واستخباراتيا واقتصاديا وثقافيا. 
* وتوعَّدَ قائلاً: ليعلم هؤلاء، مهما يتآمْر علينا الصهاينة والأميركيون والتابعون لهم من الملوثين والمفتونين والغرباء والقتلة واللصوص، فإِنَّ المسيرة الكفاحية سوف تستمر، وهذا هو منطق الأمم في تحرير أوطانها من خلال المقاومة السياسية والميدانية، وهذا هو منطق حركات التحرر الإسلامية قديما وحديثا. 
* ودعا الى إسقاط الإتفاقية الأمنية من خلال تصعيد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وكذلك من خلال الاعتصامات الجماهيرية، والتظاهرات الشعبية سواء بسواء. وقال نحن أمة حية مجاهدة لا تقبل بالاذلال والتوهين على طوال التاريخ. 
* وقال إِنَّ المقاومة العراقية ضد الإحتلال هي المقاومة الوحيدة التي لا تتلقى دعما من الخارج. "نحن كمقاومة لم يدعمنا أحد من النظام العربي والإسلامي الرسمي إطلاقا، بل نحن نقاتل بـ "كلاشنكوف" قديمة لكنها أفشلت المشروع الأميركي، وتصدت لأقوى جيش فتاك في العصر الحديث، يعتبر أداة للهيمنة الامبريالية على العالم. 
* وأكَّدَ إِنَّ الولايات المتحدة في العراق لم يبق لها إلا الإعلان عن هزيمتها رسميا.
*  وقال: لولا صمود المقاومة بنَفَسَها الطويل، ونوعية تصديها لسقطت المنطقة تحت هيمنة إسرائيل وأميركا سواء بسواء. 
* وقال: إِنَّه التقى عددا من القادة الفلسطينيين الذين اكدوا له أَنَّ المقاومة في العراق هي الحلقة المركزية في التصدي للمشروع الصهيوني في المنطقة، وشددوا على قولهم له إذا انهزمتم في معركتكم الفاصلة مع العدو الأميركي الغاشم فستَسْقُطْ كل منجزات ومكتسبات الشعب الفلسطيني التحررية. 
 * وفسر السبب وراء عدم ظهور تنظيم موحد للمقاومة بالقول: لو كانت فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية موحدة لانكشفت للعدو المجرم، بل هي مجاميع صغيرة، كل واحدة منها تعمل على حدة، وبسرية وانضباط حركي.
* وأضاف: هذا العمل استراتيجي وليس تكتيكيا، لأن فصائل المقاومة العراقية تتبنى التنظيمات المجهرية، لانها تنفذ العمليات الميدانية والاستشهادية في أرض مكشوفة، وليست في جبال شاهقة، أو أودية سحيقة ومغارات عميقة. 
* وقال: لقد أكدت على بعض فصائل المقاومة، وليطلع أبناء العراق والأمة، إِنَّ الأمر يجب أن يكون هكذا.
* وكشف انه بسبب هذا الأسلوب المجهري الناجع تحركت المملكة العربية السعودية بناءً على الرغبة الأميركية ـ الإسرائيلية لاختراق رموز المعارضة العراقية التي تناهض الاحتلال وتقاومة، ومن خلال الاحتواء المزدوج فتحوا جسورا مع هذا الطرف أو ذاك، والبعض منهم قبض المخصصات الشهرية المشجوبة المحرمة. 
 * وأضاف: السعوديون يعرفون من أين تؤكل الكتف، لا يقطعون شعرة معاوية مع أَيِّ طرف من أطراف المعارضة العراقية. بقصد احتوائهم، في سبيل الوصول الى غايات وأهداف معينة معهم، وسعيا للحد من نشاط المعارضين ونضالهم، في محاولة لدمجهم في المشروع الأميركي. 
* ولفت الى انها وصمة عار أبدي على رموز المعارضة الوطنية والإسلامية العراقية أن ينسقوا مع الحكام السعوديين، الذين أعطوا الشرعية للمشروع الأميركي في العراق، النموذج المتوحش لعولمة المنطقة على الطريقة الأميركية، ولأنَّ هذا يساعدهم على تأجيج الفتن بين أبناء الأمة الواحدة، لا في العراق المحتل فحسب، بل حتى في لبنان وسوريا، وفي المنطقة برمتها. 
* ورداً على سؤال حول الفرق بين المقاومة والإرهاب أكَّدَ سماحته أنَّ الإرهاب بالمفهوم القرآني هو الرعب والخوف، الذي يرهب العدو، وهذا بخلاف العمليات الانتحارية، التي تستهدف التجمعات الشعبية، التي يوجد فيها نساءٌ وأطفال وشيوخ، فهذه ليست إرهابا، كما يزعمون، وإنما هي عمليات إجرامية مدانة وتشجبها كل الأديان السماوية والمذاهب الأرضية، بيد أن أميركا والتابعين لها يتهمون كل من يرفع بندقية مقاتلة تستهدفهم فينعتونه بأنه «إرهابي» لتشويه سمعة المقاوم والمقاومة في العراق.
* وأكدَّ سماحته دعمه ومساندته كلَّ من يرفع البندقية المقاتلة في وجه المحتل الأميركي مهما يكن انتماؤه وعرقه ومذهبه.
* وختم سماحته بالقول هذا هو نهجنا وشعارنا، نرفعه منذ غزو العراق واحتلاله: «يا أعداء أميركا اتحدوا في سبيل تحرير العراق». 
ومن هنا.. بدأَ المحاور محمد عبد الحميد بعد ان حمد الله واثنى عليه،:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هو أحد اللبنات المهمة في الهرم المرجعي الإسلامي.. وله أتباع كُثَّر
في العراق، والدول العربية والإسلامية المجاورة.. وهو من الذين رفضوا العملية السياسية تحت مظلة الاحتلال الأميركي البريطاني.. ألفَّ أكثر من ثلاثين كتابا، وأدت أسرته العربية دورا بارزا في النضال التحرري ضد الاحتلال البريطاني في العشرينيات من القرن الماضي،  ويعارض بشدة النفوذ الأجنبي، والتدخل في الشؤون العراقية، ويدعو بحزم الى دعم المقاومة، شارك في مبادرات عدة من أجل الوحدة الوطنية، وضد الصراع الطائفي، ورفض كل الاتفاقات والمعاهدات التي من شأنها المساس بسيادة العراق واستقلاله ونهب ثرواته الوطنية، واعتبرها باطلة وغير شرعية، وذلك كله ضمن نهج إنساني إسلامي وطني يمثل بارقة أمل في تحرير العراق، وتوحيد صفوفه... أنه سماحة آية الله العظمى المرجع القائد أحمد الحسني البغدادي، فأهلا وسهلا به ضيفا كريما في برنامج «حوار الدنيا».
* محمد عبد الحميد: مرحبا بكم سماحة السيد
** أحمد الحسني البغدادي: أهلا وسهلا.. حياك الله.
* محمد عبد الحميد: أنتم علم من أَعلام العراق، ولكم باع طويل في الكثير من القضايا الحساسة والمصيرية، ولاسيما الملف الشرعي والسياسي في العراق.. أنتم من الذين تعرضتم لخطر كبير، حالكم حال كل الوطنيين، الذين يرفعون أصواتهم عاليا لتحرير العراق... تعرضتم قبل أيام لمداهمة منزلكم من قبل قوات عسكرية أميركية ـ عراقية مشتركة، وأُعْتُقِلَ نجلكم الأكبر السيد محمد في النجف بعد أنَّ قيل أن هنالك دعوات لتشكيل إٍتحاد أو جبهة عريضة مناهضة ومقاومة للاحتلال في العراق أَطْلقها جنابكم، وربما هذا هو ماجعل الطرف الآخر يستشيط غضبا، فبادر الى مثل هذه المداهمات لإسكات صوتكم.. أليس كذلك ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين... بوصفي ضد المشروع الأميركي بكل تفاصيله في العراق، وفي المنطقة والعالم، ومن الطبيعي أنَّ الذين أيدوا هذا المشروع الفتنوي وعملوا بكل ما يملكون من طاقات على دعمه ومساندته لابد لهم أن يتحركوا بأساليب خبيثة سواء على صعيد المداهمات العشوائية، أم على صعيد الحرب النفسية، أو على صعيد التصفية الجسدية، فلم تكن هذه المداهمة، أو هذا الاعتقال مفاجأة لي، بل هي شيء طبيعي، وأنا أنتظر أنْ اعتقل، أو أقتل في أيِّ لحظة من خلال مواقفي الثابتة، وأنا أختلف عن كل الذين يعارضون المشروع الأميركي من خلال اطروحاتهم القلقة أو مواقفهم البرغماتية إذا صح التعبير ـ ولازلت أوكد أن هنالك احتلالاً مباشرأً، والازمة متصاعدة، لذا حينما سمعت بنبأ مداهمة منزلي، واعتقال ولدي فرحْتُ كي تنكشف حقيقة الادعاءات الباطلة، والدعوات الديماغوجية، التي كتبت في بنود دستورهم الدائم الأسود في وجوب حصانة المرجعية الدينية، ألاَّ يقع عليها أي اعتداء، أو توهين لمقامها تحت أية شماعة،  بيد أن الله تعالى كشف زيف ادعاءاتهم، ومهما يكن فقد اجتاحتني فرحة غامرة  باعتقال ولدي أسوة بأبناء العراق المجاهدين، وحرائر العراقيات،  ممن لايزالون في أقبية السجون الأميركية، فولدي فداء لهذا الشعب الصابر العظيم. 
* محمد عبد الحميد: رجاء دكتور...
** أحمد الحسني البغدادي (مقاطعا): أنا لست دكتورا، وإنما أنا أحمد الحسني البغدادي.
** محمد عبد الحميد: عفوا سماحة السيد تشرفنا بكم ودعاؤنا ورجاؤنا أن يفرج الله سبحانه وتعالى عن نجلكم، وعن كل المظلومين والمتضررين في العراق.
** أحمد الحسني البغدادي: شكرا جزيلا.
* محمد عبد الحميد: أغتنم وجودكم في وطنكم الثاني سورية، وأنتم قطب فاعل في الساحة السياسية العراقية... من المعلوم أنكم انخرطتم في العديد من النشاطات والفعاليات والمواقف التي تناهض الاحتلال، ومددتم الأيدي والجسور مع تلك القوى، التي ربما لاتشارككم في المذهب ذاته، أو العرق، أو الدين،  فكنتم كتلة واحدة تساهمون في أعمال مشتركة، وتوحدون الأهداف في طرد الاحتلال، وتخليص العراق مما هو فيه..  فهل ثمة تجارب جديدة أو فعاليات ومواقف مستحدثة تقومون بها ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: عندما شاهدنا باللمسة التجريبية وحساب الاحتمالات، وبالتحديد مشروع المعارضة الوطنية والإسلامية العراقية، التي تناهض المشروع الأميركي في العراق، أَنَّ هذه المعارضة الوطنية والإسلامية ليس لديها عقلية قيادية تمتلك آفاقاً رحبة تقود الكفاحين السياسي والمسلح في الداخل، بصيغ جديدة، وأساليب مبتكرة الى ما نريد، تلك الأسس المفروض أن تكون راسخة لنقف عليها، فالبعض من أحزاب المعارضة (حاليا) تهتز وتنزلق في كل لحظة، بل نجدها أحيانا تنقلب على وضعها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، هذا كله بسبب هشاشة الأسس الأستقرائية، وفقدان العقلية القيادية، التي تقوم عليها في بنائها الآيديولوجي والعملياتي. أمام هذا الواقع ماذا نفعل؟ هل نسكت وفي السكوت القبول بالأمر الواقع، أو نتمرد ونقول لا، أنتم  لستم معارضة فاعلة في الساحة العراقية ونكون بالتالي محكومين بهاجس استبدادي، أو ندور في حلقة مفرغة، وعلى العكس، نحن نسعى بإخلاص الى رفع شأن المعارضة العراقية، والارتفاع بها الى مستوى تكون فيه معارضة حضارية التفكير السياسي، وثورية الممارسة الميدانية، ولذا فكَّرْنَا مع بعض الأطياف والأحزاب والشخصيات المستقلة لتشكيل اتحاد معارض يحمل مشروعاً ذا رؤية تأسيسية لا على صعيد العرضية، وإنما على صعيد الطولية مع كل الإطراف والأحزاب المقاومة والمناهضة للاحتلال. هذا، ونعتقد أنه من دون تعدد الأطياف والأحزاب تتوقف حركة التاريخ، وتتجسد النزعات الفئوية والعرقية والإثنية، ويغرق العاملون المناهضون والمقاومون في تية مظلم بلا دليل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. لهذا السبب انبثق هذا الإِتحاد كإضافة جديدة، ونقلة نوعية تؤمن بالمقاومة المسلحة قولا وفعلا، فضلا عن تفعيل المقاومة السياسية.  
* محمد عبد الحميد (مقاطعا): هل له من...
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): والشيء بالشيء يذكر... أنا أول من قدم استقالته من المؤتمر التأسيسي العراقي (الوطني) بسبب أنه لم يشكل جناحا عسكريا لمناهضة المحتل المجرم، بل يؤيد المقاومة المسلحة فحسب، وفي تصوري أنَّ ما أخذ بالقوة... لابد أن يسترد بالقوة هذه المقولة المأثورة قالها بالأمس الرئيس عبد الناصر بعد انتكاسة الخامس من حزيران العام 1967م.. هذه مقولة مستمدة من روح النص القرآني، كتاب الإسلام المحفوظ الخالد ـ
* محمد عبد الحميد: هذا الاتحاد... هل له من اسم معين؟..  
** أحمد الحسني البغدادي: نعم.. اسمه: «اتحاد قوى تحرير العراق»، وأدعو لمؤسسيه بالموفقية لتحقيق آمالهم وطموحاتهم بعون الله تعالى ومدده.
* محمد عبد الحميد: سماحة السيد يجعلنا نمضي بالحديث الى ما يتعلق بــ «الاتفاقية الأمنية» التي أثارت عندنا تساؤلات مهمة:
هل يفهم الأميركان أن الاتفاقية الامنية لاتحظى بالإجماع الوطني العراقي؟ وأَنَّ العراقيين يصرِّون على وجوب مغادرة قوات الاحتلال أراضيهم؟ وأنَّ لحظة هذه المغادرة قد حانت؟..
وهل يفهم الأميركيون أن العراقيين لايعيرون انتباهاً للتهديدات الأميركية الصريحة في حال رفض الموافقة على الاتفاقية الأمنية؟..
وهل تعلم قوات الاحتلال في العراق أن أرض الرافدين سوف تتحول الى نار تستعر تحت أقدامهم، وأقدام كل من يحاول شرعنة وجودهم في حال تمرير تلك الاتفاقية المسخ ؟..
ماهو موقف المرجعيات الدينية ؟..
وقبل أن نسترسل مع سماحة السيد لنتابع هذا التقرير:
«يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تحملُ المفاوض على التنازل على طاولة مايصطلح عليه بـ«الاتفاقية الأمنية» طويلة الأمد، التي من المفترض أن تكون مسودتها النهائية قد اكتملت، ولم يبق لإِنجازها سوى اكتمال الموافقات الأصولية من قبل الجانب العراقي.
إن الإدارة الأميركية، حسب تقارير المراقبين، أخذت تنحو منحىً جديداً في محاولة إقناع، أو بالأحرى إجبار المعارضين على إتمام هذه الصفقة المشبوهة، التي يتفق معظم العراقيين اليوم على أنَّها مجرد وثيقة تشرعن وجود الاحتلال الأميركي في العراق، هذا المنحى تلخص بالتهديدات المباشرة، التي وجهها كل من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، والأدميرال مايكل مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية اللذين حذَّرا العراقيين من عواقب وخيمة في حال عدم إبرام هذه الصفقة،  كما ترغب إدارته، فهددا بالقول إن الباب لم يغلق إلا أنه قارب على الإنغلاق بالنسبة لنا، والظاهر أن الإدارة الأميركية قرأت بشكل جيد الموقف الشعبي العام الرافض لإبرام الإتفاقية معها، ولا سيما عقب التظاهرات المليونية الرافضة، التي نظمها التيار الصدري في العاصمة بغداد، وكذلك الاعتصام الذي قام به نحو عشرين من (الكتلة الصدرية) أمام مبنى البرلمان بدعوة من زعيم التيار مقتدى الصدر رافضا للاتفاقية، سبق هذا إعلانُ الكثير من المرجعيات الدينية تحريم توقيع مثل هذه الاتفاقيات، وحجب الشرعية عن أية سلطة تشرعن وجود الاحتلال.
من جانب آخر بدا واضحا أن لعبة الشد والجذب قد بدأت بين المجلس السياسي العراقي، ورئاسة الوزراء،  ومجلس النواب حول رفض بعض البنود، أو تعديلها، ومحاولة زيادة سقف المطالب العراقية وما ذلك إلا ترجمة واضحة لنبض الشارع العراقي الذي يرفض عقدها، كما أن رد الحكومة على التهديدات الأميركية الوقحة جاء سريعا على لسان المتحدث باسمها، الذي عبر عن قلق حكومته البالغ أزاء تلك التهديدات، مضيفا أنه لايجب أن تفرض الاتفاقية بطريقة قسرية على حرية اختيار العراقيين، وأن من غير المناسب التخاطب معهم بهذه الطريقة. ويبقى التساؤل: هل فهمت الأوساط الغربية أن الاتفاقية الأمنية لاتحظى بالإجماع، وان ساعة الحقيقة للتعامل بجدية مع إصرار العراقيين على وجوب مغادرة قوات الاحتلال الأميركي أراضيهم قد حانت، والزمن هنا كفيل بالإجابة. وفيما تبدو الأيام القليلة المقبلة حاسمة في مصير تلك الاتفاقية الأمنية ببنودها المجحفة بحق العراق وأهله، فإن العراقيين يرون أنها إِذا قُررَتْ فان ألف حجر عثرة يقف في وجه تطبيقها وترجمتها الى واقع مفروض من الاحتلال والإدارة الأميركية.
* محمد عبد الحميد: أهلا بكم مرة أخرى، وهذا اللقاء مع سماحة السيد آية الله العظمى المرجع القائد أحمد الحسني البغدادي... أهلا وسهلا بسماحتكم مرة أخرى في برنامج «حوار الدنيا».
** أحمد الحسني البغدادي: حياك الله.
* محمد عبد الحميد: ماهو موقف مرجعيتكم تجاه ما يتعلق بموضوع الاتفاقية الأمنية؟.. وماهو موقف الشرع الحنيف من خلال خبرتكم العلمية في هذا المجال ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: يأخذك العجب كل العجب أن المعارضين مشروعَ الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية المهينة، والمذلة لكرامة شعبنا وأهلنا يُرْجِعُون الأمر تارة الى الاستفتاء الشعبوي، وتارة أخرى يرجعونه الى منظمة الأمم المتحدة، أو الى مجلس الأمن الدولي،  ومن حيث المبدأ، أنا لا أعترف بشرعية هذه المنظمات الدولية، وهي موجهة من قبل الماسونية العالمية وربيبتها الصهيونية.
* محمد عبد الحميد: يعني، عفوا.. رأيكم الشخصي أم رأى الشارع؟..
** أحمد الحسني البغدادي: هذه وجهة نظري، وهي، في الوقت نفسه، وجهة نظر الكثير من القادة الثوريين في حركات التحرر الإسلامية والعالمية.
* محمد عبد الحميد (مقاطعا): هو ليس بالضرورة رأى الشارع؟
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): والدليل على ذلك أنه لو كان هناك وجود لشرعية دولية ذات مصداقية حقيقية لطالبت بحقوق الإنسان، نوع الإنسان، وتحقيق آمال مستضعفي العالم وطموحاتهم، وفي مقدمتها فلسطين، التي لا تزال تحت نير الاحتلال الاستيطاني الصهيوني منذ ستين عاما. إنَّ الكثير من العراقيين يردونْ الأمر الى هذه المنظمات الدولية، أو الى البرلمان العراقي، ومن وجهة نظر فقهية هذه مخالفة شرعية، وهذه خيانة وطنية.
فلنكن صرحاء نحن في العراق، كمقاومة ثورية رسالية حضارية، لانقبلُ أبداً أن يُقْتَّلَ إنسان بريء، أو يُظْلَمَ كافرٌ معاهدٌ، وإنما نحن كمقاومة نقول للعدو المحتل المجرم: أخرجْ من أين آتيْتَ، لا مكان لك في دار الإسلام مهما تزعمُ أنك جئت من أجل (تحريرنا) من الدكتاتورية والاستبداد، ونشر الحرية والإصلاح والديمقراطية في عموم البلاد... نقول له أُخرْج إِنَّ القرآن، الكتاب المحفوظ الأخير، والعقل والوجدان والتاريخ كلُّها تؤكد علينا مقاتلتك وطردك عن وطننا الإسلامي الكبير، بل حتى حركات التحرر العالمية بقيادة هوشي منه،  وكاسترو، وتيتو، وغاندي، وماو تسي تونغ، وماندلا.. وهؤلاء من غير المسلمين طردوك شر طردة من أوطانهم، فكيف نحن كمسلمين ملتزمين؟ فبالطريقة الأولوية والقطعية لانقبل للكافر المحتل الفاقد العواصم الخمس المشهورة أن يحتل أي بلد مسلم حتى لو أعطى الحرية الكاملة لممارسة طقوسنا وشعائرنا، حتى لو لم يؤد ضررا في عقيدتنا وشريعتنا، حتى لو منحنا مليارات الدولارات لتشييد وطننا على طراز عواصم دول الغرب الرأسمالي كوشنطن، وباريس، ولندن.
إطلاقات أدلة  النصوص التشريعية على نفي سبيل الكافرين على المسلمين، والأدلة الدالة على النهي عن موالاة الكافرين، والأدلة على امتنانه تعالى بكف أيدي الكافرين عن المسلمين، وكثير غيرها من إطلاقات الأدلة وعموماتها، كُلُّها تؤكد على نفي شرعنة سيادة الكافرين على المسلمين من قبيل: إبرام هذه الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين الجانبين الأميركي والعراقي. أما يأتي أحد الناس يتفلسف علينا وهو يتسم بالجهل المركب، أو غير متفقه في معرفة شريعتنا العملية الخاتمة، أو أنه علماني ـ ليبرالي يفهم المسألة من منظوره الخاص بحجة الخضوع للواقعية السياسية أو التوفيقية، أو مرجع ديني مثير للجدل يرجئُ الأمر الى مجلس النواب بحجة أَنهم ممثلو الشعب العراقي، مثل هذا لاقيمة لوجهة نظره إطلاقا لأن هؤلاء انتخبوا تحت الحراب الأميركية، والحماية اللوجستية الإسرائيلية.
* محمد عبد الحميد: سماحة السيد.. بما أنكم ترفضون الاحتلال جملة وتفصيلا، وتطالبون بخروجه... طيب البعض يقول: إِنَّ مغادرة المحتل يجب أن تكون ضمن أطر ونظم معينة تحفظ العراق من الفتنة المذهبية والعرقية، وفي المقابل هذا المحتل (ربما) يبقى جاثم على أرض العراق الى مدى طويل إذا لم يكن هنالك مقاومة سلمية أو سياسية، إن صح التعبير، الى  جانب مقاومة مسلحة.. من وجهة نظركم... كيف تفرقون بين هاتين المسألتين؟..
** أحمد الحسني البغدادي: هذه أكذوبة مفضوحة... التي تقول إذا غادر الأميركان البلاد فسوف تحدث فتنة في أوساط الشعب العراقي... هذه مزاعم تضليلية،  يطلقها التابعون للولايات المتحدة الأميركية، أكل الدهر عليها وشرب... منذ يوم تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء يحاولُ الأميركان من خلال هذه الجريمة النكراء تأجيج الحرب الأهلية، لكنَّ وعي أبناء الشعب أسقط هذا المشروع الفتنوي التقسيمي، ولم يحقق، ولن تحقق طموحات الصهاينة في جعل العراق دويلاتٍ وكونتوناتٍ ضعيفة هزيلة، متصارعة متقاتلة فيما بينها حتى تبقى إسرائيل هي الأقوى في المنطقة عسكريا واستخباراتيا ولوجستيا واقتصاديا وثقافيا، ولكن ليعلم هؤلاء مهما يتآمر علينا الصهاينة والأميركان والتابعون لهم من الملوثين والمفتونين والغرباء والقتلة واللصوص تستمر المسيرة الكفاحية، وهذا هو منطق الأمم في تحرير أوطانها من خلال المقاومة السياسية والميدانية، وهذا هو منطق حركات التحرر الإسلامية قديما وحديثا.
* محمد عبد الحميد: سماحة السيد... البعض يقول إن الولايات المتحدة الأميركية هي في أضعف أوقاته،ا خصوصا أنَّ هنالك إدارة تنصرف، وإدارة مقبلة ربما تكون بقيادة الحزب الديمقراطي... يعني مجىء باراك أوباما سيقوم بمفاجئات لم تكن في الحسبان ربما تغيير سياسية واشنطن ككل إزاء العالم الخارجي، وفي ضمن هذا السياق التركيز على موضوع الاتفاقية.. نسأل: هل هنالك ُثمة نقاط تتحفظون عليها، أو ترفضونها، أو تريدون تغييرها الى اتجاه آخر، أم أنكم ترفضون الاتفاقية جملة وتفصيلا ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: سُئلْتُ في بداية المفاوضات حول هذه الاتفاقية، التي زعموا أنها تحفظ سيادة العراق وخلاصه من البند السابع، وردع أي عدوان من دول الجوار الجغرافي... قلت صراحة أن هذه أكذوبة مفضوحة، بل إِنَّ نتائجها كارثية مرعبة على أمن المنطقة،  وإذا أَبْرِمَتْ بين الجانبين فإنِّها تعد خيانة عظمى من وجهة نظر إسلامية.
* محمد عبد الحميد (مقاطعا): فعلا هذه فتوى شرعية...
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): يجب إسقاطها بتصعيد المقاومة العملياتية.. والاعتصامات الجماهيرية، والتظاهرات الشعبوية سواء بسواء، نحن أمة حية مجاهدة لاتقبل بالإذلال والتوهين على طول التاريخ.. فلا إيران تتمكن أن تتدخل في شؤوننا الداخلية، ولا أمريكا تبقى في وطننا الى أبد الآبدين.. ولأول مرة أكشف لك يا أخي عبد الحميد أن كل حركات التحرر العربية والإسلامية التي حررت أوطانها من الاستعمار والاستكبار والكفر العالمي كانت مدعومة ماديا ومعنويا ما في ذلك ريب، فهذه جبهة التحرير الجزائرية ساندها الاتحاد السوفيتي، والرئيس عبد الناصر، والزعيم عبد الكريم قاسم، بل حتى من قبل عميل الغرب الإمبريالي نوري السعيد رئيس الوزراء الأسبق في العهد الملكي، والعكس بالعكس... نحن كمقاومة لم يدعمنا أحد من النظام العربي أو الإسلامي الرسمي إطلاقا، بل نحن نقاتل بـ«الكلاشنكوف».. أفشلَتْ المشروع الأميركي، وتصدت لأقوى جيش فتاك في العصر الحديث، يعتبر أداة للهيمنة الامبريالية على العالم... لم يبق لأميركا إلا الإعلان عن هزيمتها في العراق رسميا، ولولا صمود المقاومة ونفسها الطويل، ونوعية تصديها لسقطت المنطقة تحت هيمنة إسرائيل وأميركا سواء بسواء.
وبالمناسبة زارني بعض أعضاء المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقالوا لي: تكلَّمْ عن العراق هل من جديد؟ قُلْتُ لهم: لا أتكلمُ إطلاقاً... حدثوني أنتم عن التداعيات الأخيرة في فلسطين المحتلة لأنَّها قضية مركزية لدى العرب والمسلمين. قالوا: لا شخينا! بل أنتم القضية المركزية  فإذا هُزِمْتُم في معركتكم الفاصلة مع العدو الأميركي الغاشم تسقط كل منجزات الشعب الفلسطيني ومكتسباته التحررية... من هنا اقول لكم: إن أتفاقيتي أوسلو وبلانتيشن، وبالتالي خارطة الطريق التي انكشفت أكذوبة دولية مفضوحة لأنها تدعو الى قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل، وتشترط عليها الالتزام بمكافحة الإرهاب كشرط ملزم، ومن المؤسف والمؤلم أَنَّ المفاوض الفلسطيني قبل بهذا الشرط الملزم، لأنه  لايعرف بنود القانون الدولي بالتفصيل، ونسى أن هناك فصائل فلسطينية تريد تحرير فلسطين كلها كـ«الجهاد» و«حماس» وغيرهما، وحتى الآن لم يحصلوا على قيام دولة فلسطينية مستقلة منذ ستة عشر عاما، لأن الإسرائيليين ألزموا الفلسطينيين بشرط إنهاء الإرهاب، ضد آمن إسرائيل ونسي المفاوض الفلسطيني، أو تناسى أن الشعب لازال يتمسك بالبندقية المقاتلة بوصفها الطريق الوحيد للتحرير والعودة،  ولذا تشاهدهم يمارسون أبشع أنواع القهر والقتل والتشريد والحصار الاقتصادي الظالم على قطاع عزة،  ومن هذا المنبر أحيي كتائب القسام وفصائل المقاومة الوطنية الأخرى في ديمومة كفاحها المسلح، وتمسكها بالبندقية المقاتلة في سبيل تحرير فلسطين، كل فلسطين.
* محمد عبد الحميد: طيب سماحة السيد... أنت تكبر كفاح الفلسطينيين وصمودهم على المقاومة واسترجاع حقوقهم المشروعة.. في حين أن الأطراف العراقية التي انخرطت في العملية السياسية، وتزعم أنها تؤدي الى تحرير العراق، كما أن لهذه الأطراف أنها جاءت من رحم الشعب العراقي، وهؤلاء لهم قواعدهم الشعبية، ولهم مرجعياتهم الدينية... ماهي الرسالة التي توجهها الى تلك الأطراف ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: أنقل اليك حكاية كان أَلقيْتُ خطابا في حفل جماهيري بمخيم اليرموك في دمشق بمناسبة انطلاقة جبهة التحرير الفلسطينية الثامنة والعشرين، في 12 أيار 2006م، قلت فيه مامعناه: فريق من الذين دخلوا العملية السياسية الجارية في العراق بالأمس كانت لديهم قناعات وطنية من خلال المشاركة في العميلة السياسية، بأنَّ الأميركان سوف يخرجون من العراق، لكن بعد أن وجدوا أن المحتل مصر على البقاء يجب عليهم أن يلتحقوا بصفوف مجاهدي المقاومة العراقية، وإلا فهم من الجواسيس والعملاء ـ بلا استثناء ـ إِنهم ينفذون أجندة المحتل المجرم، وهنا بيت القصيد، انتقد البعض حديثي هذا بوصفه إطلاقياً في حق الذين دخلوا في العملية السياسية، وهذا غير صحيح من وجهة نظرهم!!..
ومن هنا.. أكرر القول  لهذه الأطياف: أي عار؟!.. وأي خزي؟!.. كيف يقبل هؤلاء البقاء في مناصبهم إن كانوا حقا  وطنيين؟!..أي عار؟!.. وأي خزي؟!.. أن يوافق هؤلاء على إبرام هذه الاتفاقية الأمنية، مادامت هنالك مقاومة سياسية وميدانية قوية متصاعدة، ومادامت هنالك هزيمة تاريخية حققتها المقاومة، لا محصورة على القوات العسكرية الأميركية في العراق فحسب، بل على العولمة الرأسمالية العالمية برمتها لما لهذه الهزيمة من تداعيات مرعبة، أهمها انحسار القطب الآحادي المنفرد بقيادة أميركا، وظهور قوى أخرى ترفضُ أن تتخذ من العولمة المتوحشة سبيلا للحياة الحرة الكريمة.
* محمد عبد الحميد: لكن بعض المراقبين يقولون إن هذه المقاومة، التي تتحدث عنها ليست مؤثرة لأنها غير موحدة، وليس لها مشروع موحد؟..
** أحمد الحسني البغدادي: لو كانت فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية موحدة لَكُشِفَتْ للعدو المجرم، بل هي مجاميع صغيرة، كل واحدة منها تعمل على حده وبسرية وانضباط حركيين.
* محمد عبد الحميد: هل هذا النهج تكتيك أم استراتيجية تتبعها المقاومة؟..
** أحمد الحسني البغدادي: هذا العمل استراتيجي وليس تكتيكا، لأن فصائل المقاومة العراقية تتبنى التنظيمات المجهرية، بوصفها تنفذ العمليات الميدانية والاستشهادية في أرض مكشوفة، لا في جبال شاهقة، وأودية سحيقة، وغارات عميقة، وقد أكدْتُ على بعض فصائل المقاومة، وليطلع أبناء العراق والأمة، أَنَّها يجب أن تكون هكذا، وبسبب هذا الأسلوب المجهري الناجع تحركت المملكة العربية السعودية بناءً على الرغبة الأميركية الإسرائيلية لاختراق رموز المعارضة العراقية التي تناهض والإحتلال وتقاومة، في سبيل الوصول الى الاحتواء المزدوج فتحوا جسورا مع هذا الطرف أو ذاك، وقبض البعض منهم مخصصات شهرية، هي بالطبع من وجهة نظرنا مشجوبة ومحرَّمةُ.
* محمد عبد الحميد (مقاطعا): هل اتصلوا بسماحتكم؟..
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): هذا سؤال مهم (بس خليني) دعني أكمل حديثي لأن هذه المسألة، على ما أرى، حساسة للغاية ينبغي توضيحها كما يجب، لأن المعارض الراديكالي العراقي الوطني الذي يناضل لإنهاء الاحتلال 100/100، وتصفية جنوده، ونسف آلياته العسكرية،  إذا قبض مخصصات شهرية يسيل لها لعابه على ذقنه تذوب عنده جذوة النزعة الثورية الكفاحية ضد العدو الأميركي البريطاني بنسبة 50/100، فيمنح الشرعية للمشروع الأميركي في العراق!.. ويغض النظر عن كل من يأتي من الأراضي السعودية يحمل الأحزمة الناسفة، ويقود السيارات المفخخة لاستهداف التجمعات الشعبية في سبيل تشويه سمعة المقاومة العراقية،  ومهما يكن ياأخ  عبد الحميد.... أرجو أن تعيد سؤالك الثاني مع الاعتذار.
* محمد عبد الحميد: السؤال.... هل اتصلت هذه الجهات المعنية بسماحتكم ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: نعم بالتأكيد في مساء الخامس من أيار 2006م، كنت أجلسُ في صالة فندق الإيوان دق هاتفي الجوال، وإذا المتكلم شخصية كنت احترمها لأني اعتبره شخصية وطنية، وقد صُدمت إذ لم يدر في خلدي أَنْ يخاطبني هذا الشخص بهذه اللغة... قال لي بالحرف الواحد: «مرجعية دينية عربية لاتستقطب عوام الشيعة إلا بالدعم المادي، وهذا السيستاني (ماشوف الآن منشنش)... سأفتح لك جسرا مع الإخوة السعوديين... يرتبون أمرك».
* محمد عبد الحميد: ما اسم هذه الشخصية ؟!..
** أحمد الحسني البغدادي: أعتذر في ذكر اسمه، إذا سمحت لي، وذلك خلافاً لمقامي وشأني، لكني ذكرْتُ بعض الأسماء بالأمس من خلال الإعلام المقروء والمسموع والمرئي كمثل محمد رضا السيستاني، وعبد العزيز الحكيم ونجله عمار بوصفهم هم السبب الأساسي في تحريض الأميركان على اجتياح منزلي واعتقال ولدي ومرافقيه!..
* محمد عبد الحميد: هذا الذي اتصل بسماحتكم... هل هو طرف عربي؟..
** أحمد الحسني البغدادي: نعم.. هو طرف عربي اتصل بي من لندن. 
* محمد عبد الحميد: يعني... هو ليس عراقيا ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: لا... هو عراقي، ووسيط من قبل السعوديين، وقد كسب بالفعل بعض المعارضين العراقيين المقيمين في سوريا والأردن، وقبضوا عن طريقه مخصصات شهرية،  وأنا شخصياً أعرف بعضاً منهم  بالأسماء، وهم يسمعون قولي الآن.
* محمد عبد الحميد: عفوا سماحة السيد... ما الذي تستفيده السلطة السعودية من هذا الاحتواء.. وهي على علاقات متينة مع الأميركان ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: السعوديون يعرفون من أين تؤكل الكتف، لايقطعون شعرة معاوية مع أيِّ طرف من أطراف المعارضة العراقية، وهم يحاولون احتواء أي طرف في المعارضة العراقية في سبيل الوصول الى تحقيق أهداف معينة، تدفعهم الى ذلك حالة الضعف عند العدو، والقوة عند المعارضة، وبذلك يقللون من نشاط المقاومة ونضالها.. في محاولة لدمجها في المشروع الأميركي.  
ومن هذا المنبر أقول: وصمة عار أبدي على رموز المعارضة الوطنية والإسلامية العراقية أن ينسقوا مع الحكام السعوديين، الذين أعطوا الشرعية للمشروع الأميركي في العراق،  الذي يُعَدُّ الأنموذج المتوحش لعولمة المنطقة على الطريقة الأميركية، لأنّ هذا يساعد الأميركان على تأجيج الفتن بين أبناء الأمة، الواحدة لا في العراق المحتل وحدَهُ، بل حتى في لبنان وسوريا بل وفي المنطقة برمتها.
* محمد عبد الحميد: سماحة السيد... نعود الى موضوع الاتفاقية الأمنية الآن، علمنا أن موقفكم منها موقف مناهض، وتدعون الى إسقاطها بالمقاومة المسلحة تحديدا، لكن، في الحقيقة تمَّ الأمر وصارت الاتفاقية أمرا واقعا على توقيعها من الحكومة العراقية والإدارة الأميركية.. ماهو موقفكم في الخطوة القادمة ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: في حدود فهمي أَنَّهم لم يوقعوا على إبرامها في ولاية بوش، لإسباب يمكن فهمها.
* محمد عبد الحميد: لماذا ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: من أجل أن يخدعوا شعبنا وأهلنا من خلال هذه المماطلة، وهم غير وطنيين لأَنَّهم جاؤوا على ظهور الدبابات الأميركية.
* محمد عبد الحميد: لكن الحكومة الحالية تقول إنها تناضل من أجل سيادة العراق واستقلاله كيف تعلق على ذلك  ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: في تصوري... مادام لهم خيارات وخطط متعددة، ومادام هناك شعب يناضل سياسيا ويقاتل ميدانيا، فهذا كفيل باسقاط كل المشاريع التوراتية الاستكبارية، المفروضة على أهلنا وشعبنا، وإذا كانوا وطنيين حقاً ـ كما يزعمون ـ فليعلنوا الاستقالة من حكومة الاحتلال الرابعة بعد هزيمة أميركا في العراق.. وغدت ضعيفة في المنطقة، والضعيف لايؤثر على القوي، بيد أنهم يبقون ضعفاء، بل أذلاء صاغرين مع الأضعف، وبالتالي هذه خيانة عظمى إذا وقعوا عليها.
* محمد عبد الحميد: لكن... الشعب العراقي الآن بعد أن أنهكته الحروب العبثية، والحصار الاقتصادي الظالم المفروض، والأمراض الفتاكة، وتعطيل الخدمات، والطائفية المتجذرة... نريد ـ كما يقول المثل قشة ليمسك بها هؤلاء لينجوا من الغرق.. فهل من قشة تقدمها الى تلك القوى التي ترفض الاحتلال، وتقدم مشروعاً بديلا لما ترفضونه الآن ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: أخي عبد الحميد لنكن صرحاء... المسألة واضحة لاتحتاج الى تفسير ودليل.. هنالك مقاومة عنيدة مشروعها لايتبدل ولا يتغير هو التحرير والعودة والاستقلال الكامل، وهذا نهج كل مناضلي شعوب العالم المحبة للسلام والحرية والاستقرار.
* محمد عبد الحميد: لكن ليس بالضرورة أن يؤمن الكل بحمل السلاح... أليس كذلك ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: صحيح كل واحد من موقعه يناهض الاحتلال، البعض منهم يناهضه بالكلمة الملتزمة، والبعض الآخر بالرصاصة الحية، ومن خلال هذا وذاك نطرد المحتل من...
* محمد عبد الحميد (مقاطعا): سماحة السيد..
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): بلاد الرافدين الأشم، وتقام دولة تعددية شورية دونَ استثناء آية طاقة وطنية، ومن خلالها تزال التوصيفات العرقية والإثنية والمذهبية القائمة على أساس هذا كردي، وذاك تركماني، وهذا سني وذاك شيعي، وهذا آشوري وذاك أزدي.. وهذه كلها لم تكن موجودة قبل الاحتلال الفتنوي الأميركي... ياأخ عبد الحميد... الشعب العراقي نسيج متداخل بين كل العراقيين، وأرحامي وأهلي تصاهروا مع أبناء أهل السنة والجماعة.
* محمد عبد الحميد: فقط استفسر عن هذه النقطة التي تثيرها حضرتك، الشعب العراقي ليس كله يحمل السلاح.. كيف يمكن أن ينخرط الجميع في رفض هذه الاتفاقية،  وإيجاد بديل أفضل منها ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: سؤالك ليس دقيقاً ـــ على ما أرى ــــ أنا قلت قبل لحظات الشعب العراقي يناهض العدو المجرم ويقاومه تارة بالكلمة الملتزمة، وتارة أخرى بالرصاص الحي.
ومهما يكن من هذا الطرح كله... ألم تر بأم عينك التظاهرة المليونية، التي قادها الخط الصدري، ومن ورائه التيارات الإسلامية والوطنية، هذا ان دل على شيء، فإنما يدل على أنً الشعب العراقي بكل أطيافه، و أعراقه ومذاهبه يحاول إسقاط هذه الاتفاقية الأمنية. أما الجهاد المسلح فلا يمكن أن يكون بيد كل العراقيين، وأنا في تصوري حرب العصابات القائمة على أساس الكر والفر هو الأسلوب الأمثل لتحرير العراق.
* محمد عبد الحميد: بقى لدينا بعض الوقت، ونريد أن نرتب بعض الأشياء.. كيف يتم تخليص العراق من البند السابع كعقوبة مفروضة عليه من قبل منظمة الأمم المتحدة؟
** أحمد الحسني البغدادي: هذا الفصل السابع الذي فرض كعقوبة على  العراق بعد اتهامه بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وبما أن هذه أكذوبة مفضوحة انكشفت بعد الاحتلال الغاشم فهي ساقطة ابتداءً من وجهة القانون الدولي. ثم إن سقوط هذه الاتفاقية وقبلها الفصل السابع لايتحقق إلا بوحدة الشعب، وبالانتماء الوطني، وإصرارها على ديمومة المقاومة السياسية والعملياتية،  وانشدادها مع الله سبحانه وتعالى بالحضور الوجداني،  والحب الاختياري، والقرب الملكوتي، فكل الأمم والشعوب التي لاتنشد مع الله بوصفه المطلق انهزمت شر هزيمة. 
وفي عقيدتي أن مقاومتنا العراقية ستنتصر بوصفها تستمد القوة والمدد من الله تعالى، وبجهود المجاهدين وسواعدهم الضاربة، الذين ليسوا لهم دعم ومساندة من النظام الرسمي العربي والإسلامي، وأتحدى كل من يزعم أن لهم دعما من هذا النظام الرسمي أو ذاك... نعم هناك بعض الدكاكين يستغلون هذه المقاومة ويتاجرون باسمها، وبالتالي يذهبون الى حكام السعودية يزعمون تمثيل المقاومة، وقيادة مسيرتها الكفاحية في حين يعيش رجال المقاومة الحرمان والحصار الاقتصادي الظالم، ولذا اضطر البعض منهم الى بيع مدخراتهم واستثماراتهم وعقاراتهم وأراضيهم هذه حقيقة واقعة لايمكن إنكارها.
* محمد عبد الحميد: هل تفرقون بين ما هو إرهاب وبين ما هو مقاومة ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: نعم.. نعم.. هناك فرق بين الاصطلاحين.. الإرهاب بالمفهوم القرآني هو الرعب والخوف، الذي يرهب العدو، وهذا غير العمليات الانتحارية، التي تستهدف التجمعات الشعبية، والتي يوجد فيها النساء والأطفال والشيوخ ليست إرهابا، كما يزعمون، بل هي عمليات إجرامية مدانة، تشجبها من كل الأديان السماوية والمذاهب الأرضية.
* محمد عبد الحميد: (مقاطعا): لكن.. لكن...
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): إذن هناك فرق بين الإرهاب والمقاومة،  بيد أن أمريكا والتابعين لها يتهمون كُلَّ من يرفع بندقيةً مقاتلة بأنَّه إرهابي لتشويه سمعة المقاومة في العراق.
* محمد عبد الحميد: هل تساندون كل من يرفع بندقية مقاتلة في وجه المحتل الأميركي مهما يكن انتماؤه وعرقه ومذهبه؟
** أحمد الحسني البغدادي: نعم.. هذا هو نهجنا وشعارنا، رفعناه منذ غزو العراق واحتلاله: «يا أعداء أميركا اتحدوا في سبيل تحرير العراق».
* محمد عبد الحميد: أنتم تتبنون خط الكفاح المسلح ضد الاحتلال، إذا فرضنا فشل العملية السياسية الجارية في العراق، وأراد العدو أن يفاوض رجال المقاومة العراقية، من خلالكم في سبيل إنهاء أزمة القضية العراقية.. فكيف يكون موقفكم ؟..
** أحمد الحسني البغدادي: في خريف 2008م اتصل ـ باحد عناصرنا القيادية في تيار المرجعية الإسلامية ـ السيد عماد ضياء الخرسان، وهو عضو ارتباط استخباراتي بين السيد السيستاني... 
* محمد عبد الحميد (مقاطعا) باختصار... وقت البرنامج يداهمنا ؟.
** أحمد الحسني البغدادي (متابعا): والحاكم المدني بول بريمر، قال له صراحة: أنا جئت مبعوثا من قبل السفير الأميركي رايان كروكر في بغداد يريد أن يتشاور وينسق مع السيد البغدادي تحديدا، وبالتالي مع كل المعارضين، الذين يرفضون العملية السياسية جملة وتفصيلا لأن الأميركان انكشفت لهم حقيقة هؤلاء بأنهم فاشلون  في توفير الأمن والآمان للشعب أمنيا واقتصاديا في العراق (الجديد)، فكان رده صريحا:
«إن سماحة السيد لا يلتقي السفير الأميركي اطلاقا، وأنت تعرف أَنَّه صلب في ذات الله وعنيد في رفضه وجود المحتل في الوطن الأعز».
 وفي تصوري أن الهجوم الأخير على منزلي واعتقال ولدي محمد ومرافقيه هو أحد الأسباب على ما أرى.
* محمد عبد الحميد: وتبقون ترفضون دائماً أيَّ لقاء مع الأميركان ؟.. 
** أحمد الحسني البغدادي: نعم.. البندقية المقاتلة هي البديل الوحيد الفريد لتحرير الأرض والإنسان في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وفي أفغانستان .
* محمد عبد الحميد: في ختام هذا اللقاء الحواري نسأل الله سبحانه تعالى أن يمن على أوطاننا بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يلهم كل المرجعيات والقادة الرأى السليم،  ونقدم الشكر الجزيل لسماحة آية الله العظمى المرجع القائد أحمد الحسني البغدادي لقدومه، وتجشم عناء الحضور الى هنا، وعلى تلك الملاحظات والإيضاحات في هذا الشأن، ولاسيما مايتعلق بالاتفاقية الأمنية والملفات السياسية الأخرى، وشكرا  للكادر الفني جميعا، وشكرا لكم مشاهدينا على المتابعة، أنا محدثكم محمد عبد الحميد... نلقاكم مرة أخرى.

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha